الأسد يوجه ضربة لـ«جنيف 2» بإقالة جميل

محللون: إما أنه تجاوز ما هو مرسوم له أو انتهى دوره.. أو حاول تسويق نفسه كبديل مقبول > نائب رئيس الوزراء المعزول: خروجنا من الحكومة أسهل من دخولنا إليها

قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري الذي اقاله الاسد أمس (رويترز)
قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري الذي اقاله الاسد أمس (رويترز)
TT

الأسد يوجه ضربة لـ«جنيف 2» بإقالة جميل

قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري الذي اقاله الاسد أمس (رويترز)
قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري الذي اقاله الاسد أمس (رويترز)

تلقت جهود عقد مؤتمر «جنيف 2» الخاص بسوريا ضربة جديدة تشكك في جدية نظام بشار الأسد في الجهود التي بنت عليها واشنطن آمالا في تحقيق حل سياسي. ففي بيان رسمي مفاجئ من الرئاسة السورية، أعلن عزل نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، قدري جميل، إثر لقائه مع مسؤولين أميركيين.
وبينما برر النظام السوري قرار إعفاء جميل بـ«تغيبه عن مقر عمله وقيامه بـ(لقاءات في الخارج من دون التنسيق مع الحكومة) السورية»، أكدت وزارة الخارجية الأميركية لقاء السفير الأميركي الخاص بسوريا روبرت فورد بجميل السبت الماضي. وفسر محللون في لندن وواشنطن الخطوة التي أثارت تساؤلات في عواصم العالم المعنية بأنه إما أن يكون جميل قد استنفد الغرض المطلوب منه بعد أن بدأت الريح تتجه لصالح الأسد، أو أنه قد يكون قد تخطى الدور المرسوم له والذي كان يقوم خلاله بإطلاق بالونات اختبار.
وربط أحمد رمضان، القيادي في الائتلاف السوري المعارض، بين إعفاء جميل من منصبه ولقاءات مع مسؤولين أميركيين أجراها في جنيف، التي زارها انطلاقا من موسكو، مكان إقامته في الأسابيع الأخيرة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأميركيين سبق أن أبلغوا معارضين في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بأن جميل التقى مسؤولين أميركيين، بناء على طلبه، وأبدى أمامهم الاستعداد للقبول بمرحلة انتقالية لا يكون الرئيس السوري بشار الأسد جزءا منها»، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن «الأميركيين لم يبدوا أي اهتمام بمواقفه لإدراكهم المسبق عدم تأثيره في صنع القرار السوري الرسمي».
وعقد جميل السبت الماضي لقاء في جنيف مع فورد، السفير الأميركي لدى سوريا، المقيم خارجها بسبب الأزمة والمكلف بالملف السوري، وبحث معه في التحضيرات لعقد مؤتمر «جنيف 2». وبحسب المصادر فإن جميل طلب من فورد المشاركة في «جنيف 2» كجزء من وفد المعارضة، إلا أن المسؤول الأميركي رفض شارحا أنه من الصعوبة بمكان أن يكون المرء في الحكومة والمعارضة في الوقت نفسه.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول «شرق أوسطي» قوله إن جميل «قدم ما اعتبره فورد في ما يبدو مقترحات غير قابلة للتنفيذ في ما يتعلق بمحادثات جنيف. وحاول أيضا دون جدوى كسب الدعم الأميركي لضمه إلى صف المعارضة في محادثات جنيف». وكان من اللافت أن جميل سعى إلى قيادة وفد ثالث في مفاوضات «جنيف 2» على أساس مستقل.
وذكرت رئاسة مجلس الوزراء السوري، في مرسوم الإعفاء الذي نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»، أمس، أنه نتيجة «لغياب جميل عن مقر عمله ومن دون إذن مسبق، وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني منها البلاد، إضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن من دون التنسيق مع الحكومة وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة، صدر مرسوم رئاسي بإعفائه من منصبه».
وجميل عضو في ما يصفه الرئيس السوري «بالمعارضة الوطنية»، وهي أحزاب سياسية تعتبر نفسها منافسة للرئيس لكن لم تنضم للانتفاضة المندلعة ضد حكمه منذ سنتين ونصف السنة، ويطلق عليها البعض بـ«معارضة الداخل». وفي رد أولي على القرار، كتب جميل على صفحته على موقع «فيس بوك»: «نقول منذ زمن إن خروجنا من الحكومة أسهل بكثير من دخولنا إليها».
