السعودية: أمطار «الشرقية» تجاوزت 40 مليمترًا.. وبدء انحسار السحب الركامية

درجات الحرارة انخفضت إلى ما دون الصفر في الحدود الشمالية والجوف

شهدت العاصمة السعودية أمس هطولاً كثيفًا للأمطار وفي الصورة سعودي يتوجه إلى منزله تحسبا لزيادة الأمطار (تصوير: أحمد يسري)
شهدت العاصمة السعودية أمس هطولاً كثيفًا للأمطار وفي الصورة سعودي يتوجه إلى منزله تحسبا لزيادة الأمطار (تصوير: أحمد يسري)
TT

السعودية: أمطار «الشرقية» تجاوزت 40 مليمترًا.. وبدء انحسار السحب الركامية

شهدت العاصمة السعودية أمس هطولاً كثيفًا للأمطار وفي الصورة سعودي يتوجه إلى منزله تحسبا لزيادة الأمطار (تصوير: أحمد يسري)
شهدت العاصمة السعودية أمس هطولاً كثيفًا للأمطار وفي الصورة سعودي يتوجه إلى منزله تحسبا لزيادة الأمطار (تصوير: أحمد يسري)

تواصل أمس هطول الأمطار الغزيرة على مناطق عدة في السعودية؛ من بينها العاصمة الرياض، في حين توقعت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، انحسار الحالة المطرية بدءًا من اليوم، باستثناء المرتفعات الجبلية، مشيرة إلى عدم تأثير السحب الركامية (سي بي) على الملاحة الجوية.
وأكد حسين القحطاني، المتحدث باسم الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، أن الكتل الهوائية التي شهدتها سماء السعودية في مختلف مناطقها بشكل متفاوت، أسهمت في انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام الماضية، إضافة إلى هطول أمطار تراوحت بين متوسطة وغزيرة، مشيرًا إلى أن المنطقة الشرقية شهدت أعلى مستوى للأمطار بتسجيلها قرابة 40 مليمترا، فيما سجلت منطقتا الحدود الشمالية والجوف أقل درجة حرارة جراء الكتل الهوائية، بواقع درجة واحدة تحت الصفر.
وأضاف القحطاني أن الحالة المطرية والانخفاض في درجات الحرارة، انحسرا بشكل كبير، متوقعًا أن يشهد اليوم وغدًا أجواءً شبه مستقرة في معظم المناطق، ما عدا المناطق الجبلية التي يستمر فيها هطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، مشيرًا إلى أنه بعد انتهاء تأثير الكتل الهوائية التي أسهمت في انخفاض درجات الحرارة خلال الأيام الماضية، ستعود درجات الحرارة إلى وضعها الطبيعي.
ولفت إلى عدم وجود مؤشرات قريبة لهطول أمطار على مدينة جدة، إلا أنه لم يستبعد إمكانية وجود فرص مشابهة في المدن القريبة منها، متوقعًا أن تستمر السماء غائمة جزئيًا إلى غائمة، مع فرصة لهطول أمطار رعدية على مناطق الرياض والأجزاء الشمالية من المنطقة الشرقية، والقصيم، وحائل، والأجزاء الجنوبية من الحدود الشمالية.
وتطرق إلى أن السحب الرعدية الممطرة ستواصل المرور على مرتفعات مناطق الباحة، وعسير، وجازان ومكة المكرمة والأجزاء الساحلية من القنفذة إلى جازان، مصحوبة بنشاط في الرياح السطحية، إضافة إلى تكون الضباب على مناطق الرياض، والشرقية، والقصيم، وحائل، وعلى المرتفعات الجنوبية الغربية، وذلك خلال ساعات الليل وحتى الصباح الباكر.
إلى ذلك، أوضح بندر الأسمري، اختصاصي الرصد الجوي، لـ«الشرق الأوسط»، أن سحب «سي بي» المعروفة بـ«السحب الركامية» شديدة الغزارة، وأنها تشكلت في مناطق عدة خلال الأيام الماضية، مشيرا إلى تكون كتلة كبرى في البحر الأحمر اقتربت إلى نحو 50 كيلومترا من محافظة جدة، إلا أنها ابتعدت ولم تشكل أي اضطراب في الملاحة الجوية على أي من مناطق السعودية.
وأضاف الأسمري أن ارتفاع سحب «سي بي» يتراوح بين 8 كيلومترات و11 كيلومترا، وهو الارتفاع الذي تحلق خلاله بعض الطائرات، مما يدعو غرف عمليات الملاحة الجوية إلى عدم السماح بالملاحة الجوية خلال هذه السحب، بسبب قوة رياحها بشكل صاعد وهابط في آن، إضافة إلى أنها تكون مصحوبة برياح هابطة تثير الأتربة في الأماكن القريبة منها، وقال: «تنسق الطائرات مع غرف العمليات والملاحة الجوية، فإما المرور من فوقها، أو الالتفاف من حولها، إلا أنه ينصح بعدم التحليق خلالها أو الاقتراب منها».
وأشار إلى أن سحب «سي بي» أشد أنواع السحب الركامية، لما تسببه من عدم استقرار الحالة الجوية، إضافة إلى أنها تشكل الرعد والبرق بشكل متواصل، وتسبب انخفاضًا في درجات الحرارة، وتظهر على شكل كتل ضخمة داكنة اللون، ويستطيع الناس تمييزها من خلال ملاحظة البرق وسماع صوت الرعد.
إلى ذلك، حذّرت المديرية العامة للدفاع المدني السعودية، عبر مركزها الإعلامي، المواطنين والمقيمين من الخروج في نزهات برية قرب أماكن تجمعات الأمطار ومجاري السيول، مهيبة بهم توخي الحيطة والحذر لحين انتهاء موجة الأمطار التي أخذت في الانحسار، مشددة على خطورة الوجود في المواقع المنخفضة والأودية وشبكات تصريف مياه الأمطار.
وكشفت المديرية في بيان صحافي، أن مراكز التحكم والتوجيه بمناطق الرياض ومكة المكرمة والباحة والشرقية وجازان وتبوك، استقبلت خلال الأيام الستة الماضية 457 بلاغًا جراء الأمطار والسيول على مناطق المملكة كافة، حيث تم إنقاذ 132 شخصًا، وإخراج 102 مركبة، وإخلاء وإيواء 12 أسرة، مشيرة إلى أنه سجل 55 بلاغًا في مدينة الرياض، و5 بلاغات في مكة المكرمة، وبلاغ واحد في الباحة، وآخر في جازان، و14 في تبوك، و381 في الشرقية، جراء الأمطار التي هطلت على تلك المناطق.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)