.. في مصر تفجر «ثورة الأغنياء»

حالة من الفوضى وعروض تشعل مواقع التواصل الاجتماعي

.. في مصر تفجر «ثورة الأغنياء»
TT

.. في مصر تفجر «ثورة الأغنياء»

.. في مصر تفجر «ثورة الأغنياء»

حالة من الفوضى والزحام المروري والهرج والمرج أمام المولات والأسواق التجارية الكبرى عاشتها المدن المصرية أول من أمس الجمعة، بسبب حملة التخفيضات المسماة بـ«بلاك فريداي»، حيث توافد المواطنون على المراكز التجارية منذ الصباح الباكر في محاولة لاقتناص الفرصة واستغلال العروض والتخفيضات.
وتسبب ذلك في حالة احتباس مروري في الطرق الرئيسية كافة في القاهرة والإسكندرية المؤدية لمراكز التسوق، وبدأ المارة يتساءلون عن سبب الزحام والشلل المروري التام في يوم الجمعة الذي من المفترض أنه يوم عطلة ويتميز بالسيولة المرورية، حيث أدى الزحام إلى تعطل مداخل مدينة الرحاب والتجمع الخامس، وزحام غير مسبوق أمام مداخل بوابات القاهرة بسبب وجود مراكز التسوق، فيما توقف مدخل مدينة الإسكندرية بشكل تام عقب صلاة الجمعة وحتى الساعات الأولى من صباح السبت. وتأتي الحملة التسويقية تشبها بيوم «الجمعة السوداء» التي تعقب عيد الشكر في أميركا وتقدم فيها المحال والمراكز التجارية تخفيضات كبرى، وتتسبب عادة في حوادث واشتباكات بين المستهلكين، فيما قامت بعض مواقع التسوق الإلكتروني في مصر بإطلاق حملة التخفيضات تحت هاشتاغ «#الجمعة_البيضاء» لجذب المستهلكين أيضا.
يأتي كل ذلك في ظل ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع بما يوازي 3 أضعاف أسعارها، وحالة ارتباك كبيرة في عمليات البيع والشراء. ويبدو أن مراكز التسوق لم تكن على استعداد تام لمثل هذا اليوم، حيث أدى توافد المستهلكين إلى اشتباكات قبيل الدخول للتسوق، واشتباكات بالأيدي وتراشق بالألفاظ عند نهاية التسوق أمام «الكاشير». فيما رفض البعض الشراء بعد تحمل مشقة وعناء انتظار الساعات قبل الوصول للمراكز التجارية بسبب أن التخفيضات لم تكن بالمستوى الذي كان يظنه. وهو ما كشفته حسابات المستخدمين عبر «السوشيال ميديا» الذين شنوا هجوما على مراكز التسوق بأنها تقوم برفع الأسعار الأصلية، وتعلن عن التخفيض الوهمي الذي يقدمها للمستهلك بسعرها الأصلي.
فيما سخر البعض من سلوك المصريين الاستهلاكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مطلقين هاشتاغ «#ثورة_الأغنياء» في تهكم من هاشتاغ «#ثورة_الجياع» الذي روج له البعض في بداية الشهر الحالي، بسبب الغلاء الذي أصاب السلع الغذائية والكماليات والسلع المعمرة على اعتبار أنه أثر مباشر للإجراء الاقتصادي «تعويم الجنية المصري» في مقابل الدولار.
وكان من اللافت إقبال الملايين من المصريين على العروض رغم كونها تتزامن مع نهاية الشهر الذي يعني تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين. ولكن التعليقات السلبية على يوم «الجمعة السوداء» تصدرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد عبر الكثيرون عن صدمتهم من الأسعار والتخفيضات التي لم تزيد على 100 جنيها في الأجهزة الإلكترونية والمنزلية وبضعة جنيهات في السلع الغذائية.
وتعود تسمية «الجمعة السوداء» إلى القرن الـ19؛ حيث ارتبطت تلك التخفيضات بالأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية في عام 1869م، والتي شكلت ضربة كبرى للاقتصاد الأميركي، فكسدت البضائع وتوقفت حركات البيع والشراء؛ ما سبب كارثة اقتصادية في أميركا. وأصبح هذا اليوم معروفا بالتخفيضات التي تصل إلى 90 في المائة من سعر السلعة، لكن في مصر لم يتعد الأمر أكثر من 5 في المائة.
من ناحية آخر، دعا رئيس جهاز حماية المستهلك اللواء عاطف يعقوب إلى حملة الامتناع عن الشراء يوم 1 ديسمبر (كانون الأول) لمواجهة جشع التجار، وقال في تصريحات صحافية إن: «جهاز حماية المستهلك يعد كاميرات لتصوير ورصد حالة الشراء والبيع بالمحال والسلاسل التجارية الكبرى خلال يوم المقاطعة، وفي حال تجاوب المستهلكون مع المقاطعة سيقوم الجهاز بتحويل 1 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام إلى يوم للمستهلك المصري على شاكلة الاحتفالات العالمية بيوم المستهلك».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».