ترامب يواصل اجتماعاته لاختيار أعضاء إدارته.. وتركيز على الفريق الاقتصادي

التقى ويلبر روس المرشح لوزارة التجارة.. والجنرال المتقاعد جيمس ماتيس يقترب من وزارة الدفاع

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال لقائه قائد البحرية جون كيلي في نيوجرسي أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال لقائه قائد البحرية جون كيلي في نيوجرسي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

ترامب يواصل اجتماعاته لاختيار أعضاء إدارته.. وتركيز على الفريق الاقتصادي

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال لقائه قائد البحرية جون كيلي في نيوجرسي أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب خلال لقائه قائد البحرية جون كيلي في نيوجرسي أول من أمس (أ.ف.ب)

استمر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في إجراء مقابلات أمس الاثنين مع المرشحين المحتملين لتولي مناصب مهمة في إدارته، وركز في لقاءاته على اختيار الفريق الاقتصادي، وانتقاء الشخصيات المرشحة لوزارة التجارة والخزانة، والممثل التجاري للولايات المتحدة، وفريق الأمن القومي، ورسم أجندة البيت الأبيض بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وكثف ترامب من لقاءاته، أول من أمس وأمس، في اجتماعات جمعت حلفاء الماضي والخصوم السياسيين والمنافسين السابقين، خلال رحلة الانتخابات الداخلية للحزب الجمهوري.
وكان حاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري، واحدًا من المنافسين في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، أحد الشخصيات التي ترشحها الدوائر لتولي منصب في الإدارة الجديدة، ما بين إدارة شؤون المحاربين القدامى إلى الطاقة والزراعة.
ومن بين الشخصيات التي التقى بها ترامب والتي ترشحها بورصة التكهنات لمنصب وزاري، هو الملياردير ويلبر روس الذي ترشحه التكهنات لمنصب وزير التجارة. وهو يتنافس على المنصب نفسه مع راي واشبورن، المستثمر في مدينة دالاس.
والتقى الرئيس المنتخب دونالد ترامب صباح أمس في برج ترامب بمدينة نيويورك مع حاكمة ولاية أوكلاهوما ماري فالن، التي ترشحها التكهنات لتولي وزارة الداخلية، كما التقى ترامب رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غيتغريتش.
وفي تطور مفاجئ اجتمع ترامب مع النائبة تولسي غابارد الديمقراطية عن هاواي ونائب الرئيس السابق للجنة الوطنية الديمقراطية، التي ساندت المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن غابارد قد تكون مرشحة لمنصب سفير الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة.
والتقى ترامب مع وزيرة العمل السابقة إلين تشاو، زوجة السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ.
كما التقى ترامب، أول من أمس، في مكتبه بمنتجع الجولف الفاخر في نيوجيرسي اثنين من أشد المدافعين عنه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، هما رودي جولياتي رئيس بلدية نيويورك السابق، وكريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي. ويتنافس كل من رودي جولياني الذي كان يشغل منصب عمدة نيويورك خلال هجمات 11 سبتمبر (أيلول) مع ميت رومني المرشح الرئاسي الجمهوري في عام 2012 على منصب وزير الخارجية الأميركي. وأشارت كيليان كونواي، مديرة الحملة الانتخابية لترامب، إلى أن السيناتور بوب كروكر لا يزال قيد النظر من الرئيس المنتخب لمنصب وزير الخارجية.
من جهته، ألمح نائب الرئيس المنتخب مايك بنس إلى أن اختيار ميت رومني لمنصب وزير الخارجية لا يزال «قيد النظر الفعلي والجاد»، مشيرًا في برنامج تلفزيوني على شبكة «سي بي إس» إلى أن اللقاء بين رومني وترامب كان وديًا واجتماعًا ومهمًا للغاية.
ويقترب الجنرال المتقاعد بسلاح البحرية جيمس ماتيس، 66 عامًا، الذي يوصف بـ«الكلب المجنون»، إشارة إلى إقدامه وتحديه في الحروب، من منصب وزير الدفاع الأميركي. ويعد ماتيس من العسكريين الذين تحدثوا بقوة ضد توجهات إدارة أوباما في الشرق الأوسط، خاصة الصفقة النووية مع إيران، حيث وصفها ماتيس بأنها «التهديد الوحيد الأكثر خطورة في تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط»، وقد قاد الجنرال ماتيس القوات الأميركية في العراق وأفغانستان من 2010 إلى 2013، وشارك في جهود لوقف أعمال العنف الطائفي في العراق، قبل انسحاب الجيش الأميركي في ديسمبر 2011.
لكن يواجه ترشيح الجنرال ماتيس لمنصب وزير الدفاع عقبات تقنية، ذلك أن القانون يتطلب تعيين مدني على رأس البنتاغون، أو أن يكون ضباط الجيش المتقاعدين قد أمضوا سبع سنوات بعيدًا عن العمل العسكري لتولي منصب وزير الدفاع، وهو الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية الأميركية من تولي مدنيين للمناصب العليا. ويقول خبراء إن الكونغرس قد يصدر استثناء خاصًا للجنرال ماتيس. وقد أعرب السيناتور جون ماكين عن إعجابه بالجنرال ماتيس.
ويواجه السيناتور جيف سيشنز، الذي اختاره ترامب لتولي حقيبة العدل، بعض الاعتراضات من الكونغرس الذي يلاقي معارضة من بعض الديمقراطيين، خوفًا من توجهاته العنصرية ضد السود والمثليين.
فيما أشار مساعدون بالفريق الانتقالي إلى أن ترامب قرر أن يصدر شريط فيديو يناقش فيه أولوياته التشريعية، وخططه عندما يبدأ في ممارسة مهام منصبه كالرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وأوضح جيسون ميللر، المساعد بالفريق الانتقالي، أن ترامب سيتطرق للموضوعات التجارية، خاصة الشراكة عبر المحيط الهادي مع الدول الآسيوية، وقضايا الهجرة والأمن السيبراني.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