مصادر أميركية: مسؤول التجنيد بتنظيم داعش «ما زال على قيد الحياة»

خبراء التواصل الاجتماعي في «فيلق الإرهاب» يسقطون واحدًا تلو الآخر نتيجة برنامج الـ«إف بي آي»

نيل بركاش مسؤول التجنيد لدى «داعش» معتقل في إحدى الدول الشرق أوسطية («الشرق الأوسط»)
نيل بركاش مسؤول التجنيد لدى «داعش» معتقل في إحدى الدول الشرق أوسطية («الشرق الأوسط»)
TT

مصادر أميركية: مسؤول التجنيد بتنظيم داعش «ما زال على قيد الحياة»

نيل بركاش مسؤول التجنيد لدى «داعش» معتقل في إحدى الدول الشرق أوسطية («الشرق الأوسط»)
نيل بركاش مسؤول التجنيد لدى «داعش» معتقل في إحدى الدول الشرق أوسطية («الشرق الأوسط»)

في صيف عام 2015، طاردت طائرات «الدرون» الأميركية، في شرق سوريا، جنيد حسين القرصان، الإلكتروني المحترف وعنصر التجنيد المؤثر لدى تنظيم داعش الإرهابي. ولعدة أسابيع، كان جنيد حسين حريصًا على اصطحاب ابن زوجته الصغير برفقته أينما ذهب، ومن ثم أوقفت طائرات «الدرون» نيرانها. ولكن في وقت متأخر من إحدى الليالي، غادر حسين أحد مقاهي الإنترنت بمفرده، وبعد عدة دقائق أصابه صاروخ «هيلفاير»، وقتله على الفور في أثناء سيره بين مبنيين في الرقة، عاصمة التنظيم الإرهابي في سوريا.
وكان حسين، البالغ من العمر 21 عامًا، وهو من سكان برمنغهام في إنجلترا، قائد مجموعة من الناطقين باللغة الإنجليزية المتخصصين في الحواسيب الذين ساعدوا «داعش» كثيرًا في جهود الدعاية والإعلام، وحث أتباع التنظيم على الإنترنت لتنفيذ الهجمات الإرهابية في الغرب. وقد تمكنت القوات الأميركية وقوات الحلفاء من قتل أهم الشخصيات في الخلية التي قارب عدد أفرادها 12 شخصية، واحدًا تلو الآخر، والتي تطلق المباحث الفيدرالية الأميركية عليها مسمى «الفيلق»، في جزء من حملة سرية نجحت بشكل كبير في إسكات الصوت القوي للتنظيم الذي أدى إلى موجة من مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الولايات المتحدة في عام 2015، حيث كان كثير من الشبان والشابات متأثرين كثيرًا بالدعاية المتطرفة للتنظيم الإرهابي.
ولكن بعد ذلك، وإثر تنفيذ الضربات تلو الضربات، تمكنت القوات الأميركية والبريطانية من تدمير خلية الفيلق. وكان من بين القتلى رياض خان الذي طالته صواريخ الطائرات من دون طيار، وهناك أيضًا نيل بركاش، المواطن الأسترالي الذي استهدفته غارة بطائرات «الدرون» في الوقت نفسه تقريبًا. ولكن أحد المسؤولين الأميركيين صرح بأن بركاش لم يلقَ مصرعه في الغارة، ولكنه أصيب بجروح بالغة، ثم عولج ونجا منها.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ألقت السلطات الأمنية في إحدى دول الشرق الأوسط، رغم ذلك، القبض على نيل بركاش، كما صرح أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين بذلك. وقالت أستراليا، في مايو (أيار)، إن بركاش الذي تم الربط بينه وبين عدد من الخطط لشن هجمات في أستراليا، قتل في غارة جوية في مدينة الموصل العراقية، في 29 أبريل (نيسان) الماضي.
ونقلت هيئة الإذاعة الأسترالية عن مسؤولين أتراك وأستراليين قولهم إنه اعتقل في تركيا. ورفض المدعي العام الأسترالي جورج برانديس الذي أعلن عن مقتل بركاش، في مايو، التعليق على «أمور تتعلق بالمخابرات أو عمليات إنفاذ القانون». وقال وزير العدل مايكل كينان، في رد عبر البريد الإلكتروني، لـ«رويترز»، إن قدرة الحكومة «على تأكيد تقارير الوفيات في سوريا أو العراق محدودة».
وقد ظهر بركاش الذي ولد في ملبورن في تسجيلات مصورة، ومجلات تابعة لتنظيم داعش، ونشط في تجنيد رجال ونساء وأطفال أستراليين، وشجع على تنفيذ أعمال إرهابية. وفرضت أستراليا في العام الماضي عقوبات مالية على بركاش، شملت تهديد كل من يمده بالمساعدات المالية بالسجن حتى 10 سنوات.
ويُعرف بركاش بأبي خالد الكمبودي الذي ربطت تقارير بينه وبين التخطيط لهجمات إرهابية في أستراليا، مع ظهوره في عدد من مقاطع الفيديو الدعائية والمجلات. وقال المحامي العام الأسترالي، في مايو الماضي، إن بركاش كان «عضوًا هامًا في تنظيم داعش، ومسؤولاً بارزًا عن تجنيد عناصر جديدة في التنظيم، علاوة على دوره في تسهيل تنفيذ الهجمات الإرهابية».
وأشار إلى أنه من بين من خططوا لعدد من الهجمات الإرهابية، إضافة إلى الدعوات التي كان يطلقها لشن هجمات فردية باسم التنظيم في الولايات المتحدة. وتحول بركاش، وهو أسترالي من أصول كمبودية، من البوذية إلى الإسلام في عام 2012، وغادر إلى سوريا في 2013.
