الطاجين سفير المغرب للطبخ والديكور

يستجيب للمعايير الدولية للجودة ويلقى إقبالا خاصا في دول الخليج

حرفي يعمل على تشكيل الطاجين في مراحله الأولى
حرفي يعمل على تشكيل الطاجين في مراحله الأولى
TT

الطاجين سفير المغرب للطبخ والديكور

حرفي يعمل على تشكيل الطاجين في مراحله الأولى
حرفي يعمل على تشكيل الطاجين في مراحله الأولى

يشتهر الطاجين بأنه من ألذ الأطباق التي تستهوي المغاربة والأجانب كونه رمزا مميزا للمطبخ المغربي، إلا أن شهرته كطبق شهي تطغى على أهمية صناعته كآنية طبخ تتطلب حسا إبداعيا تقليديا خاصا لا يتقنه إلا الحرفي المغربي الذي أبدع في صنعه على مدى التاريخ واحتفظ بمكانته كأهم إناء للطبخ. غير أن شهرة الطاجين لم تقتصر على حدود الوطن، بل لفتت الأنظار إلى المستهلك الأجنبي سواء لاستعماله كوسيلة للطبخ أو كقطعة للديكور لاستحضار عبق التراث والتاريخ المغربيين.
ويصنع الطاجين من مادة أساسية هي الطين، إلا أنه يحتاج إلى أنواع كثيرة منه لكي يصل إلى نتيجة مثالية دون عيوب، وفي هذا الصدد يقول مصطفى تاربيعت لـ«الشرق الأوسط»، وهو حرفي متخصص في صناعة الطاجين بمدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، ورثها عن أجداده، إن صناعة الطاجين تحتاج إلى ثلاثة أنواع من الطين وهي: «تادوقا»، وهو يتميز بلونه الأصفر ومهم في صناعة الطاجين إلا أنه لا يمكن العمل به وحده لأنه عند تعرضه للحرارة يتشقق وينكسر ويمكن أن يتقلص حجمه، لذا يجري دعمه بالنوع الثاني المسمى «الكنوا» ويتراوح لونه بين الأصفر والأحمر، وكذا النوع الثالث المسمى «الحمري». وأضاف تاربيعت أنه في القديم كانت تستعمل أنواع أخرى من الطين لكنها انقرضت حاليا ولم تعد هناك مقالع تنتجها مثل طين «تادوقا الزرقاء» و«تادوقا البيضاء» و«أمالوس» وغيرها.
ومن أهم المناطق التي تتوفر على الطين ذي الجودة العالية بالمغرب ذلك الذي يوجد بمنطقة الأطلس وبولمان وورزازات، إلا أن مدينة الرباط, حسب تربيعت, تتوفر على أجود أنواع الطين، مضيفا أن أساس تربة المدينة كله من الطين بداية من منطقة باب زعير إلى غاية منطقة السويسي.
ويستعمل الحرفيون كذلك أنواعا مستوردة من الطين من شركات إيطالية ذات جودة عالية، وهو طين مغربي الأصل يصدر للخارج ويعاد استيراده بعد معالجته، ويقول تربيعت إن اعتماد الحرفيين على هذا النوع من الطين يرجع إلى إغلاق أهم معاقل الطين بجهة الرباط سلا، الأمر الذي شكل هاجسا للحرفي في العثور على الطين ذي الجودة العالية ويشكل كذلك تهديدا على صناعة الطين بالمنطقة.
تبدأ المرحلة الأولى بتجهيز الطين الذي يختلف صنعه بين قاع الطاجين والغطاء، إذ إن القاع يحتاج إلى أن يكون الطين صلبا بنسبة معينة لكي يتمكن من تحمل الحرارة، وهو يحتاج إلى قوة جسدية كبيرة في صنعه، حيث يوضح تاربيعت أنه مهما بلغت قوة الصانع لا يمكنه أن يتجاوز معدل صنع مائة قاع للطاجين في اليوم الواحد لما تتطلبه هذه العملية من مجهود جسدي كبير، في حين أن الغطاء يتطلب أن يكون عجين الطين أقل صلابة ليتمكن الصانع من تحديد شكله المميز بسهولة، بعدها يأخذ الطاجين شكله النهائي ويجف فيسمى حينها بـ«البيسكوي» لأنه يكون هشا وقابلا للتفتت على شكل البسكويت.
يدخل الطاجين للمرحلة الثانية إلى الفرن لكي يجف تماما من السوائل ويأخذ شكله الصلب ليتحمل حرارة الطهي فيما بعد، وتدوم هذه العملية ثلاثة أيام متتالية يصبح بعدها الطاجين جاهزا للصباغة والتزيين، ويتكلف صناع متخصصون بإنجاز كل مهمة على حدة ليجري تسويقه بعد ذلك.
عملية الصباغة والزينة لم تكن جزءا من صناعة الطاجين في حلته القديمة، إلا أنه في بداية عقد الستينات من القرن الماضي دخلت الصباغة كزينة لإضفاء لمعان على شكل الطاجين، ثم أبدع الصانع التقليدي في تزيينه بحلل جميلة ومتعددة حسب أسلوب كل منطقة من المغرب، إذ إن شكل وزينة طاجين سلا مثلا لا تشبه تلك التي يزين بها طاجين طنجة أو أسفي أو مراكش أو غيرها من المناطق المعروفة بصناعة الطاجين.
