«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«سي آي إيه» تدرس خيارات للرد على الاختراقات «السيبرانية» الروسية

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو
TT

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

تعرضت الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي لموجة هائلة من الهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وخلال يوم الجمعة الماضي شهدت مواقع أميركية شهيرة، مثل «أمازون» و«تويتر» و«نتفليكس» و«رديت» و«اتسلي»، إضافة إلى مواقع لصحف مثل «نيويورك تايمز» و«بوسطن غلوب» إلى أضرار نتيجة اختراق مواقعها، وتم إغلاق المواقع والخدمات في كافة أنحاء الساحل الشرقي للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، كانت روسيا قد استأنفت خطط التطور التقني مع مجيء الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في عام 2000، بعد سنوات من التراجع التقني أمام الغرب. ويومها، اتخذ القرار بإعادة تفعيل هذا الجانب، رغم أن التطور التكنولوجي كان قائمًا في سنوات الحرب الباردة، حيث شهدت تنافسًا تقنيًا مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا في مجال الصواريخ الجو فضائية.
الجانب السياسي للهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وتحديدًا طموحات موسكو السياسية والأمنية، تعزز بعدما تسربت خلال الأسابيع والشهور الماضية «الإيميلات» الخاصة بكبار الشخصيات الأميركية، وشملت المراسلات الإلكترونية جون بوديستا، مدير حملة المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، وكذلك تسريب للبريد الإلكتروني لرئيسة لجنة الحزب الديمقراطي ديبي واسرمان شولتز؛ ما دفعها إلى الاستقالة، وهذا إضافة إلى تحذيرات من هجمات إلكترونية روسية لمواقع سجلات الناخبين الأميركيين في ولايات عدة. وأخيرًا، مع تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب حول «تلاعب محتمل» في نتائج الانتخابات، يخشى المسؤولون من تعرض الناخبين لعمليات خداع وتضليل.

المشهد.. أميركيًا
يقول خبراء أمنيون في شركة إنترنت ترافيك كومباني Internet traffic company، إن الهجمات الأخيرة كانت جيدة التخطيط والتنفيذ، وجاءت من عشرات الملايين من عناوين الإنترنت في وقت واحد، ويوجه هؤلاء أصابع الاتهام صراحة إلى دول مثل روسيا والصين اللتين، كما يقولون، تعملان على تطوير قدرات لشن حرب إلكترونية متقدمة ضد الولايات المتحدة والغرب.
في هذا السياق، انتقد كل من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ووزير الأمن الداخلي جيه جونسون، روسيا علانية، واتهموها بالوقوف وراء هذه «الاختراقات لشبكة الإنترنت». ومن ثم هددت الإدارة الأميركية بالرد على الاختراقات الإنترنتية أو «السيبرانية» الروسية، وقال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية لشبكة «إن بي سي نيوز» الإخبارية التلفزيونية، إن إدارة الرئيس باراك أوباما «تفكر في شن هجوم سري سيبراني لم يسبق له مثيل ضد روسيا ردًا على الشكوك في اختراق روسي لمواقع سجلات الانتخابات الأميركية».
وحسب التقارير طلبت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من مسؤولين حاليين وسابقين وضع مقترحات وخيارات للبيت الأبيض من أجل شن عملية «سيبرانية» سرية واسعة النطاق تهدف إلى إحراج قيادات الكرملين. كذلك تشير المصادر الاستخباراتية إلى أن خطة وضعت بالفعل وتحددت فيها الأهداف وجرى وضع التحضيرات. ويشير محللون في هذا الإطار إلى أن «سي آي إيه» ترغب في التصعيد، وتتحضر حقًا لعمل «سيبراني» كبير، و«بعض الخيارات تشمل تسريبا لوثائق خاصة للرئيس الروسي فلاديمير يوتين».
من جهة ثانية، يقول نيكولاس ويفر، أحد كبار الباحثين في معهد علوم الحاسب الدولية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي «إن الإعلان عن الاختراقات من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إما يعني أن الوكالة تريد الضغط على إدارة الرئيس أوباما للحصول على موافقته في تصعيد الحرب الإلكترونية ضد روسيا، أو أن الأمر كله خدعة.. وكل ما تسعى الوكالة إليه هو محاولة تخويف روسيا، وإلا فأين كل عباقرة ووكالات الأمن القومي؟»، ويتابع ويفر «لو أقررنا بهذه الاختراقات، فهل الرد بتسريب وثائق خاصة ببوتين ستجعله يخاف ويتوقف عن شن مزيد من الهجمات الإلكترونية؟ بالطبع لا، بل إن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن التوترات بين القوتين ستتزايد عبر الإنترنت».
من جانبه، يشير جيمس ستافريديس، المسؤول العسكري السابق في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة «تجميع أدلة ضد روسيا والكشف عن أسماء المسؤولين الروس الذي سمحوا بهذه الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة بما يضع موسكو في وضع محرج». وبينما اقترح بعض الخبراء استخدام تقنيات إلكترونية لفضح الرئيس الروسي والكشف عن ممتلكاته المالية في الخارج، رأى آخرون أن هذه الخطوات يمكن أن تفاقم الأزمة المتصاعدة أكثر بين واشنطن وموسكو.

