تشكيلية مصرية توعي بخطر سرطان الثدي بـ«النقش على البطيخ»

تتبنى حملة «فنون وردية» لخدمة مجتمعها وتوجه رسائلها إلى الصم

تشكيلية مصرية توعي بخطر سرطان الثدي بـ«النقش على البطيخ»
TT

تشكيلية مصرية توعي بخطر سرطان الثدي بـ«النقش على البطيخ»

تشكيلية مصرية توعي بخطر سرطان الثدي بـ«النقش على البطيخ»

الفنون التشكيلية إحدى أذرع القوى الناعمة التي يمكنها المساهمة في بناء المجتمع.. من هذه الرؤية التي تُعلي من دور الفن؛ حملت الفنانة التشكيلية المصرية ريهام السنباطي على عاتقها أن توجه موهبتها لخدمة مجتمعها، ولا سيما تجاه قضية تهم قطاعا كبيرا فيه، ألا وهي الإصابة بمرض سرطان الثدي.
فعلى طريقتها الخاصة؛ وفي محاولة منها لرفع الوعي والحد من خطر الإصابة بالمرض، أسست الفنانة العشرينية حملة بعنوان «فنون وردية»، للتوعية ونشر ثقافة الوقاية من سرطان الثدي باستخدام مجالات الفنون التشكيلية؛ بهدف توصيل رسالة خدمية للفئات المستهدفة.
تقول ريهام لـ«الشرق الأوسط»: «تهدف الحملة إلى زيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي لدى النساء، وذلك بشكل فني، فعلى سبيل المثال نوجه رسالة عبر الفن التشكيلي أن الكشف المبكر ينقذ حياة الكثير من السيدات المعرضات للإصابة بالمرض، وهو ما يوصل رسالة إيجابية إلى الفئة المستهدفة من خلال نشر ثقافة الوعي والمعرفة عبر الفن».
وتمثل الإصابة بسرطان الثدي 19 في المائة من حالات السرطان التي تصيب الرجال والنساء في مصر، وهو أكثر أنواع السرطانات انتشارا بين الإناث؛ إذ يمثل 30 في المائة من مجموع سرطانات الإناث في البلاد، وفق إحصاءات المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي (منظمة أهلية).
لم تكن هذه الإحصائيات وحدها هي المحرك للتشكيلية العشرينية لتدشين حملة «فنون وردية»، التي يأتي مسماها نسبة إلى اللون الوردي الذي يعتبر رمزًا عالميًا للتوعية بسرطان الثدي، فهناك دافع آخر تحكي عنه بقولها: «معظم حملات التوعية ضد المرض غير مشجعة، وتظهر بشكل تقليدي، كما تتكرر الأفكار نفسها في التوعية والتثقيف بالمرض دون أن يكون فيها عنصر جذب؛ وهو ما يؤدي، في رأيي، إلى النفور من هذه الحملات؛ لذا كان تفكيري في تقديم رسائل توعوية عبر الفنون التشكيلية تجذب أي فئة تتلقاها، وننشر من خلالها ثقافة الحفاظ والوقاية من مرض السرطان».
وحول ردود الفعل تجاه مبادراتها ولوحاتها، تقول ريهام: إن ضعاف السمع والصم كانوا أكثر المتفاعلين معها، بل إنهم أبدوا انبهارهم من الاهتمام بهم بهذا الشكل الفني، كما يقبل الأسوياء على الأعمال الفنية، خصوصا أنها تحمل رسائل تصحح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بمسببات المرض أو توضح كيفية اكتشافه المبكر.
وفي تجربة فنية فريدة؛ أقدمت صاحبة الحملة على توعية غير مباشرة بمرض سرطان الثدي على طريقتها الخاصة، وذلك من خلال قيامها بتنظيم ورش فنية للنحت على ثمار البطيخ؛ لتؤكد على التوعية عن المرض من خلال نحتها على القشرة الخارجية للبطيخ، مع كتابتها عبارات متعلقة بالمرض مثل «معًا لنهزمه» وكلمة «سرطان الثدي»، وكذلك نقش «الشريطة» أو «الفيونكة» الوردية الخاصة بالتوعية بالمرض.
وتعلل ريهام ذلك الاتجاه لإيمانها بأهمية الخروج من الأطر والمفاهيم التقليدية للفنون، وتوجيهها بشكل مباشر وغير مباشر لخدمة المجتمع، بما ينفع المواطنين، خصوصا الفئات البسيطة، لافتة إلى أن رسالتها الجامعية للحصول على درجة الدكتوراه تدور حول ذلك المفهوم.
وتلفت ريهام إلى أنها تقدم أيضا ورشا فنية لتنمية الجانب الإبداعي للأطفال، وتوعيتهم بسرطان الثدي وكيفية خدمة المجتمع، إلى جانب توفير الخدمات والاستشارات الطبية والنفسية للسيدات عبر طبيبات متخصصات متطوعات. حيث نجحت الحملة في جذب الكثير من المتطوعات، اللائي اقتنعن بأهداف الحملة، مؤكدة أن هناك أيضا متطوعين من الذكور، الذين يشاركون في التوعية؛ لأنه من الممكن أن تصاب بالمرض والدته أو زوجته أو أخته.
وتكشف الفنانة المصرية أنها تنوي خلال الفترة المقبلة الخروج من إطار المعارض الفردية التوعوية إلى المعارض الجماعية، التي تشترك فيها عدد من الفنانات التشكيليات، لتعبر كل منهن بمجالها الفني كالنحت والرسم والتصوير للتوعية بسرطان الثدي؛ مما يعطي تنوعا وثراء لفكرة الحملة وهدفها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».