فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبي يثير أزمة بين الحكومة والسينمائيين في مصر

رئيس مجلس الوزراء قرر منع عرضه وإعادته للرقابة

هيفاء وهبي وباسم سمرة في مشهد من «حلاوة روح»
هيفاء وهبي وباسم سمرة في مشهد من «حلاوة روح»
TT

فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبي يثير أزمة بين الحكومة والسينمائيين في مصر

هيفاء وهبي وباسم سمرة في مشهد من «حلاوة روح»
هيفاء وهبي وباسم سمرة في مشهد من «حلاوة روح»

أثار قرار الحكومة المصرية بوقف عرض فيلم «حلاوة روح»، بطولة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، من دور العرض السينمائي في البلاد، الليلة قبل الماضية، استياء سينمائيين ونقاد. وقال مصدر في الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن السبب وجود «مشاهد وألفاظ خادشة للحياء» في الفيلم المخصص «للكبار فقط»، لكن عددا من المخرجين والنقاد السينمائيين عبروا عن خشيتهم من أن يكون قرار الحكومة مقدمة لمصادرة أعمال فنية أخرى.
وقال الناقد السينمائي شريف عوض، لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئت بتدخل رئيس الوزراء لمنع فيلم، ونحن كلنا، كنقاد، ومع احترامنا لأطراف العمل في الفيلم، ومن بينهم أصدقاء لنا، إلا أن هذا لا يمنع من أن نزن الفيلم وننظر إليه بموازين فينة. الفيلم فيه ابتذال، وموضوعه بعيد عن المجتمع المصري، وهو مقتبس من أحد الأفلام الأجنبية، وروحه غير مصرية بالمرة، على الرغم من أن أحداثه تدور في حارة مصرية».
وأصدر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء قرارا بوقف عرض الفيلم الليلة قبل الماضية، بعد أن أثار في أيام عرضه الأولى، منذ أواخر الأسبوع الماضي، ضجة واسعة في البلاد. وتضمن القرار «إعادة عرض الفيلم على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية».
وتدور قصة فيلم «حلاوة روح» في إطار حارة شعبية بمصر عن امرأة اسمها «روح»، وتجسد دورها الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي.
وتدور حبكة الفيلم حول طمع أهل إحدى الحواري المصرية في جسد زوجة شابة، بعد سفر زوجها للخارج. وتواجه هذه المرأة الوحدة بسبب غياب زوجها عنها وأسفاره الكثيرة، فتقرر تعويض هذه المشكلة من خلال علاقات مع أطراف أخرى في المجتمع، لكن المشكلة التي أثارها الفيلم تتمحور حول استخدام العديد من الألفاظ التي يرى البعض أنها «خادشة للحياء العام»، خاصة تلك الكلمات التي ترد على لسان مراهقين وأطفال.
وقال رئيس جهاز الرقابة بالمصنفات الفنية، أحمد عوض، إن الفيلم يتضمن ألفاظا ومشاهد مثيرة للغرائز.
وتسببت المشاهد التي تظهر وتتردد فيها صور وألفاظ «ذات إيحاءات»، في تأجيل عرض «حلاوة روح» عدة مرات، بسبب كثرة المراجعات التي كانت تقوم بها هيئة الرقابة على المصنفات. ومع الأيام الأولى لعرض الفيلم، شهد إقبالا كبيرا من المشاهدين المصريين، واصطفت طوابير طويلة أمام دور السينما في محاولة للحصول على تذكرة دخول، إلا أن عدة جهات، من بينها شخصيات في المجلس القومي للطفل، احتجت لدى الحكومة، «بسبب شخصية طفل لم يبلغ سن المراهقة يؤدي دورا يتضمن إيحاءات لا يمكن أن تكون واقعية أو تعكس أي جانب فني أو جمالي»، وفقا للمصدر الحكومي الذي شاهد مقاطع من الفيلم، يوم أول من أمس.