في بداية الثمانينات بدأت تحوم شكوك حول مدى تأثير المواد التي يصبغ بها الطاجين على صحة الإنسان من خلال الأكل الذي يعد به، إذ إن الصباغة تتكون بالأساس من الإثمد الذي يحتوي على نسبة كبيرة من الرصاص يمكنها حسب أبحاث أسترالية من أن تسبب أمراضا سرطانية في حال استهلاك الطاجين مدة 80 سنة، وأوضح تاربيعت الذي تلقى هذه المعلومات من أجداده الذين يعملون بالمهنة منذ ذاك الوقت أن الأمر ظهر بعد أن بدأ تصدير الطاجين إلى الخارج، حيث إن أستراليا وكندا وأميركا يشددون على ألا تتجاوز مادة الرصاص نسبة معينة لكي لا تؤثر على صحة المواطنين، وأضاف أن جمعيات أسترالية راسلت المسؤولين المغاربة في الأمر بعد إجراء التحليلات المناسبة، وبادر المسؤولون بدورهم بتحذير الصانعين من استخدام الإثمد في صباغة الطاجين.
وأضاف تاربيعت أنه في بداية عام 2001 تمكن جميع الحرفيين الذين يملكون ورشات لصنع الطاجين من التخلص من مادة الرصاص في منتجهم، إذ قام المسؤولون بإجراء تحاليل دورية خمس مرات متتالية لعينات منتج جميع الحرفيين بسلا وقدمت لهم بعد ذلك شهادات تضمن جودة الطاجين الذي ينتجونه، وذلك بشراكة مع منظمة الجودة العالمية «إيزو» تضمن للحرفيين تسويق منتجهم بكل ثقة حول العالم.
وتعد الورشة التي يعمل بها تاربيعت وورثها أفراد عائلته عن أجدادهم من بين المحلات التي تعرض أكبر جودة للطاجين المغربي، عززها فوز الورشة بالمرتبة الأولى بالكثير من الجوائز التي نظمتها المندوبية الإقليمية للصناعة التقليدية لأحسن حرفي يحترم الجودة في منتجه.
وأوضح تاربيعت أن الحرفيين كان لهم الفضل في الوصول إلى الجودة الحالية بعد ما وصفه بمحاولات للنيل من جودة الطاجين المغربي، إذ تكبدوا خسائر كبيرة لإعادة بناء ورشاتهم كون الرصاص كان يوجد بكل جزء من مواد عملهم، الأمر الذي تطلب منهم مجهودات جسدية وخسائر مادية مهمة للانتقال من وسائل العمل القديمة إلى نظام جديد في العمل.
ورغم المعوقات التي واجهت صناعة الطاجين فإن مكانته في المطبخ المغربي لم تتزعزع، إذ إن شهادة الجودة العالمية التي حصل عليها الحرفيون زادت الثقة لدى البلدان الأجنبية، حيث تعد بلجيكا حسب تاربيعت، أول مستورد للطاجين المغربي، وذلك من طرف تجار مغاربة يقومون بدورهم بتصديره لدول أوروبا المجاورة ودول أميركا الشمالية، إلا أن الطاجين المغربي سلك طريقا جديدا نحو الخليج العربي، إذ تعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت من بين أكثر الدول التي تقبل على استيراد الطاجين المغربي بأعداد كبيرة حسب نفس المصدر.
وبات الطاجين المغربي أكثر من إناء للطهي، إذ احتل مكانة جديدة كقطعة ديكور تؤثث لأصالة المنزل بعد أن أدخلت عليه تحسينات في الزينة أضافت إليه بهاء خاصا لإضفاء طابع مغربي خاص في المنزل، وأصبح يكتسي ألوانا باهية عوض الشكل الأحمر التقليدي وزركشات جميلة بأسلاك نحاسية وفضية وكذا باستعمال السيراميك والعقيق بمختلف ألوانه.
ولم تقتصر عملية التزيين على إبداع الحرفي المغربي، إذ أضافت إليه المرأة المغربية لمستها الخاصة بعد أن اعتمدت الطاجين جزءا من ديكور منزلها، فأصبحت تقتني الطاجين في حلته الأصلية وتتفنن بعد ذلك في تزيينه، كل حسب ذوقها، باستخدام أحجام مختلفة من الطاجين.
وسواء اشتهر الطاجين بكونه أكلة شعبية شهية أو بشكله المميز المقترن بالمطبخ المغربي أو كقطعة ديكور جميلة في المنزل لاستحضار التراث المغربي الأصيل فإنه في النهاية يلعب دور سفير للمغرب بامتياز متجاهلا بأصالته كل ما هو عصري.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».