القفطان المغربي يتألق في لندن

12 مصممًا استعرضوا جماليته العصرية من دون المساس بأساسياته

من أعمال سهام الهابطي  -  من أعمال سارة الشتوكي  -  من أعمال سميرة علالي  -  من أعمال أمين المراني
من أعمال سهام الهابطي - من أعمال سارة الشتوكي - من أعمال سميرة علالي - من أعمال أمين المراني
TT

القفطان المغربي يتألق في لندن

من أعمال سهام الهابطي  -  من أعمال سارة الشتوكي  -  من أعمال سميرة علالي  -  من أعمال أمين المراني
من أعمال سهام الهابطي - من أعمال سارة الشتوكي - من أعمال سميرة علالي - من أعمال أمين المراني

لكل بلد في العالم أزياء تقليدية خاصة به تعكس جزءا من تاريخه وتراثه. فكما لمنطقة الخليج عباءته، والسودان ثوبه، للمغرب قفطانه. وفيما يحاول الغربيون الاستيحاء مؤخرا من العباءة توددا للمرأة الخليجية بحكم أنها زبون مهم بالنسبة لهم، فإن القفطان كان منبع إلهام لمصممين كبار منذ ستينات القرن الماضي. الفضل الكبير يعود إلى العارضة تاليتا غيتي، والمصمم إيف سان لوران، وتلك الصورة الأيقونية التي لا تزال تتداولها كتب الموضة، وتظهر فيها العارضة على سطح بيت في مراكش مع المصمم وزوجها المليونير، غيتي. لكن ما يحسب للقفطان أنه بدا تراثيا وتطور إلى قطعة موضة تجمع العراقة بالأصالة في أجمل أشكالها، تفتخر به المرأة المغربية، كما تُقدرها المرأة الشرقية والأجنبية، على حد سواء.
وهذا ما لمسه جمهور لندن يوم السبت الماضي في فندق الماريوت، حيث نظمت المصممة جليلة المستوكي، المقيمة في العاصمة البريطانية، عرضا نجحت أن تجمع فيه ما لا يقل عن 12 مصمما تباروا في استعراض فنيتهم وقدراتهم على ترجمة هذه القطعة الأيقونية بلغة عصرية تحترم شخصيته وتقاليده. وقد نجحت جليلة المستوكي فعلا أن تستقطب 12 من أهم المصممين المتخصصين في هذه القطعة، ونذكر منهم سهام الهبطي، وبشرى الفيلالي، وسميرة علالي، ورافائيل دوريان، وسارة الشتوكي، وفرح بن شقرون وآخرين، إلى جانب المصممة جليلة المستوكي طبعا. فهذه الأخيرة قدمت إلى بريطانيا لدراسة إدارة الأعمال، لكنها انجذبت نحو عالم الموضة والأزياء، لا سيما القفطان خصوصا بعد أنا لمست ما يتمتع به من إعجاب على كل المستويات. فسوقه تتعدى المرأة الأجنبية إلى المرأة الشرقية التي تسافر إلى كل أنحاء العالم بحثا عن كل ما هو جميل وفريد. وتضيف أن الفعالية تأتي تعاونا بين «دار القفطان» التي تُشرف عليها و«قفطان المغرب»، وما هي سوى الخطوة الأولى التي ستبني عليها لكي تجعلها جسرا يجمع مصممين من كل أنحاء العالم العربي، ومنبرا للتعريف بإبداعاتهم خارج بلدانهم، على أن يكون القفطان بكل ما يتضمنه من أصالة وعنفوان العنوان الدائم لها.
من المشاركين المهمين أيضا نذكر أمين المراني، مؤسس فعالية «قفطان المغرب» التي أصبحت تقليدا سنويا تترقبه المرأة المغربية بلهفة لتتعرف على آخر خطوطه وصيحاته. صحيح أن هذه المرأة لا تتوقع صيحات مجنونة، بل ويمكن أن ترفضها، لعلمها أنه من المقدسات التي لا يجب التلاعب بها كثيرا، إلا أن هذا لا يمنع أنها تنتظر حقنه بجرعات من العصرية يتطلبها إيقاع العصر من جهة، وذوق جيل جديد مُتشبع بالموضة العالمية من جهة ثانية.
وهذا تحديدا ما تم لمسه يوم السبت الماضي، من خلال اقتراحات كل المصممين، الذين أجمعوا على احترام أساسياته مع رغبة في إبراز إمكانياته الواسعة كقطعة موضة يمكن أن تستغني عن ألف فستان سهرة. فلا أحد منهم بخل عليه بالتطريزات الغنية ولا القصات الرشيقة أو الأقمشة المترفة. لكن ما يُحسب لأغلبهم أنهم خففوا من تعقيداته، التي كانت في الماضي تتجلى في وزنه الثقيل وضخوه برشاقة استمدت انسيابيتها من المخمل الناعم والموسلين والحرير في تدرجات ألوان جذابة وعلى شكل طبقات تبدأ بالخفيف والشفاف لتصل إلى السميك والمطرز. بل حتى التطريزات، ورغم غناها وسخائها، راوغت المبالغة والتكلف، بفضل جمالها واقتصار استعمالها على أجزاء محددة. وربما يكون المصمم أمين المراني، الذي افتتح العرض، أكثر من احترم خصوصية هذه القطعة وإرثها المتجذر في التاريخ والثقافة المغربية. فقد قدم مجموعة من التصاميم احترمت خطوطه التقليدية، مُركزا على الأقمشة التي انسدلت على الجسم برشاقة بالغة تؤكد أن التطوير، بالمفهوم الذكي، يعني تجنب الجانب الفولكلوري وليس نقض الموروثات تحت شعار التجديد والابتكار.