ويتولى جهاز الرقابة في مصر إجازة العروض العامة للأفلام على مرحلتين؛ الأولى بالسماح بالتصوير بعد قراءة السيناريو والحوار، والثانية السماح بالعرض في دور العرض السينمائي، بعد الانتهاء من تصوير الفيلم.
ومن جانبه، قال مسؤول في هيئة الرقابة على المصنفات لـ«الشرق الأوسط» إن الهيئة راجعت أهم مشهدين تكررت فيهما صور وكلمات «غير مقبولة ولا مبرر لها في سياق الفيلم، وهما مشهد الاغتصاب للشخصية المحورية في الفيلم، التي قامت بأدائها الفنانة هيفاء وهبي مع الفنان محمد لطفي، ومشهد القبلات الساخنة في الفيلم بين الشخصية المحورية (روح) والفنان باسم سمرة».
وسبق لمخرج الفيلم، سامح عبد العزيز، وهو مصري، إخراج فيلمين سابقين حظيا باهتمام النقاد وعكسا أسلوبا جديدا في تناول شخصيات الحواري المصرية التي تتسم بالفقر والتهميش والبحث عن الخلاص، وهما فيلما «كباريه» و«الفرح»، لكن «حلاوة روح» واجه سيلا من النقد في العديد من مقالات المتخصصين في السينما وغير المتخصصين فيها. وكتب الناقد محمود عبد الشكور، مقالا وصف فيه الفيلم بأنه «عمل ميلودرامي من الدرجة الرابعة لا يحدث فيه شيء سوى تفرغ حارة بأكملها لمطاردة امرأة طمعا في جسدها.. فيلم يفتقد الحد الأدنى من الإبداع».
وشارك هيفاء وهبي في فيلم «حلاوة روح» نجم الأغنية الشعبية المصري حكيم بغناء أغنية الفيلم، فضلا عن قيام هيفاء وهبي خلال أحداث الفيلم بتخيل حكيم وهي ترقص أمامه أثناء غنائه. وأكد حكيم سعادته للمشاركة في هذا الفيلم، وأن أغنيته في الفيلم «أحدثت صدى قويا».
وعلى الرغم من قول منتجه، محمد السبكي، إن أحدا لم يخطره بوقف عرض فيلمه المثير للجدل، فإن عددا من دور العرض السينمائي قامت بالفعل برفع إعلانات الفيلم عن واجهاتها، انتظارا لما سيسفر عنه النزاع بين الحكومة والمسؤولين عن صناعة السينما في البلاد، وهيئة الرقابة على المصنفات الفنية التي تقرر أن يعاد الفيلم لعرضه عليها من جديد.
وقال مدير إحدى سينمات مدينة السادس من أكتوبر، صباح أمس، إن الإدارة قررت «رفع أفيشات (صور إعلانات) الفيلم من على واجهة السينما، بناء على تعليمات الحكومة». وبينما أعلن السبكي أن أحدا لم يبلغه بقرار وقف عرض الفيلم (حتى أمس)، وأنه لهذا السبب لن يتخذ أي رد فعل إلا بعد إبلاغه بالقرار الحكومي رسميا.
ويعود الناقد شريف عوض للتعليق قائلا إن شخصية «روح» بعيدة كل البعد عن بنت الحارة المصرية، لكن النقطة اللافتة للانتباه هي أن الفيلم جسد شخصية الطفل الذي يقع في حب فتاة أكبر منه، على الرغم من أن هذا الطفل لم يدخل في سن البلوغ بعد. وأضاف: «لا نريد جهات رقابية أكثر من الرقابة المصرية المعروفة.. لا نريد جهات إضافية تتدخل في إباحة الفيلم السينمائي أو حظره»، مشيرا إلى أن مصر في حاجة إلى أن يكون فيها إنتاج جيد ينافس الإنتاج الرديء». وتابع قائلا: «أعتقد أن هذه من المرات النادرة في تاريخ مصر التي يحدث مثل هذا الأمر، وتدخل الحكومة لمنع فيلم من العرض.. لا نريد رقابة سياسية ودينية أكثر مما لدينا».
وشهدت نهاية سبعينات القرن الماضي قرارا مماثلا في حق فيلم «المذنبون» الذي أخرجه سعيد مرزوق عن قصة للروائي المصري نجيب محفوظ، بصدور قرار تنفيذي بوقف عرض الفيلم ومعاقبة موظفي الرقابة الذين أجازوه، بعد شكوى مصريين في الخليج قالوا إن الفيلم أساء إلى سمعة مصر.
