توقع 4 أعوام «عاصفة» بين ترامب والصحافيين

مع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الجمهورية، عينت صحيفة «واشنطن بوست» مارغريت سوليفان مسؤولة عن الشؤون الإعلامية فيما يمكن أن يوضح اهتمام الصحيفة بهذا الموضوع. وذلك لأن سوليفان كانت المراقبة العامة في صحيفة «نيويورك تايمز»، وقبلها كانت رئيسة تحرير صحيفة «بوفالو نيوز»، في بوفالو (ولاية نيويورك).
ماذا قالت سوليفان عن العلاقة بين ترامب والإعلام خلال الأربعة أعوام المقبلة؟
قالت: ستكون «تيربيولانت» (عاصفية)، مضيفة: «ما كنت أصدق أنني سأقول هذا يومًا ما، لكنى أقول اليوم إن على جميع الصحافيين أن يقرأوا الدستور الأميركي، خصوصًا 45 كلمة هي «التعديل الأول» في الدستور (ينص التعديل على احترام حريات الدين، والرأي، والحديث، والصحافة، والتجمع، والاحتجاج ضد الحكومة). أقول هذا لأني أعتقد أن ترامب قال، مرارًا وتكرارًا، إنه ليس متحمسًا للصحافة والصحافيين، ناهيك بحريتهم».
وأشارت سوليفان إلى الآتي:
أولاً: منع خلال الحملة الانتخابية مراسلي صحيفتي «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» من تغطية الحملة.
ثانيا: وصف الصحافيين بأنهم «سكام» (حثالة).
ثالثا: قال إنه إذا صار رئيسًا، سيوقع على قانون يعاقب الصحافيين الذين ينشرون «أخبارًا كاذبة».
رابعا: شجع الذين كان يخاطبهم على منع دخول الصحافيين للمكان، وعلى طردهم، وحتى إيذائهم.
ومن المفارقات، في أسبوع فوز ترامب بالرئاسة نفسه، أعلن قاموس «أكسفورد» العريق، كعادته كل عام، أشهر كلمة جديدة دخلت على اللغة الإنجليزية هذا العام: «بوست تروث» (ما بعد الحقيقة).
كان استعمال الكلمة قد اشتهر خلال الحملة الانتخابية بسبب ميل المرشحين إلى المبالغة، وليّ الحقائق، بل الكذب الواضح (في بداية الحملة الانتخابية، كان هناك 18 مرشحًا من الحزب الجمهوري، و4 مرشحين من الحزب الديمقراطي). لهذا، خصصت صحيفة «واشنطن بوست» قسمًا كاملاً (كان صحافيًا واحدًا) لمتابعة تصريحات المرشحين، وكشف الأخطاء فيها.
في الأسبوع الماضي، قال جون ديفيسون، من كتاب دورية «فيدراليست» التاريخية الموقرة: «ليس سهلاً حسم الصواب والخطأ في غياب الحرية الكاملة.. تظل حرية التعبير الكاملة شيئًا نادرًا في العالم اليوم، وتظل واحدة من الاختلافات الكبيرة بين الولايات المتحدة ومكان مثل كوبا».
وقالت ماشا غيسين، صحافية ولدت في روسيا، وتكتب في «نيويورك بوكز ريفيو» (عرض الكتب): «أعرف جيدًا أنه لا توجد حرية كاملة في روسيا. توجد في أميركا، لكنها هشة، ويمكن أن تنهار في ظل (العقيدة الترامبية)».
وأضافت: «يجب ألا يعتمد الصحافيون على صحفهم ومؤسساتهم لتحمى حريتهم لأن هذه، في نهاية المطاف، جزء من الماكينة الرأسمالية التي تميل نحو المادة، بعيدًا عن الفكر. يجب على الصحافيين أن يحموا أنفسهم».
لا يحتاج الصحافيون ليعيدوا ذكرى الحملة الانتخابية، وتصريحات ترامب العدائية نحوهم، وذلك لأن ترامب بعد فوزه لم يغير رأيه، بل زاد الطين بلة:
أولاً: اختار ستيف بانون، رئيس تحرير صحيفة «برايبارت» الإلكترونية اليمينية المتطرفة، مستشارًا «استراتيجيًا» له في البيت الأبيض.
ثانيًا: يتوقع أن يختار لمنصب هام كوري لوندوسكي الذي كان مسؤولاً عن «مراقبة ومتابعة» الصحافيين خلال الحملة الانتخابية.
ثالثًا: اختار الجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشارًا لشؤون الأمن الوطني، وهو بالإضافة إلى سجله المعادي للإسلام والمسلمين، لم يقصر في الهجوم على الصحافيين، قبل وخلال الحملة الانتخابية.
لهذا، كتب بريان بيوتلار، كاتب عمود في مجلة «نيو ريبابليك» الليبرالية: «نواجه تهديدات واضحة للحماية المتساوية لكل شخص في ظل القانون، ولحرية التعبير وللنظام الديمقراطي كله»، وأضاف: «ليس ما نشاهد مناورة أو مسرحية؛ ما نشاهد حقيقة».
ماذا يمكن أن يفعل الصحافيون؟
وضع الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (إيه سي إل يو) العبارة الآتية في موقعه على الإنترنت: «قابلونا في المحاكم» (يقصد رفع قضايا ضد الإجراءات المتوقعة ضد حرية الصحافة من إدارة الرئيس القادم ترامب).
واقترح ميكي أوستيريتشير، محامٍ يمثل المنظمة الوطنية للمصورين الصحافيين، حملة توعية وسط الأميركيين، وقال: «أملنا الوحيد هو أن نكرس جهودنا لتثقيف الأميركيين عن أهمية التغطية الصحافية المستقلة»، مضيفًا: «يجب أن نسأل الأميركيين إذا كانوا يريدون، حقًا، وزارة إعلام خاضعة لسيطرة الدولة، أو صحفًا مثل (برافدا) الروسية».
وفي الأسبوع الماضي، سجل موقع «أمازون» لبيع الكتب زيادة في الإقبال (بل أول إقبال) على كتاب «مذكرات سجن» الذي كتبه أنطونيو غرامشي، وهو صحافي إيطالي سجنه نظام موسوليني الفاشي هناك خلال الحرب العالمية الثانية.
كتب غرامشي عن «تشاؤم الفكر، وتفاؤل الإرادة»، وضرب مثلاً برجل يسكن في مكان بعيد عن المدينة. وفجأة، هب حريق في بيته، فاتصل بفرقة إطفاء الحريق في المدينة، وكان يعرف أنهم لن يصلوا منزله قريبًا. وفي الوقت نفسه، استعمل خرطوم الماء الذي يسقي به حديقة منزله لإطفاء الحريق، وهو يأمل في وصول فرقة الإطفاء سريعًا.
قالت سوليفان إن مغزى القصة (ومغزى كتاب غرامشي) هو الآتي:
في جانب حرية الفكر: تظل هشة، مثل إمكانية احتراق بيت (وتوقع وقت طويل قبل وصول النجدة).
في جانب الإرادة: حتى خرطوم ماء حديقة المنزل يمكن أن يفيد (أملاً، إن لم يكن فعلاً).
وعلقت سوليفان: «يوجد التشاؤم في الأمر الواقع الذي نراه أمام أعيننا (تهديدات ترامب ضد الصحافيين)، لكن يوجد التفاؤل في قوة إرادة الصحافيين على حماية حريتهم».