كانت العملية بالنسبة له سهلة، فهو «معلم» بكل معنى الكلمة عندما يتعلق الأمر بهذه القطعة التي توارث حبها أبا عن جد. فعدد من أفراد عائلته فضلا عن والديه متخصصون في هذه الصناعة. المتتبع لبدايته يلاحظ محاولاته الأولى لخوض المتعارف عليه بعصرنة القفطان مدفوعا بفورة الشباب، وهو ما تجلى في القصات الكبيرة والواسعة، وإدخاله الفرو وجلود التمساح والأفاعي وغيرها من التفاصيل الجريئة. ومع الوقت، خفف من جنوحه إلى الابتكار المجنون خصوصا بعد أن صب جهوده في تصميم قفاطين العروس التي تخصص فيها. غني عن القول: إن تصاميمه لقيت هوى في نفس عروس شابة تريد التميز عن باقي المدعوات في ليلة العمر. القفطان الذي اقترحه لها في عرضه الأخير، مثلا، كان بلون السلمون ومطبوعا بورود كثيرة، خلافا للأبيض المتعارف عليه.
المصممة سهام الهابطي أيضا قدمت مجموعة تلعب على الكلاسيكي العصري، حيث أرسلت أول عارضة بقفطان عروس باللون الأبيض الثلجي مطرز بالأخضر والوردي، أتبعته بمجموعة من القفاطين ركزت فيها على الخطوط التقليدية وتطريزات شملت الخرز والترتر وأحجار سواروفسكي، إضافة إلى طبعات متنوعة ثلاثية الأبعاد. مثل أمين المراني، لم يكن دخول سهام الهابطي عالم القفطان صُدفة. فقد تربت في بيت يتنفس الأزياء التقليدية، بحكم أن والدتها فوزية برياح مصممة مخضرمة فيه. لكنها لم تكن تنوي التخصص فيه، حيث درست علوم البصريات في باريس. فقط بعد تخرجها وعودتها إلى المغرب وزواجها بدأت تفكر فيه بتشجيع من والدتها. وهكذا انخطرت في معهد موضة بالدار البيضاء، ومنه دخلت إلى عالم الخياطة الراقية. ما شجعها أكثر أنها كانت تتمتع بموهبة الرسم وقادرة على التلاعب بالألوان منذ الصغر، فضلا عن اهتمامها بفن العمارة المغربية، بكل روافدها الثقافية وتفاصيلها الدقيقة. وربما هذا ما يجعل تصاميمها تناسب عارضات الأزياء الممشوقات القد كما المرأة ذات المقاسات العادية.
بالنسبة للمصممة بُشرى فيلالي، فإن الفعالية كانت مناسبة لكي تقول بصريح العبارة إن قفاطينها موجهة للملكات والأميرات. فقد أطلقت على كل زي اسم ملكة من الحاضر أو الماضي، إذ استهلت عرضها بقفطان «للا أم سيدي» إشارة إلى والدة الملك محمد السادس، مكون من أربع طبقات بتدرجات ألوان الأخضر والأكوامارين، أتبعته بقفطان مكون من ثلاث طبقات يحمل اسم السلطانة هيام، وآخر مكون من قطعتين فقط، وتغلب عليها لمسات عصرية باسم ملكة إسبانيا ليتيسيا، وآخر باسم الملكة رانيا يتماوج بالمرجاني والأصفر والأخضر الزيتوني. مسك الختام كان قفطانا باسم للا سلمى يجمع الأناقة الرفيعة بالتطريزات الغنية.
أما سميرة علالي، فقد قدمت مجموعة هجينة بين الغندورة، وهي قطعة مغربية أخرى تستعملها المرأة في أيامها العادية والمناسبات الخفيفة، والقفطان لتأتي النتيجة مزيجا بين الأناقة العالية والعملية المريحة. ولأنها حرصت على أن ترقى بها إلى مستوى الفخامة، فقد عززتها بأقمشة مثل الموسلين والمخمل، متلاعبة على الشفاف والسميك في القطعة الواحدة. يُذكر أن سميرة علالي عملت في مجالات كثيرة لم تجد فيها ما يُشفي غليلها، إلى أن وجهت أنظارها نحو القفطان الذي يُذكرها بالطفولة وتلك الصور المترسخة في ذهنها عن الأفراح، حيت تتباهى كل امرأة بقفطانها وجواهرها التقليدية. خطوتها الأولى كانت في مدينة مونتريال بكندا، حيث تخصصت في مجال «الكوتير» من معاهدها.
عندما عادت إلى المغرب في عام 2009، لم يكن لدها أدنى شك بأن مستقبلها هو القفطان. مكمن قوتها حسب المتابعين لأعمالها هي الألوان المتناقضة التي تنجح في تنسيقها مع بعض لتكتسب في النهاية تناغما مريحا للعين.



