«مسك العالمي» يوقد حماس جيل الشباب بتجارب ريادية ملهمة

130 خبيرًا من 65 دولة عرضوا تجاربهم وخبراتهم بحضور 1500 شاب وشابة

منتدى مسك يناقش تأثير العولمة ومواصفات القائد الناجح
منتدى مسك يناقش تأثير العولمة ومواصفات القائد الناجح
TT

«مسك العالمي» يوقد حماس جيل الشباب بتجارب ريادية ملهمة

منتدى مسك يناقش تأثير العولمة ومواصفات القائد الناجح
منتدى مسك يناقش تأثير العولمة ومواصفات القائد الناجح

شهدت العاصمة السعودية أمس، فعالية شبابية ابتكارية ريادية كبيرة، تمثلت في منتدى مسك العالمي في دورته الأولى، الذي جمع أفذاذ الفكر الريادي والاختراعات الخلاّقة من 65 دولة حول العالم، ليتحدثوا إلى أكثر من ألف و500 شاب وشابة من السعودية والعالم عن تجاربهم وخبراتهم في ريادة الأعمال، ويوقدوا حماسهم في جلسات اليوم الأول.
وعلى هامش فعاليات المنتدى، وقعت «مسك الخيرية» مذكرات تفاهم مع خمس جهات محلية وعالمية. وحضر المنتدى الذي تنظمه مؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية»، ألف و500 شاب وفتاة، نصفهم من السعودية والنصف الآخر من مختلف دول العالم. وشهد المنتدى برعاية الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ووسط مشاركة 130 مختصا وأكاديميا من وزراء ومسؤولين ورجال ورواد الأعمال في المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية والتجارية والرياضية من داخل المملكة وخارجها، تحدث المشاركين في منتدى مسك العالمي، عن نجاح مشاريعهم في قوالب مختلفة تحفّز الشباب والفتيات على مواصلة الابتكار والإبداع في مجالات الحياة وقيادة مسيرة التنمية.
* أحلام الطفولة تتحول إلى إنجازات
افتتح أولى جلسات منتدى مسك العالمي، أربعة من الشباب السعودي من الجنسين، تحدثوا عن مبادراتهم ومشاريعهم والصعوبات التي تغلبوا عليها ليحققوا النجاح، وإسهاماتهم في التخطيط لمستقبل بلادهم، حيث بدأت بأحلام الطفولة، وانتهت بإنجازات الكبار.
وسرد مهند أبو دية قصته الطموح والإنجاز، مشيرًا إلى أنه بدأ بحلم منذ صغره بأن ينافس «توماس أديسون» في عالم الاختراعات الشهير، لكنه تعرض لحادث أليم أفقده بصره وساقه اليمنى، وهو على عتبات الجامعة، غير أنه روحه الوثّابة أبت أن تستسلم لوهن العجز وحسرة الماضي الممتدة إلى الحاضر، وهو طريح المستشفى يتألم من إصابته البليغة، فرأى في مستقبله حلمه يشبّ عن طوقه.
بدأ حلم أبو دية، ينمو يوما بعد يوم مع دراسته الجامعية، وأبت الأفكار التي تحتشد في رأسه، أن تنحرف عن مسار طموحاته للمستقبل، فبدأ يراجع خططه، وانطلق من جديد، فحوّل الجلسة الأولى التي كانت بعنوان: «شباب المملكة العربية السعودية»، إلى ساحة من التصفيق الذي لا ينقطع وهو يتحدث أن الصعوبات والتحديات التي اعترضته هي نفسها التي دفعته بقوة إلى مواجهتها بصبر وثبات، فتمكن من دراسة الماجستير في إدارة الأعمال.
أحلام أبو دية لم تقف عند هذا الحد، وبدلاً من أن يصنع مليون اختراع كما كان يتمنى قبل إصابته، وضع لنفسه حلمًا جديدًا وهو تدريب مليون شخص في مجالات الابتكار، إذ أسس مركز «أسطرلاب سنتر»، وطبع آلاف النسخ من البرامج التدريبية، وامتد عمله إلى الخليج أيضًا بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، والأمم المتحدة، وسيبدأ الأسبوع المقبل تدريب المبتكرين عبر «يوتيوب»، ووسائل التواصل الاجتماعي. وتابع: «اخترنا للشركة اسم (الأسطرلاب) الذي ابتكره الأجداد العرب لتوجيه الرحالة وليكون مشروعنا لتوجيه المبتكرين». وعلى خطى الابتكار، كانت هناك قصة للشابة السعودية منيرة جمجوم، التي ذكرت أنها كانت تكره الالتزام ببعض الحصص الدراسية المملة في مدرستها الإعدادية، رغم أن نتائجها الدراسية ممتازة، ولذلك فكّرت في طريقة لتغيير نمط التعليم الممل أحيانًا، وقررت أن تصبح وزيرة للتعليم، فذهبت إلى والدها وأخبرته بذلك عندما بلغت السادسة عشرة من عمرها، فصدقها وملأها ثقة على ثقتها. ووجدت جمجوم دعما غير محدود من والدها، لأنه رأى ابنته تخطط لحياتها على هذا الأساس، فبدأت تتلمس طريقها مرحلة مرحلة، فأصبحت معلمة لتعرف ما يواجهه المعلمون من صعوبات في التدريس والمناهج، ثم سافرت إلى نيويورك لتتخصص في تخطيط المناهج، ثم عادت لتدرس في الجامعة وتقيّم وضع المناهج، وكتبت أول كتاب لها بعنوان «خواطر جريئة عن التعليم في السعودية»، وتخصصت أكثر في مجال التعليم فعملت في مجال الاستشارات التعليمية، وبعد أن نضجت الفكرة، أسست منيرة شركة «إمكان» لحل المشكلات في مجال التعليم.
