تجميد فتاة بريطانية على أمل إعادتها للحياة بعد قرنين

فازت بدعوى قضائية مثيرة للجدل قبل وفاتها

منشأة التخزين التي ارسلت جثة «جي سي» إليها في الولايات المتحدة (المصدر: موقع المنشأة الرسمي)
منشأة التخزين التي ارسلت جثة «جي سي» إليها في الولايات المتحدة (المصدر: موقع المنشأة الرسمي)
TT

تجميد فتاة بريطانية على أمل إعادتها للحياة بعد قرنين

منشأة التخزين التي ارسلت جثة «جي سي» إليها في الولايات المتحدة (المصدر: موقع المنشأة الرسمي)
منشأة التخزين التي ارسلت جثة «جي سي» إليها في الولايات المتحدة (المصدر: موقع المنشأة الرسمي)

تثير قضية تجميد أجساد الموتى وإعادتها للحياة نقاشات مطولة في الأوساط العلمية. فالقضية ما زالت مثار جدل ولم تحسم من الناحية العلمية. تسلط اليوم قضية فتاة بريطانية في 14 من عمرها - التي لم يتم الإفصاح عن اسمها لأسباب قانونية - الضوء مجددًا على مسألة تجميد الجثث بعد تقديمها طلبا بشكل رسمي للمحكمة يتلخص في إرسال جثتها لمركز تجميد جثث (كرايونيك) في أميركا.
* جدل حول مصير الجثة
تم تشخيص مرض الفتاة، التي أصبحت تُعرف اليوم بالاسم المُستعار «جي سي»، في العام الماضي، وتم إخبارها بأنها تعاني من نوع نادر من مرض السرطان. وفي نهاية أغسطس (آب) من هذا العام، أُخبرت بأن مرضها أصبح عضالا وأن فترة العلاج قاربت على الانتهاء. ومنذ تلك اللحظة، بدأت الفتاة في البحث عن منشآت لـ«الكرايونيك»، المهتمة بتجميد جثث الموتى واكتشاف طريقة إعادة إحيائهم من جديد. ولعدم قدرتها على اتخاذ القرار، استعانت «جي سي» بوالدتها في البدء بالإجراءات الرسمية للاشتراك بالعملية.
بدأ الجدال بين والدي الفتاة المطلقين، حيث اختلفوا حول ما إذا كان ينبغي تحقيق رغبة ابنتهم في طلبها من المحكمة بتجميد جثتها بعد وفاتها. وإلى ذلك، قالت الفتاة في رسالة مؤلمة موجهة للمحكمة «لا أريد أن أموت ولكنني أعرف أن ذلك سيحدث... أرغب في العيش لفترة أطول... وأريد الحصول على هذه الفرصة». كما كشفت الفتاة لأحد أقاربها مرة، بحسب ما ذكرته صحيفة «التلغراف» البريطانية على موقعها الإلكتروني أمس: «أنا أموت، ولكنني سوف أعود مرة أخرى بعد 200 عام».
وبالإضافة إلى ذلك، طلبت «جي سي» من قاضي المحكمة بيتر جاكسون بإصدار قرار قضائي يضع مسؤولية تقرير مصير جثتها في يد والدتها «فقط»، التي دعمت بدورها رغبة ابنتها منذ البداية.
وبعد وفاتها بوقت وجيز في مستشفى بالعاصمة البريطانية في 14 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، لبى القاضي رغبة الفتاة بإصدار قرار بتجميد جثتها، حيث أُرسلت إلى منشأة تخزين في الولايات المتحدة، لتصبح بذلك من ضمن عشرة بريطانيين فقط تم تجميدهم سابقًا. أتى القرار بعد أن أوكل القاضي حق تقرير مصير الجثة للأم وأصدر قرارا يمنع الأب من التدخل في القضية.
* ماذا يعني «الكرايونيك»؟
يذكر أن تجميد «الكرايونيك» هو عبارة عن عملية تبريد لجثث الأشخاص بعد وفاتهم عن طريق غاز النيتروجين السائل. حيث يُعتقد بأن العلماء سيعملون على إنشاء «عملية إحماء» تُعيد الحياة للأجساد المجمدة. أما بالنسبة للأجساد التي تحمل أمراضا مميتة، كالسرطان، فتجميد «الكرايونيك» يتيح الوقت الكافي للعلماء لاكتشاف العلاج المناسب لها ومن ثم إحياء الجثة في المستقبل وعلاج ما لا يمكن علاجه اليوم. ومن الناحية القانونية، لا يمكن لأي شخص الدخول في عملية التجميد الكرايونيكي إلا بعد الإعلان الرسمي عن وفاته. وتتطلب العملية السرعة في تجميد الشخص المتوفى وذلك لمنع تلف خلايا المخ والحفاظ على الدماغ بشكل عام. ومن ثم يقوم الأطباء بعملية استبدال كامل لدم المتوفى بسائل خاص ضد التجمد، وذلك لمنع تكون بلورات الثلج ولضمان استمرار الدورة الدموية.
وتبدأ عملية التبريد بوضع الجثة في حقيبة خاصة مبردة بغاز النيتروجين على درجة حرارة 110 مئوية، وبذلك يبدأ الجسد بالتصلب وتتوقف نشاطات الأيض (المتعلقة بعملية الهضم وتحويل الغذاء إلى طاقة). وتتم بعد ذلك عملية التبريد البطيء، التي تهدف إلى تجميد الجسم ببطء حتى يصل إلى 196 درجة مئوية. وأخيرًا، يتم تعليق الجثة رأسا على عقب داخل حاوية مليئة بالنيتروجين السائل وتبقى إلى أجل غير مسمى حتى يتقدم العلم.
الجدير بالذكر أن كامل الفضل في إنجاح العملية يعود إلى جدي الفتاة، اللذين تحملا التكلفة الكاملة لعملية تجميد جثة حفيدتهما بمبلغ 37 ألف جنيه إسترليني، المبلغ الذي لم يكن متوفرا لدى والديها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».