«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
TT

«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)

بعد تواريه عن الأنظار لعقود، استعاد «التلي الأسيوطي»، وهو نوع من القماش المصنوع يدوياً، بريقه مجدداً بفضل جهود محبي التراث المصري من الفنانين والمصممين على حد سواء؛ إذ أعادوا اكتشافه وتقديمه بحلة عصرية تناسب كل الأذواق. اعتمدته العديد من النجمات في المهرجانات والمناسبات المهمة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي زاد من سحره.

يعود تاريخ «التلي» في مصر إلى أكثر من قرنين؛ إذ نجحت سيدات أسيوط (صعيد مصر) في تحويل ما يقارب الـ40 «موتيفة»، جميعها من البيئة المصرية الجنوبية، إلى رسم أحادي البعد. عملية تطريزه سهلة، الأمر الذي جعله مستخدماً على نطاق واسع لتزيين ملابس العروس، والفساتين الخاصة بالمناسبات السعيدة، فهذه النقوش والتطريزات تتضمن حكايات عن الفرح والسعادة وتعويذات حظ وحماية.

مريم ناعوم على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة السينمائي (المصمم محمد سامي)

رغم جمالياته وبعده التاريخي، يعود فضل كبير في إعادة إحيائه حديثاً للفنان التشكيلي سعد زغلول، الذي أنشأ «بيت التلي» في محافظة أسيوط، وتفرغ ثلاث سنوات كاملة لتعليم جيل جديد فنونه وأسراره. وسرعان ما التقط جمالياته مصممون مثل محمد سامي، فقدموه في قطع أنيقة ظهرت بها مؤخراً فنانات في مهرجان الجونة المصري، ومناسبات أخرى، مثل السيناريست المصرية مريم ناعوم، ويسرا، وسلوى محمد علي، وفيفي عبده، بالإضافة لعازفة الهارب منال محيي الدين، وغيرهن.

الفنانة يسرا مع مصمم الأزياء محمد سامي (المصمم محمد سامي)

حالياً يعد مصمم الأزياء المصري محمد سامي أحد أبرز المصممين الذين يحتفون بهذا الفن والأكثر استخداماً له في تصميماته. وُلد اهتمام سامي من رغبة في أن ينسج قصصاً معاصرة من التراث المصري مفعمة بالفخامة وتليق باللقاءات الرسمية وعالم الفن. يقول إنه ظل سنوات يبحث في التراث الشعبي المصري وفنون الحرف الشعبية حتى اكتشف ضالته في هذا النسيج. درس موتيفاته المتعددة، وبعد أن فهمها اجتهد في إدخال «التلي الأسيوطي» كقماش رئيسي في عروضه ومجموعاته.

لقاء الموضة والفن

ويؤكد سامي لـ«الشرق الأوسط» أن «لقاءه مع الفنان التشكيلي سعد زعلول مؤسس (بيت التلي) كان محطة مهمة في مسيرته، من ناحية أنه هو الذي فتح أمامه طاقة لتصميمات مبتكرة يمكن أن تصل إلى العالمية».

مسيرة طويلة قطعها «التلي الأسيوطي» قبل الوصول إلى «السجادة الحمراء» في مهرجانات السينما المصرية الكبرى، فقد بدأت عمليات إحياء صناعته عام 1984 من القرن الماضي، وقادها الفنان التشكيلي سعد زغلول بإنشاء «بيت التلي» في منطقة الوليدية المتاخمة لمدينة أسيوط (400 كيلومتر جنوب القاهرة)، والمجاورة لمبنى جامعتها العريقة. وقد خاض زغلول العديد من التجارب، وقام بالكثير من الرحلات للمشاركة في ملتقيات عربية ودولية لعرض منتجات «التلي الأسيوطي» التي يتم نسجها في «بيت التلي» الذي أنشأه منذ أكثر من 30 عاماً.