ويبدو أن نبأ إعفاء جميل من منصبه، مع تسارع التحضيرات لعقد مؤتمر «جنيف 2» وبالتزامن مع وجود المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي في دمشق، لم يفاجئ السوريين أنفسهم، لا سيما أنه موجود منذ أسابيع في إجازة يقضيها مع عائلته في روسيا، وفق ما سبق أن أعلنته مصادر في الحكومة السورية الأسبوع الماضي.
وقال أندرو تابلر، الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إنه من غير الواضح أبعاد إقدام الأسد على إقالة جميل و«هل سيتم القبض عليه لأنه اجتمع مع مسؤولين أميركيين». وأوضح تابلر أن جميل يتواصل مع المعارضة السورية ويحاول التعاون معها، ويعد أحد أعضاء ما يطلق عليه المعارضة الوطنية التي لم تشارك في «العنف المسلح» ضد نظام الأسد، وهذا لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع السوري، فلا يمكن أن يكون أحد رموز النظام وعضو المعارضة في وقت واحد. واستبعد تابلر أن تقبل المعارضة السورية تعاونا مع جميل الذي يعد أحد رموز حكومة الأسد، كما استبعد أن تؤثر إقالة جميل من منصبه على قدرة الأسد على التفاوض في «جنيف 2»، والذي يصر على رفض أي شروط مسبقة لها.
وعلق ديفيد باتلر، المحلل في برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الملكي «تشاتام هاوس» في لندن، قائلا إن إقالة جميل ليست مفاجأة، فالرجل كان يقوم بإعطاء تصريحات تبدو كبالونات اختبار، أو ربما تكون لخدمة أهدافه هو. وأضاف أنه عندما أجرى الأسد التعديل الأخير في حكومته سحب بعض اختصاصاته، فالفكرة الأساسية بأن يكون قائد الفريق الاقتصادي في الحكومة لم تنجح على ما يبدو. أما على الجانب السياسي فرأى باتلر أنه ربما يكون هناك شعور لدى النظام أن جميل يقدم نفسه كبديل مقبول، أو أنه قد تكون الفائدة منه انتهت. ويتابع باتلر قائلا إن «جنيف 2» بالنسبة إلى الأسد هي فرصة ليجمع بقية العالم على طاولة حول رؤيته للحل السياسي التي تتماشى سواء أزيد أو أقل مع خريطة الطريق التي أعلنها سابقا.
وأعرب عن اعتقاده أن الأسد يريد العملية السياسية بهدف أن يرى العالم الأزمة من خلال رؤيته هو. وعن جميل، يرى باتلر أنه «ليس رقما مهما في النظام السوري، وأنه قد يكون مفيدا لبعض الوقت، وأنه يمثل معارضة في إطار النظام ولكن الآن مع اتجاه الريح لصالح الأسد لم تعد هناك حاجة له، وربما حدثت لديه أوهام حول مقدار نفوذه».
أما أندرو بوين، من معهد بيكر لأبحاث الشرق الأوسط، فقال إنه يعتقد أن الأسد جاد حول التفاوض، لكنه سيطيح بأي شخص يحاول التفاوض يتجاوز ما هو محدد له لتفادي أي واسطة أو صفقة قد تخرج عن شروطه. وقال إن فصله لا بد أن يكون سببه مناقشة لم يكن يجب أن تحدث، أو شيئا قوى مركزه وليس موقف بشار. وقال «أعتقد أيضا أن الدائرة المحيطة به لم تقرر بعد من يجب أن يمثلهم، أو كيف سيكون شكل المفاوضات أو ما هي التنازلات المستعد النظام تقديمها».
كريستوفر فيليبس، المحاضر في جامعة «كوين ماري» والزميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس» أوضح «قد يكن الأمر متعلقا بترتيب المنزل من الداخل، ولتوصيل رسالة لأي طرف قد يفكر في التآمر: لا تتآمرو وراء ظهري» (أي ظهر الأسد) وغير ذلك. أو قد تكون إشارة إلى الروس وآخرين بأنه «إما تعملون من خلالي أو لا تعملون كليا». وأضاف «أعتقد أن الأسد ليس جادا في ما يخص التخلي عن السلطة، هكذا أنظر إلى الأمر. إذا كان ينوي التوجه إلى جنيف من أجل مسايرة الروس، فسيفعل ذلك، وأعتقد أن ما نراه حاليا مسرحية من النظام في ما يخص جنيف».
ومن جهته، أوضح فيصل ايتاني، الباحث بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمركز أتلانتك، أن قيام الرئيس بشار الأسد بطرد قدري جميل يرسل رسالتين، الأولى للمجتمع الدولي يؤكد فيها أنه يملك كل مفاتيح السلطة، وأنه يسيطر على مسار أي مفاوضات حول سوريا، وأنه الرجل القوي في الحكم ولديه كل القدرات والإمكانيات. والرسالة الثانية يرسلها إلى الروس، فمن المعروف أن قدري جميل من الشخصيات المقربة لدى الدوائر الروسية، وبتنحية قدري من منصبه يقول الأسد للروس إنهم لن يستطيعوا أن يفرضوا آراءهم عليه أو أن يضغطوا عليه في أي مجال يتعلق بالمفاوضات مع المعارضة.
ويقول ايتاني «من الممكن أن قدري كان يحاول التوصل للتقارب بين النظام السوري والمعارضة، ومن الواضح أنه كان يعمل وراء ظهر الرئيس الأسد لذا كان قرار إقالته من منصبه رسالة واضحة بأنه لن يشارك في أي مفاوضات».
