حملة غير مسبوقة لفرض القانون في عدن

تهدف لإعادة الأمن ووضع حد للاستيلاء على الممتلكات بطرق غير قانونية

عناصر أمن قرب البنك المركزي في عدن (أ.ف.ب)
عناصر أمن قرب البنك المركزي في عدن (أ.ف.ب)
TT

حملة غير مسبوقة لفرض القانون في عدن

عناصر أمن قرب البنك المركزي في عدن (أ.ف.ب)
عناصر أمن قرب البنك المركزي في عدن (أ.ف.ب)

أطلقت السلطات المحلية في عدن، أمس، حملة لإعادة الأمن ووقف الاستيلاء على الممتلكات بطريق غير قانونية في جميع مديريات العاصمة المؤقتة لليمن.
وشدد هيثم الغريب، وكيل عدن لشؤون المديريات، خلال مؤتمر صحافي عقده بالمناسية، على أهمية هذه الحملة الهادفة لإزالة العشوائيات وإنهاء الاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة التي تأتي تنفيذا لتوجيهات المحافظ اللواء عيدروس الزبيدي، بهدف إعادة الوجه الحضاري لمدينة عدن والحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة، مشيدًا بدور المقاومة في حماية عدد من مؤسسات الدولة في فترة الحرب الآثمة التي شنت على المدينة وما بعدها.
وقال الغريب إن هناك من حاول ركوب موجة المقاومة للاستيلاء على ممتلكات بطريقة غير مشروعة، مضيفا أن تجار الحروب والأزمات استغلوا غياب مؤسسات الدولة خلال الفترة التي أعقبت الحرب. وأكد الغريب عزم السلطة المحلية إنجاح الحملة التي أعد لها بشكل جيد وتم التنسيق لها مع كل الجهات المعنية، مطالبًا المواطنين ووسائل الإعلام أن يكونوا عونًا لجهود المحافظة لإحقاق الحق وعودة الوجه المشرق لعدن، على حد قوله.
وفي رده على أسئلة واستفسارات الصحافيين حول مدى جدية الحملة الحالية قياسًا بحملات سابقة، أشار إلى أنه كانت في السابق هناك محاولات محدودة وبسيطة لبعض مديري المديريات، ولم ترافقها القوة الأمنية المطلوبة بسبب تشتت القوى الأمنية قبل توحيدها، مبينا أن الحملة الحالية وطنية تكاملية بين جميع السلطات المحلية والقضائية والأمنية.
وأوضح وكيل عدن لشؤون المديريات أن الحملة الحالية لن تستثني أحدا وستبدأ بالمتنفذين الكبار قبل الصغار ممن اقتحموا المنشآت والأراضي الخاصة والعامة، مؤكدًا أن هناك ملفات متكاملة عن كل المنشآت والأراضي التي جرى الاستيلاء عليها منذ عام 1994 حتى الآن، إضافة إلى الحظائر والمساكن العشوائية التي تم استحداثها خلال كل الفترات.
وفيما يتعلق بقضايا المواطنين البسطاء من أبناء عدن الذين تضررت منازلهم في فترة الحرب وكذلك القضايا المرتبطة بالجمعيات السكنية، أوضح وكيل عدن لشؤون المديريات أن هناك لجانا خاصة تشكلت وبدأت مباشرة أعمالها وأخرى مرافقة للحملة ستقوم بتقييم جميع الحالات والإشكالات ووضع الحلول لها. وأكد أن أبناء عدن ظلموا في كثير من الفترات وسيجري رد الاعتبار لهم ومعالجة حالاتهم بما يرضيهم وبما يعيد لهذه المدينة رمزيتها ومكانتها المرموقة، على حد قوله.
وعن مدى كفاية الفترة المحددة للحملة، نوّه الغريب بأن فترة الحملة قابلة للتمديد إذا استدعت الحاجة، مبينا أن هذه تعتبر مرحلة أولى سيتم تقييمها عقب انتهائها، وقياسها مع الأهداف التي حددت لها، وبخصوص الأملاك التي تم الاستيلاء عليها في فترة المخلوع صالح من قبل متنفذين عاثوا في الأرض فسادا، أكد الغريب أن كل أولئك سيتم ملاحقتهم قانونيا عبر القضاء قريبا لينالوا جزاءهم الرادع.
وعقب المؤتمر الصحافي قدم مديرو عموم مديريات العاصمة المؤقتة للبلاد إفاداتهم بخصوص الترتيبات الخاصة بتنفيذ الحملة مستعرضين نسب الاقتحامات وأعمال البسط والبناء العشوائي التي تم حصرها في كل مديرية على حدة، وكذا جاهزية سلطات المديريات للعمل على إنجاح عمل الحملة وبقوة. وقالت قيادة السلطة المحلية بعدن إن الجدول الزمني لتنفيذ الحملة التي تمثل جميع مديريات عدن الثماني ويستغرق شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بالكامل، حيث ستدشن الحملة من مديرية صيرة، مرورًا بالمعلا ثم التواهي ثم خور مكسر وصولاً إلى الشيخ عثمان ويعقبها المنصورة ثم دار سعد، واختتامًا بالبريقة، داعية وسائل الإعلام إلى المواكبة الإيجابية للحملة حتى تحقق أهدافها.
وكانت السلطات المحلية قد حذرت في بيانات لها في وقت سابق من القيام بأعمال اقتحام غير مشروع لأي من الممتلكات الخاصة أو العامة، مشيرة إلى أنها لن تسمح بأي مظاهر عشوائية أو مظاهر تشوه من جمال المدينة. وشهدت عدن حملات أمنية سابقة نجحت باستتباب الأمن والاستقرار وطرد الجماعات الإرهابية من المدينة، كما بدأت حملة استعادة المؤسسات التي بسط عليها متنفذون موالون لنظام المخلوع صالح سيطرتهم، ودشنت باستعادة منشأة حجيف النفطية بالتواهي.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.