من أعمال المصمم المصري (الشرق الأوسط)

قصة «التلي» حسب قول الفنان سعد زغلول لـ«الشرق الأوسط» طويلة ومدهشة جداً، مضيفاً: «هناك أشياء عجيبة صادفت مسيرتي مع (التلي) ومحاولات إعادته لمكانته التاريخية الرفيعة في تصميم الأزياء واحتلال الوضع الذي يليق به». ويشرح أنه «يكفي أن نعرف أن متاحف العالم كله لديها قصاصات منه، مكتوب بجوارها (التلي الأسيوطي)، أو (الأسيوطي) نسبة إلى محافظة أسيوط، فعلى ضفاف نيلها كان يباع للأجانب عندما يقفون أمامها للاستراحة».

ويضيف أن «التلي» كان يُصنع من الفضة والذهب في بداية القرن الثامن عشر، وزاد انتشاره في زمن محمد علي، بعد ذلك مرَّ بمراحل كثيرة قام بتوثيقها زغلول للمحافظة عليه، وتقديمه كمنتج عالي الجودة.

رحلة «التلي» في عالم الموضة

وبدأت علاقة محمد سامي بـ«التلي» منذ ما يقرب من 12 عاماً عندما زار معرض «ديارنا» الذي تقيمه الحكومة المصرية سنوياً لدعم وتنشيط التراث والحرف الشعبية. كان وقتها يبحث عن الأزياء التراثية والحرف اليدوية المصرية. يقول: «كان السؤال الذي يدور في رأسي وقتها: لماذا لا ترتدي نساء مصر ملابس تنتمي للتراث رغم الكنوز الكثيرة التي نملكها ويزخر بها موروثنا الشعبي، خصوصاً أن تاريخ (التلي) كان حاضراً في ملابس الأميرات زمن الملكية المصرية، وفساتين فنانات السينما في ذلك الوقت، مثل سامية جمال ونعيمة عاكف وشادية ونور الهدى وتحية كاريوكا؟».

لتحقيق ذلك، بدأ سامي رحلة بحثه عن «التلي» ليتمكن من خلاله من تقديم تصميمات بصورة حديثة تحظى بقبول الأذواق المختلفة.

من أحد عروضه (الشرق الأوسط)

يقول المصمم: «كنت في تلك الأثناء منجذباً بشكل كبير لهذا النوع من النسيج، وقد فتح تجولي في المعرض شهيتي لجمع ما تيسر من القطع، والرغبة في الحصول على المزيد منه من منطقة الحسين. كان ذلك عام 2014، بعدها تمت دعوتي لتقديم عرض أزياء، الأمر الذي شكّل فرصة أمامي لإبراز تراثنا المصري بشكل حديث».

صمم سامي مجموعة ملابس سهرة طبقاً لذلك؛ إذ طعّم «التلي» بـ«الشيفون» و«الدانتيل»، إضافة إلى خامات أخرى، وكانت ردة فعل كل من حضر العرض مدهشة؛ إذ توالت الأسئلة عن «التلي»، وكان هناك فضول عارم للتعرف على تفاصيل تطريزه. كل هذا شجّعه على كتابة فصول أخرى لا تقل إثارة، لا سيما بعد ارتداء «السيدة الأولى» انتصار السيسي بعض تصميماته، وهو ما اعتبره «مكافأة كبيرة» له، وتتويجاً لهذا القماش.


«نجد» تروي حكاية المجوهرات السعودية للعالم

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
TT

«نجد» تروي حكاية المجوهرات السعودية للعالم

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)

في قلب نيويورك والرياض؛ حيث يلتقي الذوق الرفيع بالهوية الثقافية، انبثقت مجموعة «نجد»، العلامة السعودية الفاخرة التي أسستها خبيرة الأحجار الكريمة والمصممة حنين القنيبط.

منذ إطلاقها عام 2019، حرصت حنين القنيبط على أن تعكس مجموعتها جذورها النجدية وثراء التراث السعودي، من خلال قطع تجمع بين الحرفية التقليدية والابتكار المعاصر، لتُصبح «أمارين» علامتها التجارية انعكاساً لروح المملكة وواجهتها للعالم.

هدفها منذ البداية كان إظهار الهوية السعودية للعالم بطريقة مبتكرة، من خلال قطع تحمل قصة وثقافة، وتجسد رؤية واضحة تجمع بين الأصالة والفن المعاصر والاستدامة، لتثبت أن المجوهرات يمكن أن تكون رسالة ثقافية بحد ذاتها، كما أنها تجربة شخصية لكل من يقتنيها.