إلى ذلك، يقول الجيش الأميركي، ومجتمع الاستخبارات، ووكالات إنفاذ القانون، إن تنظيم داعش لا يزال يمتلك ذراعًا قوية متطورة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنها الإلهام بكثير من الهجمات الإرهابية، على غرار تلك الحادثة المروعة في سان برناردينو (ولاية كاليفورنيا)، أو حادثة أورلاندو (ولاية فلوريدا)، ولا يزال عدوًا قويًا يشتبه في قدرته على الحفاظ على سرية خلاياه العاملة في أوروبا. ولكنهم أشاروا إلى الجهود المنسقة ضد أفراد خلية الفيلق كدليل على النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في تقليص قدرات التنظيم الإرهابي على توجيه، أو تمكين، أو الإلهام بالقيام بالهجمات ضد الغرب.
كان التهديد الذي تشكله خلية «الفيلق»، في بادئ الأمر، يعتبر مشكلة لدى وكالات إنفاذ القانون الأميركية. ولكن مع تفاقم التهديدات خلال العام الماضي، وتمكن المباحث الفيدرالية من مراقبة المشتبه في صلتهم بالإرهاب في مختلف أنحاء البلاد، مارست المباحث الفيدرالية الضغوط على الجيش الأميركي من أجل التركيز على أفراد تلك الخلية، وفقًا لتصريحات المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين.
وفي حين أن القوات الأميركية والبريطانية نفذتا سويًا عددًا من الهجمات باستخدام الطائرات من دون طيار (الدرون) ضد أفراد الخلية، راقبت المباحث الفيدرالية الآلاف من أنصار تلك الخلية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، للوقوف على العازمين فعليًا على تنفيذ الهجمات الإرهابية. وخلال العامين الماضيين، ألقت المباحث الفيدرالية القبض على ما يقرب من 100 شخص في قضايا تتعلق بالتنظيم الإرهابي.
وصدرت كثير من أوامر الاعتقال بحق أشخاص على صلات وثيقة بأعضاء خلية «الفيلق». ويقول أندرو ماكابي، نائب مدير المباحث الفيدرالية الأميركية: كان كثير من الآخرين المشاركين «أشخاصًا ظهروا على رادار مكافحة الإرهاب، نظرا لأننا كنا على دراية بهم»، وذلك من خلال صلاتهم مع جنيد حسين ورياض خان، المواطن البريطاني أيضًا، الذي كان من قادة التنظيم.
وكان جنيد حسين مسؤولاً عن عدد من الملفات في خلية الفيلق، بما في ذلك القرصنة والاختراق الحاسوبي. وكان على صلة وثيقة بالإفراج عن البيانات الشخصية لما يقرب من 1300 شخصية عسكرية وحكومية أميركية. وفي مارس (آذار) من عام 2015، نشرت خلية الفيلق أسماء وعناوين الشخصيات الأميركية المشار إليها، مع تعليمات مفادها: «اقتلوهم في أرضهم، واقطعوا رؤوسهم في بيوتهم، واطعنوهم حتى الموت في أثناء سيرهم في الشوارع التي يظنونها آمنة».
وكانت جهود حسين في التجنيد عبر الإنترنت أكثر أهمية من جهود القرصنة والتسلل.
ووفقًا لسجلات المحاكم الأميركية، تواصل حسين مع 4 رجال على الأقل في 4 ولايات أميركية، محفزًا إياهم على شن الهجمات أو المساعدة في نشر دعوى التنظيم الإرهابي. وكان حسين وراء مؤامرة لقتل باميلا غيلر، الكاتبة على إحدى المدونات المحافظة. وفي أوائل عام 2015، بدأ حسين التواصل مع أسامة عبد الله رحيم، 26 عامًا، وأصدر إليه التعليمات باغتيال السيدة غيلر. ولقد توقف رحيم فجأة عن التواصل مع حسين، وقرر بدلاً من ذلك اغتيال أحد ضباط الشرطة الأميركيين في منطقة بوسطن. وكانت المباحث الفيدرالية ترصد تحركاته، ثم أطلق الرصاص على رحيم، وقتل في يونيو (حزيران) من عام 2015، بعدما حاول الهجوم على فريق المراقبة الفيدرالي بسكين كان يحمله. كما ألقت المباحث الفيدرالية أيضًا القبض على اثنين من زملاء رحيم تقول النيابة العامة الأميركية أنهما كانا متورطين في المؤامرة.
وفي مؤامرة أخرى، نجحت المباحث الفيدرالية في إحباطها، أصدر حسين التعليمات إلى أحد الطلاب في كلية بولاية أوهايو، اسمه منير عبد القادر، باختطاف عضو من المؤسسة العسكرية الأميركية، وتسجيل عملية اغتياله على شريط فيديو. ثم طلب حسين من منير عبد القادر الهجوم على مركز للشرطة في منطقة سينسيناتي. وفي أثناء استعداد منير عبد القادر لتنفيذ العملية الانتحارية، أخبر حسين عن مهارته في الرماية وإطلاق النار، فرد عليه حسين بقوله: «في المرة المقبلة سوف تطلق النار على (الكفار) في وجوههم مباشرة». ولقد ألقي القبض على منير عبد القادر، 22 عامًا، المولود في إريتريا، واعترف بأنه مذنب، في يوليو (تموز)، بتوفير الدعم المادي للإرهاب، والتآمر على قتل أحد ضباط القوات المسلحة والشرطة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا.
* خدمة: «نيويورك تايمز»



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».