وجاءت إشارة المصادر الحكومية السورية إلى أن جميل يقضي إجازة، فيما يفترض أنه في مهمة عمل رسمية، عقب تصريحات أطلقها من موسكو، أعلن فيها تحديد موعد مؤتمر «جنيف 2» في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، الأمر الذي أثار حفيظة «الخارجية الروسية». ووجه الناطق باسمها ما يشبه التوبيخ بقوله إن تحديد موعد المؤتمر «ليس من شأن المسؤولين السوريين».
بعد هذه الواقعة، كثرت الشائعات عن انشقاق جميل، لكن سرعان ما نفتها مصادر مقربة من الحكومة وبشكل غير رسمي، قبل أن يتبين عمليا أنه في إجازة مفتوحة في موسكو، وتلت ذلك توقعات بإعفائه من مهامه. ولهذا لم يكن مفاجئا أن يعفى من منصبه بل كان أمرا متوقعا، خصوصا مع استمرار عقده لقاءات مع المعارضة السورية في الخارج، تردد أنه يجريها من دون تنسيق.
وأفادت معلومات بلقائه قبل يومين «وفدا عالي المستوى من وزارة الخارجية الأميركية» بحث معه في «قضايا أساسية جدا»، بحسب ما صرح به جميل. وقال، في تصريحات صحافية، إنه التقى «ممثلين عن الخارجية الأميركية بصفتي ممثلا عن جزء من المعارضة السورية». ونقلت وسائل إعلام موالية لقائه أعضاء في هيئة التنسيق (معارضة الداخل)، مشيرة إلى أنه عقد «اجتماعات سرية مع رئيس هيئة التنسيق حسن عبد العظيم، وأطراف معارضة أخرى في إطار التحضير لانضمام هذه الأطراف إلى الائتلاف الوطني السوري للمشاركة في وفد معارض واحد في (جنيف 2)».
وكانت مصادر في دمشق كشفت في وقت سابق عن زيارات يجريها قدري جميل بين موسكو وجنيف، بالتنسيق مع النظام السوري ومسؤولين في القيادة الروسية. كما جرى اتصال هاتفي بين جميل والإبراهيمي، طالبه فيه بضرورة عدم التفكير في تأجيل مؤتمر «جنيف 2».
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أمس لقاء السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد مع جميل السبت الماضي في جنيف. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن جميل «كان يقود حزبا معارضا مرتبطا بالحكومة، ويبدو أنه ترك هذا المنصب الآن». وبينما أثيرت تساؤلات عن سبب لقاء فورد مع مسؤول سوري رفيع المستوى، أوضح المسؤول الأميركي: «إننا نلتقي بالكثير من السوريين من خلفيات سياسية كثيرة.. ونلتقي بشكل نظامي مع سوريين لديهم اتصال مباشر مع النظام في دمشق، ونحن نقوم بذلك لأننا نريد أن يصل النظام والمعارضة إلى اتفاق سياسي مثلما تم تحديده في بيان جنيف في يونيو (حزيران) 2012».
وكانت رسالة فورد واضحة لجميل ولمن يلتقيهم من سوريين من طرفي النظام والمعارضة، بأنه من الضروري ألا يكون الأسد والمقربون منه جزءا من أي حكومة انتقالية، وهذا أمر ترفضه الحكومة السورية. ويذكر أن اجتماع وزراء خارجية الدول الـ11 الأساسية الأسبوع الماضي شدد على ضرورة عدم إشراك الأسد في السلطة، وأن عليه أن يتخلى عن «السلطات التنفيذية» لحكومة انتقالية. وأوضح المسؤول الأميركي «اننا واضحون، لا يوجد حل عسكري للطرفين، يجب أن تكون هناك عملية تفاوض سياسي لا آلية حكم انتقالية جديدة بناء على التراضي وبسلطات تنفيذية كاملة». وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة ملتزمة بالبيان الختامي الصادر عن اجتماع لندن والذي «يطالب المعارضة بحضور اجتماع (جنيف 11) المزمع والذي يؤكد على ضرورة أن تكون المعارضة ممثلة عن الشعب السوري بالإضافة إلى ضرورة معالجة قضية توصيل المساعدات الإنسانية وإطلاق المعتقلين، ونحن نوصل هذه الرسائل لكل السرويين الذين نلقتي بهم».
وتعليقا على ما تناقلته وسائل الإعلام عن اجتماع عقد في جنيف بين مسؤولين أميركيين وجميل، قال وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية السوري علي حيدر أمس بعد لقائه الإبراهيمي «أظن أن واشنطن تفكر جديا في فتح قنوات مع سوريا. ولكن من المبكر التكلم عن ذلك وخصوصا أن أميركا لم تتوقف عن الدعم السياسي والإعلامي (للمعارضة السورية في الخارج) وحتى التكلم عن التسليح والتمويل والتدريب». وتمنى أن «يكون التغيير في الموقف الأميركي حقيقيا لا شكليا».
