«زينب تكره الثلج» من تونس يفوز بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية

الفائزة بالجائزة الكبرى للمهرجان: قرار لجنة التحكيم جريء للغاية

تكريم المخرجة التونسية بالجائزة الكبرى للمهرجان
تكريم المخرجة التونسية بالجائزة الكبرى للمهرجان
TT

«زينب تكره الثلج» من تونس يفوز بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية

تكريم المخرجة التونسية بالجائزة الكبرى للمهرجان
تكريم المخرجة التونسية بالجائزة الكبرى للمهرجان

كشفت الدورة السابعة والعشرون لأيام قرطاج السينمائية عن أسرارها، وأسدلت الستائر بعد أسبوع عرض خلاله نحو 322 فيلمًا من مختلف أصقاع الدنيا. وعرفت المسابقة الرسمية للمهرجان مشاركة 18 فيلمًا، إلا أن لجنة التحكيم قالت في قرارها بحفل الختام إنها لم تتمكن من مشاهدة سوى 17 فيلمًا بسبب مشكلات فنية طرأت على أحد الأفلام من بوركينا فاسو. وتنافست في هذه المسابقة أفلام من تونس ومصر والمغرب وسوريا والعراق وأفريقيا الوسطى والسنغال وتشاد.
وأعلن المخرج السينمائي عبد الرحمان سيساكو، من موريتانيا، الذي ترأس لجنة التحكيم الكبرى (الأفلام الطويلة)، في حفل الاختتام الذي احتضنه قصر المؤتمرات بالعاصمة التونسية، نتائج المسابقة الرسمية.
وحصل الفيلم الوثائقي التونسي «زينب تكره الثلج»، للمخرجة كوثر بن هنية، على التانيت الذهبي للمسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، وهي الجائزة الكبرى للمهرجان.
وقالت مخرجة الفيلم، عقب تسلمها للجائزة: «عندما علمت أن الفيلم قبل بالمسابقة الرسمية، سعدت كثيرًا.. لكن قرار لجنة التحكيم منح التانيت الذهبي لفيلم وثائقي جريء للغاية»، مضيفة: «أشكر الشخصيات التي صورت في الفيلم، زينب ووجدان وماهر ووداد وهيثم، وأهدي التانيت لشباب ولاية (محافظة) سيدي بوزيد (مسقط رأسها)، وأقول لهم: كل شيء ممكن».
وتدور أحداث فيلم «زينب تكره الثلج» في سنة 2009، أي قبل ثورة 2011 في تونس، ويروي قصة الطفلة زينب التي فقدت أباها وهي في التاسعة من العمر، وبدأت أمها في الإعداد لبناء حياتها من جديد مع رجل آخر يسكن في كندا. ولإقناعها بالذهاب، قيل لزينب إنها ستتمكن من رؤية الثلج في كندا، غير أنها لم تكن تثق في الرجل الجديد الذي احتل مكان أبيها، ولا في الذهاب إلى كندا، كما أنها لم تكن تحب الثلج.
وسبق لهذا الفيلم الوثائقي الفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي، ضمن الدورة الـ38 لمهرجان مونبلييه للفيلم المتوسطي بفرنسا، التي أقيمت فعالياتها من 21 إلى 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي بقية نتائج المسابقة، فاز الفيلم المصري «كلاش»، للمخرج محمد ضياء، بالتانيت الفضي، وذهبت جائزة التانيت البرونزي لفيلم «3000 ليلة»، للمخرجة الفلسطينية مي المصري. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، فعادت إلى فيلم «لن يقع بث الثورة في التلفزيون»، للمخرج السينغالي راما تيوا.
وتمكن الفيلم المصري «كلاش» من الحصول على جائزتي أحسن تركيب وأحسن صورة، وفاز الفيلم التونسي «شوف» بجائزة أحسن موسيقى، والفيلم الفلسطيني «3000 ليلة» بجائزة أحسن سيناريو.
وشهدت الدورة السابعة والعشرون حضور نجوم السينما العربية والأفريقية، على غرار جميل راتب وعزت العلايلي وخالد النبوي وناهد السباعي ويسرى اللوزي وديكونغ بيبا وميشال خليفي ومحمد ملص وأولغا بالوغون وتيميتي باسوري وخالد الصديق ودجينغاري مايغا وإدريسا وودراغو وعادل إمام. وعرفت هذه الدورة تكريم عدد من الوجوه السينمائية، من بينهم يوسف شاهين وجبريل ديوب مامبيتي وعباس كيروستامي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».