زعيم اليمين المتطرف أمام القضاء الهولندي بتهمة التحريض على الكراهية

الجلسة انطلقت بعد ساعات من إعلان بلجيكا إبعاد إمام هولندي مسلم

صورة أرشيفية لغيرت ويلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي خلال محاكمته بأمستردام في شهر مارس الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لغيرت ويلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي خلال محاكمته بأمستردام في شهر مارس الماضي (أ.ب)
TT

زعيم اليمين المتطرف أمام القضاء الهولندي بتهمة التحريض على الكراهية

صورة أرشيفية لغيرت ويلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي خلال محاكمته بأمستردام في شهر مارس الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لغيرت ويلدرز زعيم حزب الحرية الهولندي خلال محاكمته بأمستردام في شهر مارس الماضي (أ.ب)

بالتزامن مع انطلاق أول جلسة في محاكمة زعيم اليمين المتطرف في هولندا غيرت فيلدرز، أمس الاثنين، بتهمة إهانة المغاربة والعنصرية والتحريض على التمييز والكراهية، أعلنت الحكومة الهولندية أن الشيخ العلمي أبو حمزة الذي قررت السلطات البلجيكية ترحيله بسبب تحريضه على العنف سيخضع للمراقبة الشديدة حال عودته.
وقال الأمين العام لحزب الحرية الهولندي في تغريدة له على «تويتر» إن «هناك مشكلة مغربية ضخمة في هولندا، والصمت على هذه المشكلة يعتبر عملاً جبانًا. 43 في المائة من الهولنديين يريدون تقليل عدد المغاربة، وأي حكم سيصدر لن يغير من هذا الأمر».
ووجه الادعاء العام الاتهامات إلى فيلدرز بعد أن هتف خلال مسيرة في لاهاي في مارس (آذار) 2014 سائلاً الحشود: «هل ترغبون في عدد أكبر أم أقل من المغاربة؟»، ليرد أنصاره قائلين: «أقل، أقل»، ويقول فيلدرز بعدها: «سوف نتولى ذلك».
وأثار ذلك جدلا كبيرا في هولندا، إذ تلقت الشرطة ستة آلاف شكوى. ورفض فيلدرز حضور المحاكمة التي وصفها بأنها «محاكمة سياسية» ضد حرية التعبير، وذلك في بيان تلاه محاموه في قاعة المحكمة.
وجاء في البيان أن زعيم «حزب الحرية» المناهض للأجانب قال إنه لا يشعر بالأسف على ما قاله عام 2014، وقال فيلدرز في بيانه أيضا: «لن يسكتني أحد». وقضى فيلدرز الكثير من مسيرته السياسية في الاحتجاج ضد ما يصفه بـ«انتشار الإسلام» في المجتمع الهولندي. وتمت تبرئته من تهم تحريض مماثلة عام 2011.
وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان الحكومة الهولندية أن الشيخ العلمي أبو حمزة، الذي قررت السلطات البلجيكية ترحيله، سيخضع للمراقبة الشديدة في حال عودته إلى هولندا، وفق ما أعلنت وزارة الأمن والعدل في هولندا. وكانت تقارير إعلامية بلجيكية قد أفادت بأن مجلس تظلمات الأجانب في بلجيكا قد رفض الطعن الذي تقدم به الشيخ العلمي، وهو هولندي من أصول مغربية، ضد قرار للحكومة البلجيكية بإبعاده خارج بلجيكا وإعادته إلى الوطن الذي يحمل جنسيته وهو هولندا، بسبب الاشتباه في تورطه بالدعوة إلى خطاب يحث على نشر الكراهية. ويتعين على الإمام العلمي عموش مغادرة بلدية ديسون التابعة لمدينة فرفييه خلال 30 يومًا من صدور القرار، الذي صدر بشكل نهائي غير قابل للطعن أو الاستئناف. ويطبق القرار على الإمام العلمي فقط، بينما يبقى من حق زوجته وأبنائه البقاء في بلجيكا، حسب ما أفاد الإعلام المحلي، والذي أضاف أن السلطات البلجيكية أبلغت هولندا بالقرار.
بدورها، قالت وزارة الأمن والعدل الهولندية إنها لا تستطيع أن تمنع عودة الإمام العلمي لأنه يحمل الجنسية الهولندية، «ولكن إذا تورط الإمام في توجيه خطاب يدعو إلى الكراهية أو لأي مخالفات في هذا الإطار، سيتم إتّباع الوسائل القانونية المتبعة في هذا الأمر».
تسعى بلجيكا منذ عام ونصف إبعاد الشيخ العلمي عموش، ولكنها لم تستطع القيام بذلك بسبب تقديمه طلبا للاستئناف ضد القرار والذي قوبل بالرفض الجمعة الماضية من طرف مجلس تظلمات الأجانب.
وعلّق عمدة بلدية ديسون، إيفان يليف، على هذا الأمر بالقول إنه أدان عدم قدرة الحكومة البلجيكية طوال الفترة الماضية على اتخاذ خطوات على طريق تفعيل قرار جرى اتخاذه منذ يوليو (تموز) 2015 بطرد الشيخ العملي خارج البلاد، ولم تعمل على تسريع تنفيذ هذا القرار.
من جهته، لم يستطع وزير الدولة لشؤون اللجوء والهجرة تيو فرانكين تنفيذ أمر المغادرة في حق الشيخ العلمي منذ شهر يوليو 2015. ويقوم المعني بالأمر الذي يتمتع بجنسية مزدوجة ويقيم ببلجيكا منذ عشر سنوات بثاني دعوى استئناف أمام مجلس دعاوى الأجانب. ونجح دفاعه في إلغاء المرسوم الملكي الأول بالطرد الذي اتخذ ضد موكله، على الرغم من وجود رأي سلبي للجنة الاستشارية للأجانب. وظل بانتظار ما سيحدث بشأن المرسوم الملكي الثاني بالطرد الذي تم اتخاذه في الظروف نفسها في شهر مارس الماضي، والذي صدر برفض الاعتراض عليه الجمعة الماضية.
وتسبب ابن الإمام العلمي، ويدعى حمزة ويبلغ من العمر 17 عاما، في إثارة جدل حاد في فرفييه في أغسطس (آب) الماضي عندما نشر على الإنترنت فيديو يدعو فيه إلى «قتل المسيحيين». وفي أواخر أغسطس، قال مكتب التحقيقات في مدينة لياج البلجيكية، إن قاضي الأحداث أصدر قرارًا باحتجاز مراهق من أصول عربية لمدة ثلاثة أشهر، داخل إحدى المؤسسات التعليمية الداخلية، وذلك عقب نشر فيديو ظهر فيه الشاب وهو يدعو إلى قتل المسيحيين، كما أمر قاضي التحقيقات بإطلاق سراح والده الشيخ العلمي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