وفي غضون ذلك، التزمت مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية جانب الحذر في التعليق على إقالة جميل بسبب «الغموض» الذي يحيط بموضوع إقالته والأسباب التي أفضت إليه. بيد أن هذه المصادر بدت «واثقة» لجهة الرابط بين الإقالة وبين التحضيرات والاتصالات الجارية حاليا بشأن الدعوة إلى مؤتمر جنيف 2 وزيارة الإبراهيمي لدمشق.
وترى المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن «مسارعة» الأسد للتخلص من قدري جميل تبين «خوفه» من تفكك الدائرة التي تلتف حوله مع اقتراب موعد المؤتمر الموعود حيث «تسعى كل مجموعة للعب ورقتها الخاصة إذا تيقنت أن مصير النظام لن يكون مضمونا للمستقبل». فضلا عن ذلك، تعتبر هذه المصادر أن الأسد «لا يريد أن يسمح لأي صوت بأن تكون له لهجة ونبرة مختلفتين عن لهجته ونبرته» وبالتالي فإن كل من يتجرأ على الابتعاد قيد أنملة عن الخط العام فإما يقال أو يجري التخلص منه».
وتربط هذه المصادر بين «خروج» اللواء علي حبيب قبل أسابيع و«انشقاق» جميل لجهة المعنى السياسي من جانب ولجهة الغموض الذي يحيط بهما من جانب آخر. كما أنها تذكر بإبعاد نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع الذي لم يعلن عن انشقاقه بل عن «مقاربة مختلفة» لكيفية التعاطي مع الأزمة السورية وصعوبة الانتصار العسكري فيها لأي من الطرفين.
وتتوقع هذه المصادر أن تتكرر «حالة» قدري جميل في الأسابيع القادمة عندما يبدو أن «جنيف 2» سيعقد فعلا، وأن هناك «توافقا دوليا» خصوصا أميركيا - روسيا في الدفع باتجاه حل سياسي يبدأ بمرحلة انتقالية تحتاج لـ«إعادة تشكيل» صورة المشهد السياسي السوري.
من جهته، رجح الخبير في الشأن السوري وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الجنوب، خطار أبو دياب، أن تكون إقالة جميل «رسالة سورية إلى الولايات المتحدة وروسيا تمنعهما من محاولة تركيب أي حل سياسي ينص على استثناء الأسد، على المدى المتوسط، من المرحلة الانتقالية»، مستندا إلى تفسير مؤتمر «جنيف 1» عن انتقال السلطة لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة، والتي «تعني أن يصبح الرئيس غير موجود».
ورأى أبو دياب أنه «حتى ضمن هذا الإطار، أراد النظام أن يقول إن أي حل سياسي لا يأتي وفق رؤية النظام.. هو حل غير مقبول». وأضاف «تؤكد هذه الفرضية، بعد إقالة جميل، أن النظام غير قابل للإصلاح»، مشيرا إلى أن «أي تغيير فيه، ولو كان طفيفا وديكوريا، فإنه لن يقبله كونه نظاما شموليا قائما على الشخص والمجموعة المرتبطة به والتي تدور في فلكه وحوله، وأي خلل ضمن النظام يعرضه للتصدع».
وعلى الرغم من ترجيحه هذه الفرضية، فإنه لم يستبعد احتمال أن تكون روسيا «أرادت إرسال جميل إلى المعارضة لتعزيز وجودها داخلها، ولتقول للغرب إنها الممسكة الفعلية بالقرار السوري والحلول للأزمة، على صعيد الحكم والمعارضة في آن معا». ولم يستبعد أن يكون اللقاء الذي جمع بين فورد والأميركيين «عقد بطلب روسي من جميل».
وبدوره، ربط عضو الائتلاف الوطني المعارض نجيب الغضبان بين قرار عزل جميل والتصريحات الأخيرة التي أدلى بها منذ شهر تقريبا بخصوص ضرورة وجود حل سياسي ما دام طرفا النزاع لم يتمكنا من إحراز نصر عسكري حاسم. وأوضح الغضبان، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن هذا «الكلام بالنسبة إلى نظام سلطوي مثل النظام السوري مرفوض تماما»، مشيرا إلى أن «كل مكونات الحكومة السورية عبارة عن تكنوقراط لا دور لهم في صنع القرار السياسي، ذلك أن القرار ينحصر في عائلة الأسد وبعض الضباط الممسكين بالأمن والجيش، وإذا ما حاول مسؤول حكومي تجاوز دوره التقني يتم عزله فورا كما حصل مع جميل».
ولفت المحلل السياسي السوري سمير التقي إلى أن الروس «كلفوا جميل بأن يلعب دورا داخل أوساط النظام لتهيئة الأجواء لتقديم بعض التعهدات التي قطعوها للأميركيين، بخصوص مصير الأسد والحلول الوسط». لكن النظام «وكما فعل مع معظم الشخصيات التي كان يمكنها أن تلعب دورا وسطيا، أبعد جميل»، معتبرا أن هذا الفعل «يعد أبرز مؤشرات فشل الدبلوماسية الروسية التي لن تتمكن من أخذ شيء من الأسد».
وأعرب التقي عن اعتقاده أن الأسد «يرى حلفاءه بحاجة إليه، وليس هو من يحتاج إليهم»، معتبرا أن ما حصل مع جميل «يؤكد أن كل كلام روسيا والصين عن إمكانية التوصل إلى حل سياسي «لا يتخطى كونه مناورة لكسب الوقت»، مشيرا إلى أن النظام «لا يوجد عنده ما يقدمه».



العليمي يشدد على الشراكة السياسية... ويرفض «أحادية الانتقالي»

قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
TT

العليمي يشدد على الشراكة السياسية... ويرفض «أحادية الانتقالي»

قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)
قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تستعد لشن عملية أمنية في محافظة أبين شرق عدن (رويترز)

شدَّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، على ضرورة الالتزام بنهج الشراكة السياسية والمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، محذراً من تداعيات أي إجراءات أحادية في المحافظات الشرقية، ومؤكداً أن فرض أمر واقع خارج التوافق الوطني من شأنه الإضرار بوحدة القرار الأمني والعسكري، وفتح ثغرات تستفيد منها الجماعة الحوثية والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معها.

وجاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن، بالتوازي مع تحركات مكثفة لاحتواء تبعات التصعيد الأمني والعسكري في حضرموت والمهرة في شرق اليمن.

وذكر الإعلام الرسمي أن العليمي ناقش مع السفير فاغن «العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وسبل تعزيزها على مختلف المستويات، إلى جانب مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وجهود الإصلاح الحكومي، والتنسيق المشترك في مجال مكافحة الإرهاب وردع الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران».

وأشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني - وفق الإعلام الرسمي - بالمواقف الأميركية «الحازمة» إلى جانب الدولة اليمنية، مثمناً قرار واشنطن تصنيف الجماعة الحوثية «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً»، ودورها في مواجهة شبكات تهريب السلاح والتمويل المرتبطة بالنظام الإيراني، إضافة إلى الدعم السياسي في مجلس الأمن، والمساندة المقدّرة لمسار الإصلاحات الاقتصادية.

العليمي مجتمعاً في الرياض مع السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)

وأكد العليمي أهمية استمرار الدور الأميركي الفاعل إلى جانب اليمن وقيادته السياسية، بما يسهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ الأمن والاستقرار، والتقدم نحو سلام عادل. وفي الوقت نفسه، جدد تحذيره من تداعيات أي خطوات أحادية خارج المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، لما قد يترتب عليها من إضعاف لاستقلالية الحكومة ووحدة القرار السيادي.

ونقلت وكالة «سبأ» أن اللقاء تناول التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات الشرقية، حيث شدد العليمي على ضرورة الالتزام بالشراكة القائمة بين مختلف المكونات السياسية في إطار تحالف الحكومة الشرعية، مؤكداً أن الحفاظ على التوافق الوطني يمثل شرطاً أساسياً لمواجهة التحديات الراهنة، وفي مقدمتها خطر الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.

وثمّن العليمي الجهود التي تقودها السعودية، بمشاركة الإمارات، لخفض التصعيد في حضرموت والمهرة، عادّاً أن استقرار المحافظات الشرقية وإعادة تطبيع أوضاعها يمثلان مطلباً حيوياً لأمن اليمن واستقراره، وامتداداً طبيعياً لأمن المنطقة وإمدادات الطاقة العالمية.

ونسب الإعلام اليمني إلى السفير فاغن أنه أكد موقف بلاده الثابت والداعم لوحدة اليمن وسلامة أراضيه، وحرص واشنطن على تماسك مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، واستمرار الشراكة في جهود مكافحة الإرهاب، والتخفيف من معاناة الشعب اليمني، ودعم تطلعاته السياسية والاقتصادية.

نقاشات في عدن

بالتوازي مع هذه التطورات، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، اجتماعاً سياسياً وأمنياً، جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرّمي ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني، بحضور قيادات عسكرية وأمنية. وناقش اللقاء آخر المستجدات على الساحة الوطنية، وانعكاساتها على الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمية.

وشدَّد المحرّمي - بحسب الإعلام الرسمي - على أهمية توحيد السلاح في مواجهة الانقلاب الحوثي، ومكافحة الجماعات الإرهابية في المحافظات المُحرَّرة، وقطع شبكات تهريب السلاح والمخدرات التي تمثل أحد مصادر الدعم الرئيسية للحوثيين. في حين ثمّن البركاني الدور الذي يقوم به المحرّمي في مكافحة الإرهاب، عادّاً أن هذه الجهود تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار.

عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عبد الرحمن المحرمي مجتمعاً في عدن مع رئيس البرلمان سلطان البركاني (سبأ)

وكان البركاني قد التقى، في وقت سابق، عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بحضور قيادات عسكرية وأمنية، حيث ناقش اللقاء - بحسب إعلام «الانتقالي» - مستجدات الأوضاع السياسية، والجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والتصدي لشبكات تهريب الأسلحة، لا سيما في وادي وصحراء حضرموت والمهرة.

تحرك ميداني

ميدانياً، أعلنت مصادر إعلامية مقربة من «المجلس الانتقالي الجنوبي»، أن القوات التابعة للمجلس بدأت نشر وحدات عسكرية وأمنية باتجاه مناطق التماس مع جماعة الحوثيين قرب محافظة البيضاء.

وأفادت المصادر بأن عملية «الحسم»، التي أُعلنت مطلع الأسبوع، دخلت حيز التنفيذ، مع انتشار قوات الحزام الأمني والدعم والإسناد ومحور أبين في مناطق المنطقة الوسطى، بالتوازي مع تعزيزات إضافية إلى خطوط التماس المتاخمة لمكيراس، ضمن خطة تهدف إلى إنهاء الوجود الحوثي وتأمين المديرية وربطها بالمناطق المحررة.

وبحسب مصادر ميدانية، تترافق هذه التحركات مع عمليات ملاحقة للتنظيمات الإرهابية في أبين، خصوصاً عناصر تنظيم «القاعدة»؛ لمنع استخدام تلك المناطق نقاط عبور أو نقاط إمداد لجبهات القتال.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (رويترز)

من جهته، قال محمد النقيب المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي إن عملية «الحسم» التي تنفِّذها القوات الجنوبية تمثل محطةً مفصليةً في مسار مكافحة الإرهاب، وتأتي استكمالاً لعملية «سهام الشرق»، في إطار جهد عسكري وأمني تراكمي امتدَّ لنحو عقد من الزمن.

وأضاف النقيب في تصريحات صحافية، أن العملية لا تُعدُّ تحركاً عسكرياً معزولاً، بل تعدُّ امتداداً لسلسلة من العمليات التي نفَّذتها القوات الجنوبية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وتأمين المناطق الواقعة ضمن نطاق انتشارها، من المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً.

وأكد أن العملية تستهدف تقويض شبكات الجماعات المتطرفة ومنع تداخلها مع جماعة الحوثي، وقطع مسارات الإمداد والتهريب، مشيراً إلى أن هذه الجهود تندرج ضمن مقاربة أمنية أوسع تسهم - بحسب تعبيره - في تعزيز أمن الجنوب، ودعم الاستقرار الإقليمي، لا سيما في الممرات البحرية الحيوية.


إسلام آباد تترقب انطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات مع كابل

أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
TT

إسلام آباد تترقب انطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات مع كابل

أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)
أحمد فاروق السفير الباكستاني لدى السعودية (الشرق الأوسط)

في وقتٍ شهدت فيه كل من الرياض والدوحة وإسطنبول مفاوضات مباشرة لنزع فتيل التوتر بين إسلام آباد وكابل، كشف مسؤول باكستاني أن بلاده تنتظر المرحلة الثانية من المفاوضات لإيجاد حل للتوتر بين البلدين، مشدداً على أهمية اتفاقية الدفاع المشترك التي وُقّعت أخيراً بين الرياض وإسلام آباد.

وقال أحمد فاروق، السفير الباكستاني لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، إن باكستان وقّعت، هذا العام، اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل مع السعودية، و«ساعدت على إضفاء طابع رسمي على علاقة عسكرية قوية جداً بين البلدين. كما نعمل حالياً على كيفية تعزيز شراكتنا الاقتصادية بشكل أكبر، وهناك فِرق من الجانبين منخرطة حالياً في هذا الجهد». وأضاف فاروق: «نتطلع كثيراً إلى تعزيز علاقاتنا الاقتصادية وروابطنا التجارية بشكل أكبر، ونتطلع لزيارة مرتقبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان».

وأضاف فاروق: «إن العلاقة بين إسلام آباد والرياض علاقة تاريخية جداً، وقوية جداً، وأخوية وصادقة. ولهذه العلاقة أهمية عميقة لشعبَي البلدين، حيث إن العلاقات الثنائية على مستوى القيادات علاقة قوية جداً، ويتجلى ذلك في كثافة الزيارات رفيعة المستوى التي نشهدها، ففي هذا العام وحده زار رئيس وزراء باكستان المملكة أربع مرات». وتابع: «بالمثل، هناك العديد من الوفود التي تأتي من باكستان إلى السعودية، كما تزور وفودٌ سعودية باكستان. وعلى المستوى العسكري أيضاً، هناك توافق ثنائي، إذ إن العلاقات العسكرية قوية جداً».