خاتم من الياقوت الأحمر واللؤلؤ ضمن مجموعة نجد (الشرق الأوسط)

تقوم فلسفة «أمارين» على فكرة أن المجوهرات أكثر من مجرد زخرفة؛ إنها حكايات تُروى في المناسبات العاطفية والخاصة، من الخطوبة والهدايا العائلية إلى القطع المستوحاة من إرث الأجيال. اسم العلامة التي أسستها حنين القنيبط، مشتق من كلمتين لاتينيتين، ويرمز إلى الحب والارتباط العاطفي الملكي ليعكس كيف يمكن للمجوهرات أن تصبح رمزاً للمشاعر والذكريات.

بدأ شغف حنين القنيبط بالمجوهرات منذ سن العاشرة، حين كانت تستعمل مصروفها الشخصي لاقتناء قطع مميزة أثناء السفر، ومع الوقت تطوّر هذا الشغف ليصبح تصميمات للعائلة والأصدقاء، ثم تطوّر الأمر بعدها إلى خواتم ألماس صممتها أثناء الثانوية.

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)

ومع تراكم الخبرة، وحصولها على 12 شهادة من المعهد الأميركي للجيمولوجيا (علم الأحجار الكريمة) في أميركا، أسست علامتها الخاصة، ونصب عينيها أن تكون برؤية واضحة تجمع بين الأصالة والابتكار.

تتسم مجموعة «نجد» باستخدام أحجار كريمة طبيعية، مستدامة، وأخلاقية، مثل الزمرد والزفير والياقوت الأحمر والألماس؛ حيث حرصت على التتبع الكامل للمصدر لضمان أثر إيجابي على المجتمعات المحلية. كما صممت حنين القنيبط مشبكاً مبتكراً متعدد الاستخدامات، حاصل على براءة اختراع منذ 2021، يسمح بتحويل القطعة من شكل إلى آخر، وبسهولة تُمكن أصحاب الاحتياجات الخاصة من ارتداء مجوهراتهم بأنفسهم، وهو مثال حي على الجمع بين الجمال العملي والابتكار الفني.

مجموعة من الخواتم والأساور المصنوعة من التيتانيوم (الشرق الأوسط)

أما من الناحية البصرية، فكل قطعة في «نجد» تحمل نقوشاً مستوحاة من التراث النجدي والعمارة التقليدية، بدءاً من الأبواب القديمة والورود الثلاثية على البوابات، وصولاً إلى التفاصيل الدقيقة للبيوت التراثية. هذه النقوش لم تُستمد عشوائياً، بل بناءً على أبحاث علمية ومعمارية ودراسات تاريخية دقيقة، لتجمع بين الفن الإسلامي القديم والابتكار المعاصر في تصميمات فريدة.

وللرجال نصيب أيضاً؛ حيث صممت حنين القنيبط مجموعة من التيتانيوم، وهو معدن خفيف وقوي يتحمل الاستخدام اليومي، ويجمع بين المتانة والراحة والأناقة، ما يجعل القطع عملية وعصرية دون المساس بالتصميم الرفيع.

خاتم من الذهب والألماس على شكل نجمة من مجموعة «نجد» (الشرق الأوسط)

بعد مجموعة «نجد» التي صبّت فيها المصممة كل ما تُخزنه ذاكرتها ووجدانها من موروثات، وجاءت فيها كل قطعة تعبيراً عن حكاية من الماضي، ستخوض حنين رحلة جديدة عبر الزمن؛ حيث ستستلهم تصاميمها من حضارات وثقافات مختلفة، لتروي من خلالها قصصاً جديدة، لكنها ستواصل دائماً مشوارها في دمج الماضي بالحاضر.


2025... صعود جيل جديد من المصممين يعيد صياغة مفهوم الموضة

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
TT

2025... صعود جيل جديد من المصممين يعيد صياغة مفهوم الموضة

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)

لم يشهد عالم الموضة منذ تسعينات القرن الماضي عاصفة تغيير تشبه تلك التي يعيشها في عام 2025، إلى حد يُخلف الانطباع بأن هذه الصناعة تخلع جلدها تحسُباً للمستقبل الذي بات يقتضي تعاملاً ربما يكون صادماً لمواجهة تقلبات الأسواق، وما نتج عنها من تباطؤ وتغيّر في سلوكيات المستهلك الشرائية.

هذه العاصفة من التقلبات والتغيرات هذا العام تُذكرنا إلى حدّ بعيد بعام 1997، الذي شهد ما وصفه البعض بـ«الانفجار الكبير للموضة». كانت المجموعات العملاقة حينها بدأت تفرض سطوتها على الساحة. مجموعة «إل في إم أتش» مثلاً احتفلت آنذاك بعامها العاشر، بإطلاق سلسلة من التعيينات غيّرت وجه الموضة. كان هدفها ضخّ الدور الكبرى التي تملكها بدماء جديدة. عيّنت مارك جاكوبس في دار «لويس فويتون»، وجون غاليانو في «ديور»، والراحل ألكسندر ماكوين في «جيفنشي»، ومايكل كورس في دار «سيلين»، ونارسيسو رودريغيز في دار «لويفي». كانت مغامرة محسوبة من كل الجوانب، الأمر الذي يؤكده نجاحها وبزوغ كل هؤلاء المصممين كنجوم.

