الشريك المؤسس لـ«آبل» ومخترع آيبود يطلان من بيروت لتشجيع الشباب على الابتكار

ستيف وزنياك يدعو لتكنولوجيا في خدمة الجيران.. وفاضل لا يستطيع الانتظار

الشريك المؤسس لـ«آبل» ومخترع آيبود يطلان من بيروت لتشجيع الشباب على الابتكار
TT

الشريك المؤسس لـ«آبل» ومخترع آيبود يطلان من بيروت لتشجيع الشباب على الابتكار

الشريك المؤسس لـ«آبل» ومخترع آيبود يطلان من بيروت لتشجيع الشباب على الابتكار

ستيف وزنياك، الشريك المؤسس لشركة «آبل» في بيروت، هذا ما لم يكن يريد أن يصدقه كثيرون، حتى أطل الرجل، يوم أمس، بهامته الضخمة التي لا تشبه غيرها، على قاعة امتلأت بآلاف جاءوا من لبنان ومختلف دول المنطقة، للقائه. صديق ستيف جوبس وشريكه والمهندس الذي ابتكر «ماكينتوش»، ذاك الكومبيوتر الشخصي الأول، كان أحد الذين غيروا العالم الذي نعيش فيه.
وزنياك هو واحد من بين 1000 شخص حضروا إلى بيروت، للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي ينظمه «مصرف لبنان لتسريع أعمال الشركات الناشئة». وهو بفضل ديناميكية تنظيمه تحول من حدث اقتصادي، إلى عيد للأمل. فمنذ صباح يوم الجمعة الفائت وآلاف الشبان والمستثمرين وأصحاب الشركات والمتطفلين وعشاق التكنولوجيا كبارًا وصغارًا يتوافدون على «فوروم دو بيروت»، للاستماع إلى المتحدثين والمشاركة في الورشات و«الهاكاثون» والتعرف إلى المستجدات في عالم التكنولوجيا. إنه المؤتمر الثالث لمصرف لبنان، لكنه هذه المرة الأكثر ضخامة، حيث عشرة آلاف مشارك، بينهم 4 آلاف مهني، و3 آلاف رائد أعمال، وألفا طالب، والموضوع المحور هو «الابتكار: ريادة الأعمال من داخل الشركات الكبيرة والصغيرة». جاذبية الفكرة، كما الحاجة الملحة داخل المجتمع اللبناني للتجديد، وابتكار فرص عمل جديدة، إضافة إلى الأجواء البهجة التي رافقت المداخلات، جعلت عددًا كبيرًا جدًا من بين 23 ألف مسجل للمشاركة يحضرون دون تردد.
اليوم يختتم المؤتمر بنجاح كبير، لا لعدد الزائرين القياسي فقط بعد للمستوى الرفيع للمتحدثين الذين نقلوا تجاربهم بكثير من الحماسة. تحدث ستيف وزنياك على سبيل المثال، الذي كرّم من قبل منظمي المؤتمر بهدية رمزية، عن ضرورة الاهتمام بتعليم الصغار، وهو ليس التعليم المدرسي التلقيني وإنما فتح آفاقهم على أهمية تركيب القطع الصغيرة ووصلها، لبلوغ نتيجة جديدة. وكرر وزنياك الحديث عن فكرته التي غالبًا ما يدعو إليها «وهي أن الاختراع لا يكون من أجل الطمع في المال كما يحدث حاليًا، وإنما في سبيل مساعدة الجيران، وتقديم خدمة للآخرين». وذكر وزنياك شريكه الراحل ستيف جوبس الذي أسس بمعيته شركة «آبل» قائلاً «كان يفكر بأن يوفر في الآيفون الصفات الأكثر عملية التي تجعل استخدامه سهلاً. فكان يريده الأبسط والأصغر والأخف حجمًا والأكثر سلاسة». هكذا هي التكنولوجيا، لا لتعقيد الحياة وإنما لجعلها أفضل، أكثر ليونة.