وزاد فاروق: «الأهم من ذلك، أودّ أن أقول إن التواصل بين الشعبين مهم جداً، فهناك أكثر من ثلاثة ملايين باكستاني يعيشون ويعملون في المملكة، وفي جميع المجالات، سواء في قطاع البناء، أو الصناعات الأخرى، أو النفط والغاز، أو القطاع المالي، أو المِهن الطبية، أو تكنولوجيا المعلومات».

وتابع فاروق: «في جميع قطاعات الحياة في السعودية، ستجدون باكستانيين يعملون ويساهمون في تنمية المملكة، وفي تحقيق الأهداف والرؤية ضمن (رؤية 2030) لقيادة المملكة، لذلك أقول إنها علاقة عميقة وقريبة، وتزداد قوة مع مرور الوقت».

التوتر الباكستاني الأفغاني

وعلى صعيد آخِر المستجدّات الدبلوماسية المتعلقة بالتوتر بين باكستان وأفغانستان، قال فاروق: «نحن نتلقى دعماً من دول صديقة مثل السعودية وقطر وتركيا وقطر، لإيجاد حل لهذه المشكلة. ولذلك نواصل الانخراط في هذا الملف، ونأمل أنه بدعم جميع الدول الصديقة، سنتمكن من إيجاد طريق أفضل للمُضي قُدماً، بحيث يتمكن شعبا البلدين من العيش في سلام وازدهار». وأضاف: «عقدنا اجتماعات في ثلاثة أماكن، في الدوحة، واجتماعات في إسطنبول، وكانت هناك أيضاً لقاءات هنا في الرياض، حيث كان فيها الطرفان على طاولة واحدة وجهاً لوجه، والآن نحن ننتظر المرحلة التالية. في الوقت الحالي، لا يحدث شيء جديد، لكنني لا أرى خياراً آخر، إذ لا بد من إيجاد حل».

وأضاف: «خلال السنوات الثلاث الماضية منذ أن سيطرت (طالبان) على أفغانستان، كان مصدر قلقنا الرئيسي هو استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية التي تستخدم الأراضي الأفغانية لتنفيذ أعمال إرهابية داخل باكستان. وبخلاف ذلك، ليست لدينا مشاكل مع السلطات في أفغانستان، وقد طالبناهم باتخاذ إجراءات لمنع هذه التنظيمات من استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ الإرهاب في باكستان». وتابع: «لكن للأسف، لم نحصل على التعاون الذي كنا نأمل به. وأنتم تعلمون جيداً أن لباكستان دوراً تاريخياً في مكافحة الإرهاب. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تكبدنا مرة أخرى خسائر كبيرة، خاصة في صفوف قواتنا الأمنية، نتيجة للهجمات الإرهابية التي يتم التخطيط لها وتنطلق من أفغانستان».


مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مزاعم «الاعتدال» الحوثي تتلاشى... سجون خاصة وتصفيات داخلية

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في وقت تواصل فيه الجماعة الحوثية محاكمة العشرات من المدنيين بتهم مزعومة عن «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، تتكشّف وقائع جديدة تُظهر جانباً آخر من ممارسات القيادات النافذة داخل الجماعة، وتنسف محاولات بعضهم، وفي مقدمهم محمد علي الحوثي، تقديم أنفسهم كواجهة للاعتدال، إذ تعكس الشكاوى المتصاعدة من داخل مناطق سيطرتهم نمطاً من الانتهاكات المنهجية، تتجاوز الخصوم إلى الموالين أنفسهم، وتُدار غالباً بدوافع شخصية وتصفية حسابات داخلية.

وتزامنت هذه التطورات مع تأكيدات من مصادر داخل الجماعة بأن سجون الأجهزة الأمنية، التابعة للاستخبارات ووزارة الداخلية في حكومة الجماعة غير المعترف بها، تحولت فعلياً إلى أدوات بيد المتنفذين من المشرفين والقيادات والواجهات القبلية، بل وحتى بعض مديري المؤسسات التعليمية.

ووفق هذه المصادر، يُزجّ بالمواطنين في تلك السجون دون أوامر قضائية أو تهم قانونية واضحة، لتصبح الحرية أو الإفراج رهناً بمزاج النافذين ودرجة رضاهم أو غضبهم.

ابن عم زعيم الحوثيين حاول تقديم نفسه زعيما لجناح الاعتدال لكن الوقائع كشفت عكس ذلك (إعلام محلي)

وفي تسجيل مصوّر، روى المواطن شرف حجر تفاصيل ما قال إنه تعرّض له من تنكيل منذ تسعة أعوام، بعد أن اتهمه محمد علي الحوثي وهو ابن عم زعيم الجماعة بالاختلاس. وأكد حجر أنه أبدى استعداده للمثول أمام القضاء للفصل في القضية، إلا أن القيادي الحوثي، وهو عضو في مجلس الحكم وأحد أبرز المتنفذين، أجبره على اللجوء إلى «التحكيم». ورغم أن المحكّمين الذين جرى تعيينهم أقرّوا صراحة ببراءته، فإن الحوثي رفض جميع الأحكام الصادرة، بحسب رواية حجر، وهدده لاحقاً بجهاز المخابرات.