جون غاليانو عام 1997 بعد عرضه لموسم الربيع والصيف لـ«ديور» (غيتي)

التعيينات والتنقلات الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك الحقبة، وإن كانت باستراتيجيات وأهداف، ربما مختلفة، بسبب تغير الزمن نفسه. فقد التحق ماثيو بلايزي بـ«شانيل»، وتولى جوناثان أندرسون إدارة «ديور»، خلفاً لماريا غراتزيا تشيوري التي انتقلت إلى «فندي»، كما عُيّنت لويز تروتر في دار «كارفن»، وغرايس وايلز بونر في دار «هيرميس» خلفاً لفيرونيك نيشانيان بعد 37 عاماً تقريباً لها في هذا المنصب. وبينما انتقل ديمنا لـ«غوتشي» المملوكة لمجموعة «كرينغ»، أخذ مكانه لبييرباولو بيكيولي في دار «بالنسياغا»، والبقية تأتي.

بين الرحيل والتغيير

وهكذا، بين رحيل أسماء ملامح الموضة لأكثر من نصف قرن، وتنقل مصممين بين الدور الكبيرة، يبدو المشهد وكأنه إعادة للماضي لكن بلغة يفرضها العصر والخريطة الشرائية التي انتقلت من الغرب إلى الشرق. فقد صعدت المنطقة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، بشكل واضح كقوة إبداعية وشرائية في آن واحد، وهو ما تؤكده الفعاليات الضخمة التي تقام في كل من الرياض ودبي وقطر والكويت، وتحضرها الآن شخصيات عالمية مهمة، لم تكن تتخيل أنها ستحضر يوماً هذه الفعاليات. لكنها الآن، وبعد أن قرأت أحوال السوق جيداً، لم يعد أمامها سوى الانصياع، على أمل اقتناص فرص جديدة.

أنا وينتور والعارضة ناتاليا فوديانوفا ومالك مجموعة كيرينغ فرانسوا بينو في قطر (فاشن تراست أرابيا)

توجه بوصلة الضوء نحو الشرق الأوسط يشير إلى أن مستقبل الموضة لم يعد محصوراً في باريس وميلانو ونيويورك. فالرياض أصبح لها صوت عالٍ بفضل فعاليات كبيرة، تحتضن مبدعين من أبناء البلد، وتدعمهم للانطلاق للعالمية. دبي أيضاً باتت ترى نفسها عاصمة موضة وتطمح للمرتبة الخامسة بعد باريس وميلانو ونيويورك ولندن، بعد أن رسّخت مكانتها كمركز رئيسي لإطلاق ماركات عالمية ومحلية.

المصمم زياد أبو العينين مع لجنة التحكيم خلال عملية الفرز وقبل الإعلان عن أسماء الفائزين (فاشن ترست أرابيا)

أما الدوحة التي تطمح لتوسيع اهتمامها بافتتاح متاحف ومعارض ضخمة على مستوى عالٍ جداً، فلم يفُتها هي الأخرى قوة الموضة وتأثيرها المغناطيسي. أسّست «فاشن ترست أرابيا»، وهي مبادرة عالمية، عمرها 7 سنوات فقط، ومع ذلك يتسابق النجوم والشخصيات المهمة لحضورها. بريق هؤلاء النجوم لا يغطي على أهدافها في دعم المصممين الناشئين العرب بتقديم كل الإمكانات اللوجيستية والمالية لهم لكي ينطلقوا، وهو ما أتاح لمجموعة مهمة منهم إطلاق بيوتهم الخاصة، أو على الأقل ضخّها بالتمويل لمزيد من التوسع والانتشار.

رحيل عمالقة

تبقى أيضاً من أهم الأحداث رحيل جيورجيو أرماني، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. فهو واحد من أهم المصممين وآخر الكبار ممن صنعوا هوية الأناقة الإيطالية بلغتها الراقية. رحل أرماني واقفاً رغم تعديه الـ90 من العمر، حيث أشرف على كل تفاصيل عرضه الأخير من فراش المرض. برحيله فقدت هذه الصناعة مدرسة إبداعية قائمة بذاتها، أبدعها في السبعينات، وألهم بها المرأة والرجل على حد سواء.