وشددت منيرة على أهمية أن يعرف الشاب أو الفتاة المشكلات التي يريد حلها، لينطلق في الحياة ويستطيع توفير المعرفة والخبرات اللازمة لحل تلك المشكلات، وهي تعتقد أن السؤال عن المشكلة أفضل من السؤال عن حلّ المشكلة.
* من المحلية إلى العالمية
أما لطيفة الوعلان، مؤسس شركة «يتوق»، فكشفت عن أهمية الإصرار والمعرفة لبناء اقتصاد قوي، وهي تسرد تجربتها في تأسيس الشركة المتخصصة في صناعة القهوة، حيث كانت البداية في 2011 بالتصنيع خارج المملكة.. «كانت المنافسة شديدة، واستوعبت أنني إذا أردت الاستمرار في هذا المجال فيجب نقل التصنيع إلى داخل السعودية»، لكنها لم تكتف بذلك.
واجهت الوعلان تحديات وصعوبات كبيرة لنقل مراحل التصنيع إلى داخل السعودية، لكنها نجحت في ذلك بالإصرار والعمل الدؤوب، لافتة إلى أن شركتها واجهت مشكلة عندما طرحت أحد منتجاتها في السوق، لكن فريقًا من المهندسين السعوديين تمكنوا من حلها، وجرى استبدال المنتجات من السوق من دون الاستعانة بأي مصنع خارجي.
* جو كايسر: الشباب السعودي كنز للمستقبل
من الشهادات المهمة في حق الشباب السعودي، ما قاله جو كايسر، الرئيس التنفيذي لشركة «سيمنس»، عن أهمية دور الشباب في مستقبل المملكة العربية السعودية: «لدينا كثير من الكنوز، وإمكانات شبابنا المخبأة هي كنز المستقبل»، مشيرا إلى وجود مخطط طموح جدًا لمستقبل جميل في السعودية.
وأضاف كايسر: «أنتم المحور الرئيسي لبلدكم، وأنتم ضمن المخطط لمشروعاتنا في السعودية، إذ فتحنا مجالات المعرفة والتدريب في مركزنا بالدمام الذي يقدم الوظائف ويهيئ الشباب لسوق العمل في مجالات تقنية كبيرة»، مشيرا إلى أن الشركة تبحث عن طرق جديدة لإدارة الابتكار. وشدد على أهمية توافر الأنظمة الحاضنة للابتكار وتخطي العراقيل التي تواجهها، التي تكون سببا في الإبداع، مبينا أن «سيمنس» أطلقت مؤخرًا وحدة «نيكست47» التي تعمل على مواكبة الإبداع واحتضان الأفكار الناشئة، والعمل على تطوير التقنيات بشكل أسرع بالتعاون مع المشاريع الصغيرة الناشئة. وأوضح أن الوحدة سميت بهذا الاسم تبعًا لتاريخ تأسيس الشركة في ألمانيا عام 1847، منوها بأن السوق تتغير باستمرار والخطوات سريعة أكثر مما كانت عليه خصوصًا في المجال التقني، فالحواسيب الآن أسرع 2500 ضعف مما كانت عليه في الثمانينات، وعلى الشباب أن يضعوا هذا في اعتبارهم.
وأوصى كايسر الشباب السعودي، بضرورة التسلّح بالعلم، مؤكدا أن رواد الأعمال هم الذين سينقلون البلد إلى المستقبل، وعليهم أن يتسلحوا بالتقنية.
* دودلي: الشباب عماد «رؤية 2030»
بوب دودلي، المدير التنفيذي لشركة «BP»، تحدث في جلسة النقاش التفاعلي عن «استعراض أدوات المستقبل»، مشددًا على أهمية اكتساب الشباب مهارات وأساليب جديدة من أجل الفوز بالثقة بعالم الغد، مشيرًا إلى أن «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» تتضمن أفكارًا خلاقة تمنح الموهوبين فرصة المساهمة بفعالية وثقة.
ولفت إلى أن نجاح الرؤية يعتمد بشكل أساسي على جيل الشباب ومدى قدرتهم على الابتكار والإبداع في مجالات العمل المتنوعة، مشيرًا إلى أهمية الانتباه إلى دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دفع التنمية إلى الأمام، واغتنام الفرص المتاحة في خطط التنمية، لبناء أساس متين للمستقبل.
* مواكبة التغيير والاهتمام بالتقنية
