فيروز في عامها الـ81.. حاضرة رغم الاعتزال الطوعي

مارسيل خليفة: فتشت في أغنيتها عن أمي وحبيبتي.. وصوتها هو وطني

فيروز في عامها الـ81.. حاضرة رغم الاعتزال الطوعي
TT

فيروز في عامها الـ81.. حاضرة رغم الاعتزال الطوعي

فيروز في عامها الـ81.. حاضرة رغم الاعتزال الطوعي

«في عيد ميلادك الـ81 عاوزة أقول لك أغانيك رسمت لي حياة غير اللي لقيتها، ولسّه بترسم»، كتبت مواطنة مصرية على «فيسبوك» مهنئة فيروز في عيدها، وكتبت أخرى «لسّه ما عرفوش يكتشفوا إدمان صوتها سببه إيه. عاشت فيروز إدمانا بلا كافايين». من مصر ولبنان وبلدان عربية أخرى انهمرت على فيروز التباريك في عيدها، وكأنما هي الأيقونة التي يجتمع حولها من فرّق بينهم كل شيء إلا صوتها، وأغنيات الأخوين رحباني الخالدة التي شدت بها.
لا تحتاج فيروز أن تغني أو تطلق ألبوما جديدا كي تكون حاضرة، كما هو حال فناني الزمن الراهن. لا تحتاج أيضا أن يذكّر محرك بحث «فيسبوك» أصدقاءها وأحبتها حول العالم بعيد ميلادها، كي يهبوا لمعايدتها. تؤكد فيروز كل عام، أنها تسكن قلوب العرب، وأن لها مكانة فريدة، وتأثيرا كبيرا على الشباب الصاعد. أمر يذكّر كثيرا بمقولة محمود درويش فيها: «هي الأغنية التي تنسى دائما أن تكبر.. هي التي تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر».
غريب أمر هذه الساحرة التي لا تطل ولا تتكلم، ولا تصدر صوتا أو حسا، منذ خمس سنوات، يوم وقفت لتقدم آخر حفل لها في أمستردام، ومع ذلك تشغل محبيها، ولا ينطفئ جمر كلماتها في قلوبهم. أحد عشر عاما لم تحيي حفلة واحدة في لبنان، ولا يبدو أن ثمة نية لها في أن تقدم جديدا، في الفترة القليلة المقبلة. وهو ما سمي بـ«الاعتزال الطوعي». يكتفي المتيمون بترديد ريبرتوار، لم يترك إحساسا ولا موقفا أو بيدرا أو حقلا إلا وغناه. تكاد تكون فيروز غنت لكل المناسبات، ولكل أفراد العائلة، للأم والأب، الجد والجدة، البنت والجبل والسهل والجديلة والنسمة والباب والكرسي والشباك.
لم تتوقف المعايدات لحظة عن الانهمار على «جارة القمر» التي لا نعرف كيف تتابع هذا العيد الذي لا مثيل له، ولا سابقة؟ كيف تستطيع أن تمنع نفسها من أن تومئ لعشاقها ولو بطرفة عين أو تلويحة يد؟ هي التي يزداد الهيام بها سنة بعد أخرى، وكأنما الغياب يؤجج الشوق في نفوس مدمنيها. تقرأ ما يكتب لها وتكاد لا تصدق أن كل هؤلاء يفكرون معا بشيء واحد: هو أن يخاطبوا هذه السيدة التي تقبع في منزلها، وأن يوصلوا لها محبتهم ويبادلوها السعادة التي منحتهم إياها.
«جميلة، نعم جميلة، بل جميلة لا تكفي، هي تملك سحر الشرق، وفتنة الغرب، وغموض الصين. عندما تنظر إلى نفسها في المرآة تعرف ذلك، فهي تكاد تنطق. يا له من نقاء كالجليد وآثاره كالمحيط وهدوئه القادم من بعيد». هكذا وصفها أحد عشاقها. ليت هناك من يقوم بجمع هذا التسونامي المتدفق من الوله المتسامي، في زمن ارتبطت فيه المشاعر بأي شيء إلا المجانية.
بكلمات مؤثرة عايد مارسيل خليفة فيروزه، الذي قال إنه لولاها لكان يتيم الأم، التي فقدها شابا صغيرا. وأن تأثير «وحدنا يا ورد راح نبكي» كان عليه هائلا: «فتشت فيها عن أمي، وبعد سنين فتشت عن حبيبتي وفتشت فيها عن وطني، وليس المكان الذي ولدت فيه هو وطني، صوتك هو وطني». وتساءل أحدهم «كيف تعيش شعوب ليس لديها فيروز؟» فيما قال آخر إنها «الثروة الوحيدة التي لم تستطع احتواءها مربعات الفساد وكانتونات الطوائف».
كل خاطب معشوقته على طريقته، بمن فيهم ابنتها ريما الرحباني التي تساءلت ماذا لو لم توجد فيروز. وأجابت نفسها بأن أخرى مثلها، بمواصفاتها واسمها وصوتها، كانت لتوجد هنا «وِحْدِة تكُونْ إِنْت، بَسْ مِشْ إِنْت. واللّي بَدّي أَعْرفُوا، هُوّ إِذَا كِنْت رَحْ حِبْهَا، مثل ما بحبك انت!». مستعيرة كلمة كانت قد كتبتها لوالدتها عام 1981.
أي مصادفة أن تولد فيروز مع عيد العلم وعشية عيد استقلال لبنان، لتكون احتفاليتها، ملونة ومندغمة، بأعلام لبنان وأغنياته الوطنية، والتفاف الناس حوله. عيد ميلاد للسيدة في مقهى «صباح ومسا» الذي لا نعرف مكان وجوده، وآخر صوّر فريق عمله وهو يحتفل أيضا بميلاد فيروز. كل على طريقته احتفل بصانعة فرحه، منهم من وضع لها أغنية بصوتها، ومنهم من سجل لها كلمته، وغيرهم كتبوا كلمات أغنياتهم المفضلة، وآخرون نشروا صورها. أما في بعلبك التي وقفت فيروز تكرارا مغنية في قلعتها التاريخية، فقد أقيم احتفال كبير حضره الآلاف، حيث صادف العيد الستين لمهرجانات بعلبك وستة عقود على مشاركة فيروز الأولى فيها. بهذه المناسبة أضيئت أعمدة معبد جوبيتر باسم فيروز، وعرض فيلم وثائقي حول الحفلات التي أحيتها في مدينة الشمس وتلك التي قدمتها على كبريات مسارح العالم.
«فيروز غني كثيرا لأن البشاعة تملأ الوطن».. عبارة رددها كثيرون من بعد مارسيل خليفة في اليومين الفائتين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».