من المعرض الخاص بالراحل جيورجيو أرماني الذي تزامن افتتاحه مع رحيله (رويترز)

في نوفمبر (تشرين الثاني)، رحل المصمم الآيرلندي بول كوستيلو عن عمر ناهز الـ80 عاماً، الذي ارتبط اسمه بأناقة الأميرة ديانا، منذ عام 1983 حين عُين مصمماً شخصياً لها. كان ذلك بعد فترة وجيزة من تأسيس علامته الخاصة، واستمر تعاونهما حتى وفاتها عام 1997. المؤكد أن غيابه سيُخلّف فجوة كبيرة في أسبوع الموضة بلندن، الذي كان وجهاً مألوفاً فيه على مدى 4 عقود، وغذّاه بأسلوب خاص، جمع فيه الكلاسيكية البريطانية بروحه الآيرلندية الدافئة.

المصمم بول كوستيلو في عرضه الأخير لربيع وصيف 2026 (رويترز)

بعد بأسابيع، أعلن خبر وفاة المصممة الاسكوتلندية الأصل، بام هوغ، عن عمر 66 عاماً. وكانت المصممة قد ظهرت في الثمانينات، واشتهرت بأسلوبها المتمرد الذي لامست به جيلاً كاملاً كان تواقاً للتغيير.

لعبة الكراسي الموسيقية

بالنسبة لانتقالات هذا العام، فهي غير مسبوقة. وبعض الاختيارات التي أخذتها بيوت أزياء، على الأمل ترتيب أوراقها وتلميع نفسها، كانت غريبة ومفاجئة.

أكبر مثال على هذا، تعيين ديمنا مديراً إبداعياً لدار «غوتشي» خلفاً للمصمم ساباتو دي سارنو، الذي لم ينجح بعد عامين في الدار من تحقيق النتائج المرجوة. المفاجئ في تعيين ديمنا أنه المصمم الأكثر إثارة للجدل في العقد الأخير، وهو ما يشهد عليه عهده في دار «بالنسياغا»، والتصاميم التي كان يقترحها، ويبدو فيها كما لو أنه يسخر من الثقافة الاستهلاكية من خلال بنطلونات ممزقة وحقائب مستوحاة من أكياس السوبر ماركت وغيرها. غني عن القول إن انتقاله إلى «غوتشي» أثار انقساماً حاداً بين النقاد والمتابعين.

المصمم بييرباولو بيكيولي مع الممثلة تيسا تومبسون في أحد تصاميمه لدار «بالنسياغا» (أ.ف.ب)

خليفته في «بالنسياغا» بييرباولو بيكيولي. هذا التعيين في المقابل أشعل الحماس والآمال بعودة الاتصال بروح الدار القديمة، كما أرساها مؤسسها الإسباني كريستوبال بالنسياغا، الذي قال كريستيان ديور في حقّه مقولة شهيرة: «إنه أستاذنا جميعاً». بييرباولو بيتشولي، رسّخ مكانته في الوجدان بأنه شاعر الألوان والقصات الفخمة. انتقاله من دار «فالنتينو» إلى بيته الجديد يُبشِر بأسلوب راقٍ بعد نحو عقد من الضجيج البصري والجدل بالنسبة لعشاقه. من خلفه في دار «فالنتينو» مفاجأة أخرى. إنه أليساندرو ميكيلي الذي كان قد تولى إدارة «غوتشي» الفنية قبل ساباتو، وحقّق لها نجاحات كبيرة، قبل أن يصيب تمسكه بأسلوبه الخاص المُستهلِك بالملل. الأمر الذي اضطر مجموعة «كيرينغ» لفسخ عقدها معه. لكن يبدو أنها تراجعت عن قرارها بتعيينه في «فالنتينو» التي تملك 30 في المائة من أسهمها حالياً.

التغيير وصل أيضاً إلى دار «هيرميس» رغم ما تحققه من أرباح في عزّ الأزمة الاقتصادية. فلأول مرة منذ 37 عاماً، يتم استبدال المديرة الإبداعية لقسم الأزياء الرجالية فيرونيك نيشانيان بوجه بريطاني شابّ، هي غرايس وايلز بونر. رغم المفاجأة، فإن اسمها كان كفيلاً بطمأنة خبراء الموضة والمتابعين. فهي خريجة معهد «سنترال سانت مارتنز» الشهير، ونالت عدداً من الجوائز المهمة بفضل رؤيتها المعاصرة للأزياء الرجالية.

أوليفييه روستنيغ استخدم وسائل التواصل الاجتماعي واستقطب النجوم والمؤثرين ما جعل دار «بالمان» تتصدر الواجهة (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ، أيضاً غادر «بالمان» بعد 14 عاماً أعاد فيها للدار بريقها القديم، ووسّع قاعدتها الجماهيرية باستقطابه النجوم واحتضانه الشباب، الذي تحدث لغتهم بسلاسة عبر تطويره وسائل التواصل الاجتماعي. ما إن تم إعلان المغادرة حتى تم الإعلان عن اسم خليفته، أنطونين ترون، على أن يقدم أول مجموعة له في شهر مارس (آذار) المقبل.