وكانت مواكبة التغيير والاهتمام بالمجالات التقنية والإبداعية مفتاح جلسة بعنوان «مواكبة اللحظة.. توقع اتجاهات الغد وصناعتها»، طرح خلالها مجموعة من المسؤولين والخبراء من بينهم خوزيه باروسو الرئيس التنفيذي لبنك جولد مان ساشز، وأحمد الهنداوي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشباب، التوجهات الأساسية التي تؤثر في العالم بأسره. وسأل مدير الجلسة المحرر في «CNN» جون ديفتريوس، المتحدثين في الجلسة عن كيفية تهيئة الشباب للتطوير والتغيير، وإحداث توازن بين الاقتصاد المحلي وما يحدث حول العالم.
وأكد خوزيه مانويل باروسو، الرئيس غير التنفيذي في «Goldman sachs international»، ضرورة مواكبة التغيير والاهتمام بالمجالات التقنية والإبداعية، موضحا أن التغيير سريع جدًا، والعولمة فتحت المجال لاستخدام التقنية بشكل كبير، لكن يجب الانتباه إلى أن التغيير يجب أن يكون مدروسا ومخططا ليخرج متقنا في نهاية المطاف.
وشدد جاك أتالي، مؤسس ورئيس «Positive planet»، على أهمية هدم الجدران الوهمية بين الأمم، والالتفات إلى كيفية إحداث الفارق في ريادة الأعمال والعلم والتكنولوجيا، مشيرًا إلى أهم التحديات تتمثل في الديموغرافيا والتكنولوجيا، إذ سيزيد عدد سكان العالم مليار شخص خلال 15 سنة، وهنا يأتي دور التكنولوجيا في تحسين حياة كثيرين، إضافة إلى دور النخبة من الشباب الذين يحدثون فارقا في ريادة الأعمال والعلوم والتكنولوجيا.
أما مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أحمد الهنداوي، فركز على أهمية دور الشباب في بناء التنمية، مؤكدا أن المنطقة تتمتع بإمكانات كبيرة من الشباب الذين يمكن لهم إحداث التغيير وإيجاد الحلول لمشكلات العمل والتنمية، مشيرا إلى أن الشباب السعودي هم الممثلون الحقيقيون لبلدهم. ولفت إلى أن مشاريع الأمم المتحدة في السعودية تدعم وتساند العمل التطويري والشراكات التي تستثمر في طاقات الشباب متطلعا لانضمام كثير منهم إلى الأمم المتحدة، مؤكدًا أن للشركات للصغيرة أهمية كبيرة، إضافة إلى دعم الحكومات للتوجهات التي تصب في مصلحة الشباب، مشيرا إلى أن سكان المنطقة العربية يمثلون خمسة في المائة من سكان العالم، ويحتاجون إلى 60 مليون وظيفة في الأعوام المقبلة.
* الابتكار مطية الجيل الجديد
وخلال ورشة عمل «استثمار الهوايات في الأعمال التجارية»، شدد جون تشامبرز، المدير التنفيذي لشركة «Cisco»، على أهمية الابتكار في حياة الشعوب، وكيفية تأثيره على الجيل الجديد، وتطوير حياتهم المهنية، في حين قدّم الخبيرين سولومون تشوي، المدير التنفيذي والمؤسس لشركة «16 Handles»، وبدر العقيلي، مؤسس شركة «Pick»، عرضًا لتجارب أشخاص حولوا مواهبهم إلى نجاحٍ تجاري وتخطوا العقبات التي واجهتهم.
وخصص منتدى مسك العالمي، ورشة عمل عن «الوضع الجديد لنظام ريادة الأعمال العالمي»، ناقش خلالها كل من جو لونسديل، مؤسس شركة «Palantir»، وجونثان أورتمانس، مؤسس الأسبوع العالمي لريادة الأعمال (GEW)، ما يحمل المستقبل لرواد الأعمال، وكيف يسهم تعزيز بيئة ريادة الأعمال في البلدان والدول في مساعدة الأمم على النهوض بشغف التطور. وتناولت ورشة عمل تحت عنوان «لماذا تفشل المفاهيم؟» كيفية نجاح بعض رواد الأعمال المتميزين في تطوير بيئة لريادة الأعمال، فيما ناقشت أخرى كيفية إسهام تطبيقات الأجهزة المحمولة في تجديد العالم، وكيفية التفاعل معها. وهدفت مؤسسة مسك الخيرية من إطلاق هذه المبادرة الشبابية، إلى إيجاد منصة دولية شبابية لتبادل المعرفة واستعراض تجاربهم الناجحة عن قرب للوصول إلى نتائج وتوصيات ومبادرات تصب في تنمية وتطوير الطاقات الشبابية.
وأكدد عدد كبير من جمهور المنتدى، أن مخرجاته ستنعكس إيجابا على الأوساط الشبابية في السعودية من جانب، وإثراء الجهود الدولية الساعية إلى تطوير وتمكين الشباب على المستوى العالمي من جانب آخر، معولين عليها في إخراج جيل إضافي من الموهوبين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».