في نهاية فيلم بيتر ياتس «بوليت» (1968) يركب المدعي العام سيارته الحكومية وقد هزمه تحرٍّ لا يعرف المساومة، خصوصًا المساومة السياسية، ويصر على فعل الشيء الصحيح، اسمه فرانك بوليت. القضية في هذا الفيلم البوليسي الممتاز واضحة: شاهد عيان على منظمة، يريد المدعي العام وولتر تشامبرز استخدامه لتحقيق دعاية سياسية تمكنه من الارتقاء إلى منصب أعلى. أما بوليت فهو يريد الوصول إلى الذين تمكنوا من قتل شاهد العيان بصرف النظر عن أي اعتبار آخر. وخلال فصل مشوق تقع أحداثه في مطار سان فرانسيسكو يتواجه بوليت وتشامبرز ويحاول الأخير ثني بوليت عن صيد القاتل، فيقول له بوليت: «أنت سر على رصيفك وأنا سأسير على رصيفي» وينفذ بوليت ما هو بصدده، مما يحمل تشامبرز على مغادرة المكان وقد خسر آمال المنصب الأكبر.
بوليت هو ستيف ماكوين الذي رحل سنة 1980. أما تشامبرز فقد أداه روبرت فون الذي رحل يوم الجمعة الماضي عن 83 سنة. ممثل من أجود المواهب التي انبثقت من السبعينات ومن أشهرها لفترة طويلة. أيام ما قبل الإنترنت كان يتسلم ما معدله 70 رسالة إعجاب في الشهر الواحد.
أوسكار
مثل فون في عدد متساوٍ من الأفلام: 83 فيلمًا من عام 1956 كان «بوليت» نوعًا من التتويج بينها. لكنها حَوَت أيضًا أدوارًا جيدة ومهمّة كثيرة. إنه في فيلم «السبعة الرائعون» لجون ستيرجز (1960) لاعبًا شخصية المقاتل الذي بنى صيته على ادعاء كاذب. حين يأتي اليوم الذي عليه أن يشارك رفاقه المعركة التي يواجهونها ترتجف يداه وتخذله نفسه ويرتعد جبنًا. ليس الدور الذي كان يستحق «أوسكار» أفضل ممثل مساند، لكنه من بين أكثر الشخصيات المشاركة في هذا الفيلم تميّزًا.
لعب كذلك أدوارًا أساسية في «جسر ريماغن» لجون غيلرمن (أمام بن غازارا وجورج سيغال) واستعان به المخرج نفسه لدور آخر في «البرج الجهنمي» (1974) أمام ستيف ماكوين، مرة أخرى، وبول نيومان وويليام هولدن وفاي داناواي. بعده وجدناه في فيلم خيال علمي بعنوان «غزوات ستارشيب» و«اجتياز كوبا» و«العنبر 18» و«سوبرمان 3». ومن آخر ما شاهدناه له مجموعة من الأفلام متوسطة القيمة مثل «حروب العصابة» و«ساعة المرح» و«نجمة ذهبية».
في الحقيقة لم يستطع روبرت فون اختراق الحاجز المعتاد بين الصفين الثاني والأول. ليس أنه لم يؤدِّ أدوارًا بطولية، لكنه لم يتمتع بما يحتاج إليه الممثل - النجم من حضور وتميّز في معالجة أدواره على الشاشة. رغم ذلك لم يخلُ الأمر من أعمال لافتة كان من بينها، لجانب «بوليت» و«الرائعون السبعة»، «الفيلادلفيون الشبان» الذي رشح عنه لأوسكار أفضل ممثل مساند.
الموهبة لا علاقة لها بذلك. فون كان موهوبًا وجيد الأداء فيما يقوم به.
ما افتقده فون في السينما أنجزه على التلفزيون. هو النصف الأميركي من الثنائي الأميركي - الروسي العامل في وكالة مخابرات اسمها U.N.C.L.E الذي امتدت حلقاته ما بين 1964 و1968 لاعبًا شخصية الجاسوس نابليون صولو. إنها الفترة التي غمرت فيها أفلام جيمس بوند الأولى ومثيلاتها الشاشات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وهو قال عنها: «المسلسل هو نكتة ممتدة من نكتة (جيمس) بوند لتتحول إلى عمل كرتوني ضخم».
شريكه في المسلسل، ديفيد ماكولام، يوازيه عمرًا، إذ احتفل في سبتمبر (أيلول) الماضي بعيد ميلاده الـ83 أيضًا. ومثله لا يزال يتحين الفرص للظهور سينما أو فيديو أو ما شابه.
المشكلة التي واجهها فون في مهنته هي أنه نجح في نوع لا يمكن استعادته في كل عمل جديد. والمشكلة الأخرى أنه حينها لم يكن اقتباس البرامج التلفزيونية للسينما أمرًا رائجًا، وإلا فلو تم له تمثيل دور الجاسوس القادم من تلك المؤسسة (أونكل) في فيلم من أعمال الستينات أو السبعينات لأنجز حضورًا أكثر كثافة مما فعل.