نهاية عهد دوناتيلا فيرساتشي

بعد عقود تتنحى دوناتيلا فيرساتشي عن منصبها كمصممة إبداعية (أ.ب)

أقل ما يمكن قوله عن تنحيها عن منصبها الإبداعي لصالح داريو فيتالي إنه نهاية فصل عائلي مثير يصعب تكراره، خصوصاً بعد استحواذ مجموعة «برادا» على العلامة. فدوناتيلا التي قادت الدار منذ مقتل أخيها جياني في عام 1997، واجهت مطبات كثيرة على المستويين المهني والشخصي، لكن صمدت في وجه عدة عواصف، كان بإمكانها أن تهزّ أساسات الدار. هذه المرة استسلمت لتنتهي بذلك سيطرة العائلة على الإدارة الإبداعية لفيرساتشي، التي انتقلت إلى داريو فيتالي والملكية لمجموعة «برادا».

فندي... انتقال تاريخي

لم يكن قرار تنحي سيلفيا فينتوريني فندي عن دورها كمصممة قسم الإكسسوارات والأزياء في الدار، التي تحمل اسم عائلتها، سهلاً؛ فهي هنا تعيش انتقالة مصيرية على المستويين الوظيفي والعاطفي. سيتذكرها عالم الموضة كمبدعة لحقائب أيقونية، مثل حقيبة «باغيت» الشهيرة التي صمّمتها في عام 1997، وحقيبة «بيكابو» في عام 2009، إضافة إلى تصاميم أخرى جمعت فيها الخطوط المعمارية لمدينة روما مع لمسات ناعمة، وأحياناً متحررة من القوالب التقليدية.

سيلفيا سليلة عائلة فندي تتخلى عن منصبها كمصممة قسم الإكسسوارات والأزياء (فندي)

قبل مغادرتها سلّمت المشعل لابنة بلدها، ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» السابقة. اللافت أن اضطرار كل من دوناتيلا فيرساتشي وسيلفيا فندي للتخلي عن إرثهما، يشير إلى أن زمن العائلات في عالم الموضة بدأ ينتهي تدريجياً، وأن سطوة المجموعات العملاقة مثل «إل في إم أتش» و«كيرينغ» وغيرهما تزيد عاماً بعد عام.

أما «ديور» فرسى اختيارها على جوناثان أندرسون، خليفة لماريا غراتزيا. مصمم يعتبره كثيرون الفتى الذهبي بعد إنجازاته في دار «لويفي» الإسبانية التي قادها لسنوات طويلة، وحلّق بها عالياً. عيّنته «ديور» في يونيو (حزيران) 2025، وقدّم مجموعته الرجالية بعد وقت قصير من هذا التعيين، وكان عرضاً ناجحاً. في أكتوبر (تشرين الأول) قدّم أول عرض للأزياء النسائية، لكنه أثار جدلاً وانقساماً.

المصمم ماثيو بلايزي وعارضة في إطلالة لافتة في أول عرض قدّمه لدار «شانيل» مؤخراً (رويترز - إ.ب.أ)

ماثيو بلايزي، الذي التحق بدار «شانيل» في نفس التوقيت تقريباً، قدّم أول عرض له فيها خلال موسم باريس لربيع وصيف 2026. هو أيضاً يتمتع بلمسة «ميداسية» تحوّل الفني إلى قطع تؤجج الرغبة فيها وترفع المبيعات. وصْفته تعتمد دائماً على العناصر نفسها؛ اقتراحات مبتكرة وألوان مثيرة لا تعتمد على الاستسهال. يمكن القول إنه مَن منح دار «بوتيغا فينيتا» سمعتها الحالية، وجعلها تلعب مع الكبار. خليفته البريطانية الشابة لويز تروتر أكّدت أنها ليست أقل منه، بعد أن قدّمت مجموعتها الأولى لدار «بوتيغا فينيتا».

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)

لكن يبقى السؤال الذي يُطرح؛ ما إذا كان الصناعة التي أطلقت جيل سان لوران، وكريستيان ديور، وكارل لاغرفيلد، في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وفي السبعينات جيورجيو أرماني، وجياني فيرساتشي، وفي التسعينات جون غاليانو، والراحل ألكسندر ماكوين، قادرة على إطلاق جيل جديد من المبدعين؟

سؤال تصعب الإجابة عنه حالياً. والسبب هشاشة المنظومة التقليدية، بحيث لم يعد من السهل أمام المصممين الشباب تأسيس علامات قوية، ومستقلة في الوقت ذاته، من دون تمويل خارجي. والدليل أنه حتى العلامات العريقة التي بقيت تحت سيطرة أفراد من العائلات المؤسسة، أصابها الضعف، وبدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. كل هذا سيجعل عام 2025 شاهداً تاريخياً على تغيّر ثقافة الموضة كلها، وإن لم تتوضح معالمها بعد، بحكم أن التغييرات لا تزال جارية.