أحد المتحدثين البارزين، الذي كان لمداخلته أثر كبير في نفوس الشباب هو طوني فاضل، الأميركي اللبناني الذي هاجرت عائلته إلى أميركا، حيث ولد هناك وتمكن من أن يكون أحد أهم المخترعين لجهاز «آيبود». فاضل الذي أسس بعد ذلك شركة «نيست» ساهم في تغيير علاقة البشري بالموسيقى، حيث أصبحت الأغنيات مصفاة الصوت، رفيقة كل أذن. فاضل وقف على المنصة، بعد غياب عن بلده الأصل دام 18 عامًا، طالبًا من الشبان أن يكونوا متحمسين، طموحين، راغبين في لعب دور مهم في حياة البشرية. قال لهم: «أنتم تحتاجون إلى المناخ العام، الذي يسمح بالابتكار. تحتاجون أن تشكلوا خلايا تفكير وابتكار تتواصل مع بعضها وتتلاقح كي تنتج شيئًا جديدًا. العمل في عزلة لا يأتي بشيء». وحث فاضل المستثمرين اللبنانيين على المساعدة، مشيدًا بدور مصرف لبنان في توفير الأموال والعمل على زيادتها لدعم الشركات الناشئة، وحيا حاكم المصرف رياض سلامة على دوره الرائد. لكنه في الوقت نفسه وبغمزة غير بريئة قال: «حان الوقت لأن يصبح لكم إنترنت حقيقي، وهذا ما يجب أن توفره الدولة لكم. هذا أحد احتياجاتكم الضرورية كي تنجحوا في سوق الأعمال التكنولوجية»، وهو ما أثار ضحكًا وتصفيقًا في القاعة. علما بأن بطء الانترنت وغلاء أسعارها لا تزال إحدى المعضلات الكبيرة في لبنان. كما تحدث فاضل عن ضرورة الوصول إلى الأسواق الخارجية، والتشبيك مع كل الجهات العاملة والشركات الكبرى التي قال إنها تستعين بشبان لبنانيين، تخرجوا من جامعات ممتازة في لبنان مثنيًا على النظام التعليمي اللبناني. وأضاف فاضل: «أنا لا أستطيع الصبر ولا الانتظار، متشوق لرؤية نجاحاتكم».
المتحدثون بالمئات، بينهم لبنانيون، ولكن أيضا أولئك الذين لهم تجارب مع شركات عالمية، وخبرة تتعدى بلدانهم مثل المصرفي الشهير برت كينغ، الأسترالي الأصل، وأحد المعروفين في وادي السيليكون، ومن وصلت كتبهم لمرات عدة على رأس الكتب الأكثر مبيعًا على موقع أمازون. هذا الرجل الذي يعتبر من بين أهم من حدثوا النظام المصرفي وجعلوه رقميًا ومتوفرة خدماته على الأجهزة التلفونية بشر الموجودين أن المستقبل للتكنولوجيا و«إنهم في السنوات المقبلة لن يكونوا بحاجة لأن يوقعوا أوراقهم البنكية بأيديهم، لأن معاملاتهم ستكون آمنة من دون أي حاجة إلى ذلك». ومن شركة «فيسبوك» تحدث المهندس زياد طرابلسي، آتيًا من سنغافورة، مذكرًا بأن ثلثي العالم لا يزال غير موصول على شبكة الإنترنت. وهي «مشكلة يجب أن تحل بسرعة، خاصة أننا لن نعرف المفاعيل الفعلية للإنترنت على العالم، قبل أن يصبح هؤلاء موصولين على الشبكة. كما أعطى أرقامًا جديدة لعدد مستخدمي فيسبوك في الشهر الواحد الذين باتوا يصلون إلى مليار و700 مليون زائر ومشترك».
ويعلق كثيرون أهمية خاصة على هذا المؤتمر لأنه يأتي بعد تدابير خاصة، اتخذها «مصرف لبنان» لدعم الشركات الناشئة، أهمها التعميم رقم 331 الذي شجع المصارف على توظيف الرساميل في الشركات الصغيرة الناشئة المرتبطة بعالم التكنولوجيا، لتطوير أفكارها وابتكار منتجاتها. وتم تخصيص صندوق بـ500 مليون دولار لاستثماره في هذا المجال. مبلغ ضخم بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان، وهو ما شجع بعض التكنولوجيين اللبنانيين الشباب الذين يعملون في الخارج للعودة وتأسيس شركاتهم الخاصة.
ويأتي هذا المؤتمر الدولي الثالث الذي ينهي أعماله اليوم، بكل ما رافقه من حيوية وإقبال كبيرين، وحماسة واحتفال، ليجدد الأمل في نفوس الشباب. وجدير بالذكر أن مصرف لبنان، بحرصه على جعل المناسبة احتفالية بهيجة لكل الناس، إن بالحفلات الموسيقية أو بالأطعمة أو المواضيع الجذابة، تمكن من جعل التكنولوجيا اهتمامًا وموضوعًا جذابًا للجميع، بما فيهم الصغار وتلامذة المدارس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».