وأكد ناشطون موالون للجماعة براءة حجر، مطالبين قيادات الحوثيين بـ«الإنصاف» ومشيرين إلى أن الرجل تعرّض للظلم طوال هذه السنوات، رغم صدور توجيهات من زعيم الجماعة بتبرئته وتعويضه، بعد أن كلّف قاضياً للفصل في القضية. غير أن تلك التوجيهات، وفق الناشطين، ظلت حبراً على ورق، في ظل رفض ابن عم زعيم الجماعة وهو عضو مجلس الحكم، الاعتراف بالحكم حتى اليوم.

حتى النشطاء الذين أيدوا الحوثيين تم اعتقالهم بناء على رغبات نافذين (إعلام حوثي)

ويرى هؤلاء أن ما جرى يعكس اختلالاً عميقاً في منظومة العدالة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يُفرغ القضاء من مضمونه، وتُختزل القضايا في إرادة القيادات النافذة. ولفتوا إلى أن حجر «مكلوم ولا أحد يقف إلى جانبه»، وأن قضيته لم تحظَ بتغطية سوى من وسيلة إعلامية واحدة، في مؤشر على الخوف أو التواطؤ داخل المشهد الإعلامي الموالي للجماعة.

سجون بقرار نافذين

لا تقتصر هذه الممارسات على قضية حجر. إذ تشير مصادر داخل الجماعة إلى أن سجونها تحولت إلى «سجون خاصة»، يُعتقل فيها كل من يختلف مع المتنفذين، حتى من داخل الصف الحوثي نفسه. وذكرت المصادر أن عميد أحد المعاهد الصحية أصدر توجيهاً للأجهزة الأمنية باعتقال مدرس يعمل لديه، بعد خلاف على ترتيب جدول المحاضرات، ولا يزال المدرس، ويدعى مهيوب الحسام، محتجزاً حتى الآن.

كما طالت الاعتقالات إعلاميين وناشطين موالين للجماعة، من بينهم محمد الشينة وعبد الكريم علي وعلي القاضي، الذين أُودعوا سجن استخبارات الشرطة، الذي يقوده علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بأوامر من القيادي حسن الهادي، لأسباب وُصفت بالشخصية.

وتحدثت المصادر أيضاً عن اعتقال الناشط رشيد البروي في ظروف مشابهة، مؤكدة أن «الحماية السياسية» التي يتمتع بها بعض المتنفذين تبيح لهم كل المحظورات.

وأعاد ناشطون التذكير بخطاب الحوثيين عند اقتحام صنعاء، حين وعدوا بردم الأقبية وإنهاء السجون السرية والتغييب والإذلال، وهدم قلاع النفوذ. غير أنهم، بحسب هؤلاء، لم يفعلوا سوى تعميق تلك الأقبية، وإعادة تشييد قلاع النفوذ الاجتماعي، ليس ضد الخصوم فحسب، بل ضد الأصدقاء أيضاً.

معاناة المعتقلين الإنسانيين

وجّهت رابطة أسر العاملين الإنسانيين المعتقلين والمخفين قسراً لدى الحوثيين منذ نحو عام ونصف رسالة عاجلة إلى رعاة مشاورات الأسرى والمعتقلين، التي تستضيفها مسقط. وأكدت الرابطة أن استمرار احتجاز أقاربهم، وحرمانهم من التواصل معهم، وغياب أي معلومات عن أوضاعهم الصحية والنفسية وأماكن احتجازهم، تمثل انتهاكاً جسيماً لا يمكن تبريره.

الفريق الحكومي في محادثات المحتجزين يواجه اشتراطات غير منطقية من الحوثيين (إعلام محلي)

وحمّلت الرابطة جماعة الحوثي كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن سلامة المعتقلين، مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ موقف «واضح وحازم»، وممارسة ضغط فعلي لإلزام الحوثيين بالكشف عن مصيرهم، وتمكين أسرهم من زيارتهم، والإفراج عنهم دون شروط. كما دعت المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية لتحمّل مسؤولياتها تجاه موظفيها وشركائها المعتقلين.

وأكدت الرسالة أن معاناة الأسر لا تزال مستمرة، وسط قلق دائم وخوف من المجهول، مشددة على أن هذه العائلات لم تعد قادرة على تحمّل مزيد من التأجيل أو الوعود غير المقرونة بخطوات عملية، في ظل واقع يعكس، أكثر من أي وقت مضى، اتساع دائرة القمع داخل مناطق سيطرة الحوثيين.