ويقول عوض إنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بسبب الأحداث السياسية، منذ نحو ثلاث سنوات، فإن رئيس الوزراء، النشيط جدا، يمكن أن يعمل أي مشروع لإنتاج أفلام جيدة، قائلا إن «القطاع العام في مصر كان في السابق هو من يتولى الإنتاج السينمائي». وتابع: «لدينا سيناريوهات جيدة لهذا. ومنذ الثورة غاب نجوم الصف الأول عن صناعة السينما، واتجهوا للتلفزيون، بسبب الوضع الاقتصادي لصناعة السينما».
وقال المخرج أمير رمسيس إن قرار رئيس الوزراء يعد «تعديا على سلطة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وتعديا على حرية الفكر والتعبير، وضرب عرض الحائط بحريات الفكر ودولة القانون»، وفقا لما نقلته عنه وكالة «رويترز»، بينما شدد المخرج روماني سعد على رفضه لقرار إيقاف عرض الفيلم حتى لا يفتح الطريق لمصادرات أخرى.
وقال مقربون من الفنانة وهبي إنها موجودة في الوقت الحالي في لبنان، وتستعد لاستكمال دورها في بطولة مسلسل «كلام على ورق»، تأليف محمد أمين راضي، وإخراج محمد سامي. كما أنها تحضر حاليا لإطلاق برنامج مسابقات الجديد تحت اسم «شكلك مش غريب» سيذاع كل يوم سبت على قناة «إم بي سي». وفي آخر تعليق لها على الضجة التي أثارها فيلم «حلاوة روح»، قالت لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية إنها تعاملت مع قصة تعبر عن المعاناة الإنسانية الصعبة لفتاة يترصد لها من حولها، ويحاولون إيذاءها، على الرغم من أنها لم تقترب من أي شخص بسوء.
وتابعت قائلة إنه «لا يؤلمها النقد الذي يُوجّه لها»، وإنها كثيرا ما تتعرض للهجوم الفني من قبل نقاد ومن فنانين ولا يؤلمها هذا النقد، غير أنه «من المفترض أن لا يهاجم الفنانون بعضهم بعضا». وأضافت أن «بعض المنتجين يهدفون أولا من أفلامهم إلى جني الأرباح، وأنا دائما لا أستطيع أن أؤدي أي نص سينمائي تملأه العنصرية والكراهية، وأحرص في علاقاتي الفنية بالفنانين والمنتجين والمخرجين على أن تسود بيننا روح الود والصداقة».
وتابعت قائلة عن الفيلم إنها عندما قرأت السيناريو شعرت بصعوبة في أداء القصة في البداية: «إلا أنني أحببتها لأن قصة الفيلم مختلفة عن شخصيتي تماما كفنانة، وبالتالي كان الفيلم يمثل تحديا بالنسبة لي لتقديم هذا الدور الصعب»، مشيرة إلى أن مخرج الفيلم شخص محترم وتثق فيه، لافتة إلى أنه لا يشترط في الفيلم الجيد أن يصرف عليه عشرات الملايين بل من الممكن بإنتاج محدود إخراج قصة جيدة تكون أقرب لعلاج مشكلات مجتمعية.
وتعرض فيلم «حلاوة روح» لانتقادات من سياسيين يطمحون في خوض انتخابات الرئاسة والبرلمان المقبلة، وخرجت كثير من التعليقات المنتقدة للفيلم على شاشات التلفزيون وبرامج الدردشة. وبعد صدور القرار الحكومي الليلة قبل الماضية، سارع عدد من السياسيين بالترحيب بالقرار. وقال ناجي الشهابي، المنسق العام لمجموعة تحالف أحزاب التيار المدني الاجتماعي، إن قرار الحكومة يجب أن يكون بداية لنهضة فنية تشارك فيها وزارتا الثقافة والإعلام ونقابة المهن الفنية، بحيث تعبر عن ثقافة المجتمع وحضارته ولا تتعارض مع القيم النبيلة والسامية التي تنادي بها الأديان السماوية.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».