يتذكر جمال، 24 عامًا، هروعه نحو الطابق السفلي من المنزل بعد أول انفجار وسماعه لأصوات الرعب والهلع في الأعلى. ودخلت شقيقته الصغرى في صدمة شديدة، مما دفع بوالدتها لأن تلطمها على وجهها. ثم قرروا جميعًا، على غرار الكثير من السوريين قبلهم، المغادرة النهائية للبلاد.
لكن جمال ووالدته وشقيقته لم يتخذوا الطريق نفسه الذي اتخذه السوريون قبلهم. بدلاً من ذلك، وبعد إقامة قصيرة في مصر، انتقلوا بالطائرة إلى اليابان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2013. وفي العام التالي تمكنوا من الحصول على وضعية اللجوء. ولكنهم يشعرون كالأغراب في وطنهم الجديد، فوفقًا للأرقام الصادرة أخيرًا من وزارة العدل اليابانية، لم يتم قبول إلا ستة لاجئين سوريين فقط في البلاد حتى عام 2015.
وجعل هذا الوضع غير الطبيعي من جمال متحدثًا غير رسمي ومطلوبًا للتعليق على الدوام. حيث تعقد معه المقابلات الشخصية من قبل الصحافيين اليابانيين، أو يلقي بعض المحاضرات على الطلاب هناك شارحًا تجربته الشخصية. ويقول جمال مؤخرًا في أحد المقاهي في ضواحي طوكيو: «دائمًا ما أبدا محاضراتي متحدثا حول سوريا. حيث أن أغلب الشعب الياباني يعتبرها مجرد قطعة من الصحراء أو شيء من هذا القبيل». وطلبًا للإنصاف، لم يكن جمال، حينما كان يعيش في سوريا، يعرف الكثير عن اليابان وشعبها كذلك. وكانت أقرب تجاربه مع الثقافة اليابانية عبر أفلام الرسوم المتحركة، التي كان يشاهدها على الإنترنت مع بعض الترجمة العربية المصاحبة.
كانت عائلة جمال قد خططت للسفر إلى السويد، حيث يعيش أحد أبناء عمومته هناك. ولكن السفارة رفضت منحهم تأشيرة الدخول، وساعدهم أحد أعمامهم، المتزوج من سيدة يابانية في الوصول إلى اليابان بدلا من ذلك.
كانت التجربة اليابانية بالنسبة لهم «مغامرة». فلا أحد من أبناء هذه العائلة يتحدث اللغة اليابانية أو يفهم ثقافة البلاد.
كانت الفترة الأولى لهم في طوكيو عسيرة للغاية. حيث بدأت التوترات تنشأ داخل منزل العم المضيف، فما كان من أسرة جمال إلى الانتقال للعيش بمفردهم. ولأنه غير مصرح له بالعمل من الناحية القانونية، عثر جمال على وظيفة عابرة خطيرة في أعمال الهدم والبناء. وبعد إصابته بمسمار في قدمه، أصيب بعدوى التيتانوس وأمضى أسبوعًا كاملاً في المستشفى للعلاج. لاحقًا، عمل جمال 15 ساعة في اليوم، وستة أيام في الأسبوع في سلسلة محلات للوجبات السريعة. وبحلول ذلك الوقت أصبح قادرًا على العمل من الناحية القانونية.
ثم عثر في نهاية المطاف على وظيفة بأجر جيد، وهي تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال في سن الروضة. وبعد التصديق على وضعية اللجوء للأسرة، بدأ في تلقي دروس اللغة اليابانية بدوام كامل. ويتحدث جمال اللغة اليابانية الآن في مستوى التخاطب. وأصبح له أصدقاء من خلال لعبة كرة القدم، التي يلعبها في أحد النوادي المحلية. وعلى غرار أقرانه اليابانيين، يذهب جمال بعد المباراة إلى مقهى «إيزاكاياس» لتناول الطعام واحتساء المشروبات الخالية من الكحول، كما أنه يتجنب تناول لحم الخنزير بسبب معتقداته الدينية. كما أنه يحضر صلاة الجمعة في مسجد طوكيو كامي وهو أكبر المساجد في العاصمة.
يعتقد اليابانيون في أغلب الأحيان أنه أوروبي المنشأ. ويندهش البعض عندما يعرفون أنه من سوريا. ويقول جمال مضيفًا: «بعض منهم أستطيع أقول بمجرد النظر في وجوههم أنهم لا يحبون ذلك. ولكنهم لا يقولون شيئًا سيئًا». اليابان بلاد غير معتادة على الغرباء.
لا يعيش في اليابان إلا عدد قليل للغاية من السوريين، ولا يزيد عددهم على 500 مواطن، وفقًا للجمعية اليابانية للاجئين، وهي إحدى الجمعيات المعنية والعاملة مع اللاجئين في البلاد.
ومع تدهور الأزمة السورية من سيء إلى أسوأ، رفعت اليابان من تبرعاتها إلى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، وهي الوكالة الأممية المعنية باللاجئين حول العالم. وفي عام 2014، منحت اليابان للمفوضية مبلغ 181.6 مليون دولار، مما يجعلها ثاني أكبر الدول المانحة للمفوضية بعد الولايات المتحدة.
ولكن في الوقت نفسه، رفضت اليابان تمامًا استقبال اللاجئين على أراضيها. وفي العام الماضي، صرح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للصحافيين، بأن البلاد معنية بشؤونها الداخلية فقط. وفي حين أن بعضًا من الدول الغنية قد سمحت بإعادة استقرار أعداد كبيرة من اللاجئين على أراضيها من مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط، لم تعرض اليابان حتى الآن أي مكان لإعادة توطين اللاجئين.
وضع هذا الموقف اليابان على خلاف مع وكالة اللاجئين في الأمم المتحدة، والتي تعتبر كل المواطنين السوريين مستحقين لوضعية اللاجئين. وفي مقابلة أجريت مؤخرًا، أشار المدير المساعد للمكتب الياباني للاعتراف بوضعية اللاجئين ياسوهيرو هيشيدا، إلى أن أغلب السوريون مسموح لهم بالإقامة المؤقتة في اليابان ولأغراض إنسانية فقط، حتى وإن لم يحصلوا على وضعية اللاجئين بصورة رسمية.
لم يستطع جمال تفسير سبب استثناء عائلته من ذلك. وقال إنه ووالدته، التي كانت تعمل في التلفزيون الرسمي في سوريا، أجريت معها الكثير من المقابلات الشخصية وفي جلسات مطولة كانت تخرج من أغلبها وهي باكية.
يأمل جمال في أن يعود إلى الدراسة العام المقبل؛ لأنه يرغب في أن يكمل حياته كمترجم يجيد 3 لغات. أما شقيقته فالتحقت بالكلية وتجيد اليابانية. وتعلمت والدته ما يكفي من هذه اللغة لتتواصل مع المجتمع من حولها، بينما التحق والد جمال بالعائلة لكنه لم يحصل على وضعية اللاجئ.
وفي الوقت الذي يفتقد الوالدان سوريا، كثيرًا، يقول جمال إنه لا يتخيل ترك اليابان إلى بلد آخر، «فقد بدأت من هنا ولا يمكن أن أعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى. سأبني مستقبلي هنا».
*خدمة: {واشنطن بوست}
-خاص بـ«الشرق الأوسط»
الحياة الاستثنائية للاجئين السوريين الستة في اليابان
أكبر الدول المانحة لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين.. لا ترحب بهم
الحياة الاستثنائية للاجئين السوريين الستة في اليابان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة