كرات إسمنتية هائلة لحفظ الطاقة في قاع البحر جنوب ألمانيا

أول تجربة من نوعها في العالم

كرة قطرها 3 أمتار أنزلت إلى قاع بحيرة بودنسي ({الشرق الأوسط})
كرة قطرها 3 أمتار أنزلت إلى قاع بحيرة بودنسي ({الشرق الأوسط})
TT

كرات إسمنتية هائلة لحفظ الطاقة في قاع البحر جنوب ألمانيا

كرة قطرها 3 أمتار أنزلت إلى قاع بحيرة بودنسي ({الشرق الأوسط})
كرة قطرها 3 أمتار أنزلت إلى قاع بحيرة بودنسي ({الشرق الأوسط})

يبدأ علماء معهد فراونهوفر الألماني أول تجربة في العالم لحفظ الطاقة في كرات إسمنتية مجوفة كبيرة في قاع البحر. وتم اختيار بحيرة «بودنسي» المعروفة في جنوب ألمانيا، على حافة الغابات السوداء، لتجربة كرات مصغرة بحجم عشر الكرات المخطط لها، بعد إنزالها إلى البحيرة على عمق مائة متر.
وفكرة كرات حفظ الطاقة بسيطة، ومهمتها حفظ الطاقة البديلة الزائدة المنتجة بواسطة الشمس والمراوح الهوائية، بغية استخدامها لاحقًا عندما ينخفض إنتاج مصادر الطاقة المذكورة. ويجري في هذه التقنية تفريغ الكرات من الماء عندما يزيد إنتاج الطاقة على حاجة السكان، ثم يسمح للماء بالعودة ليدير بقوة اندفاعه تربينات تنتج الكهرباء. وطبيعي فإن الكرات ستحفظ الطاقة المتولدة داخلها، وهي في عمق البحر، لتتولى لاحقًا تزويد المدن الساحلية القريبة عند انحسار إنتاج مصادر طاقتها.
وقال المهندس هورست شميدت - بوكنغ، من جامعة فرانكفورت، إن الكرات الإسمنتية المجوفة في قاع البحر تستخدم ضغط الماء في ملء نفسها وتستخدم الطاقة الفائضة في تفريغ نفسها. وتستطيع في الوقت ذاته تخزين طاقة كبيرة لاستخدامها وقت الحاجة.
وبعد تجربة الكرات من قطر 3 أمتار في بحيرة بودنسي سيجري تجربة الكرات الهائلة من قطر 30 مترا على عمق مائتي متر أو أكثر من بحر الشمال. حينما يفيض إنتاج المراوح الهوائية هناك عن حاجة السكان في المدن الساحلية تستخدم الطاقة الزائدة في تفريغ الكرات من الماء. وطبيعي سيجري كسب الطاقة نفسها عندما يدخل الماء إلى الكرات الفارغة ويحرك مولدات إنتاج الكهرباء.
تحتوى الكرة على صمام يسمح بدخول الماء إلى جوفها بقوة ليحرك تربينًا ينتج الكهرباء ويوصله بواسطة كابل يمتد تحت الماء ويصل إلى الأرض. يتم بعد ذلك توزيع الكهرباء بواسطة كابلات تحت الأرض إلى المدن القريبة. وطبيعي فإن الماء يتسرب من فتحة أخرى في الكرة إلى البحيرة من جديد.
وتولى «معهد فراونهوفر للطاقة الشمسية وتقنيات أنظمة الطاقة» تنفيذ الفكرة التي طرحها شميدت - بوكنغ. وزرع المهندسون قبل أيام قليلة الكرات من قطر 3 أمتار إلى قاع بحيرة بودنسي بالقرب من مدينة أوبرلنغن.
قبل بدء التجربة تمت محاكاة العملية على الكومبيوتر وثبت أنها ناجحة تمامًا، وثبت أيضًا أن الكرات تصمد تحت ضغط الماء ولن تتقوض. مع ذلك سيجرب العلماء في بودنسي اختبار الكرات في أعماق مختلفة وأحجام مختلفة قبل نقل التجربة إلى أعماق البحار.
وعبر يوخن بارد، من معهد فراونهوفر، عن قناعته بأن كفاءة الكرات في حفظ الطاقة وإعادة إنتاجها تزداد كلما زاد عمقها تحت سطح البحر. والمعتقد أنها ستعمل على أفضل وجه وهي على عمق 600 - 800 متر. وطريقة حفظ الطاقة بواسطة الكرات الإسمنتية المجوفة تصلح لكل المناطق القريبة من مصادر إنتاج الطاقة البديلة من الشمس والهواء، بما فيها سواحل النرويج والولايات المتحدة وإسبانيا وغيرها. ويبدو أن درجة البرودة على هذه السواحل، وانخفاضها الكبير في الأعماق هو الذي دفع المبتكر شميدت - بوكنغ لتسميتها «كرات الجليد».
قدر بارد أن كرة جليدية من قطر 30 مترًا قادرة في عمق 700 متر على حفظ الطاقة وإعادة إنتاجها بقوة 20 ميغاوات ساعة. ويكفي هذا القدر من الطاقة، بحسب العلماء، لتزويد 5 بيوت بالطاقة على مدى سنة. وهذا يعني أن ملأها وتفريغها من الماء مائة مرة في السنة، سيكفي لسد حاجة 500 منزل، على مدار الساعة، وطوال سنة كاملة. ومن المخطط له أن يجري تفريغ الكرات وملؤها يوميًا بغية وصول أقصى طاقة تكفي لتزويد مدن صغيرة بالكهرباء.
وأشار بارد إلى أن استخدام الكرات الإسمنتية المجوفة قرب سواحل العالم التي تنتج الطاقة من المراوح الهوائية يؤهل هذه المناطق لحفظ طاقة قدرها 893 ألف ميغاوات ساعة. وهذه الطاقة كافية لتزويد كل هذه المناطق بالطاقة عند توقف مصادر إنتاج الطاقة البديلة لبعض الوقت.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».