التحدي الروسي الجدي
وحول الأزمة المتفاقمة يعلق البروفسور ديفيد ستابلس، مدير مركز العلوم الأمنية بجامعة سيتي – لندن، بأن الاستخبارات الروسية «قررت منذ سنوات جعل الحرب الإلكترونية أولوية دفاعية وطنية وباتت بارعة على نحو متزايد في شن الهجمات (السيبرانية)..».. ويتابع ستابلس إن «روسيا قررت منذ عام 2007 أن حرب المعلومات هي المحور الرئيسي لكسب أي نزاع في العالم، وبالتالي، قررت ضخ استثمارات عسكرية لرفع القدرة والتكنولوجيا، واليوم غدت روسيا موطنًا لأفضل المتسللين والقراصنة الإلكترونيين في العالم، خلال فترة عشر سنوات فقط ها هي روسيا مستعدة لخوض حرب إلكترونية مع الولايات المتحدة».
في هذه الأثناء، هناك البعد الاقتصادي؛ إذ يحذر الخبراء من حرب إلكترونية ضد الاقتصاد الأميركي، إذ يبلغ حجم «الاقتصاد الجديد عبر الإنترنت» أكثر من تريليون دولار، ومن دون شبكة الإنترنت فإن أعدادًا كبيرة من الشركات قد لا تظل قادرة على العمل بشكل طبيعي، وهنا تتزايد المخاوف فعليًا من اختراقات للبنوك والأنظمة المالية وشبكات أسواق المال.
كذلك امتدت المخاوف إلى الجانب العسكري، وحذر النائب الجمهوري دنكان هنتر، عن ولاية كاليفورنيا، وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» من تنفيذ خطتها لتقديم خدمة الإنترنت منخفض التكلفة للجنود الأميركيين في أماكن مثل العراق وأفغانستان، وحذر هنتر الذي عمل ضابط مشاة بالبحرية الأميركية في العراق وأفغانستان من المخاطر الأمنية في هذا الصدد؛ إذ قال: «يمكن أن تتعرض القوات الأميركية المقاتلة المنتشرة هناك لسرقة المعلومات الشخصية عبر شبكة إنترنت غير محمية يسيطر عليها دول معادية». وطالب سياسي آخر هو النائب ادم سيف، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، بالإحجام عن أي خطوة تستفز روسيا وتؤدي إلى مزيد من التصعيد، وشدد «لا أريد اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى مزيد من التصعيد تدفع روسيا على الأرجح إلى نشر رسائل بريد إلكتروني ووثائق مزورة لا يمكن دحضها بسهولة خلال الأسبوعين المقبلين قبل الانتخابات الرئاسية».
وبينما أشار السيناتور الجمهوري كوري غاردنر، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية والأمن السيبراني الدولي في مجلس الشيوخ، أنه يعتزم تقديم تشريع لفرض عقوبات على روسيا، يقول فرانكلن رايدر، مدير مركز أمن الإنترنت بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية: «جيد أن تفكر إدارة أوباما بجدية في كيفية الرد على العدوان الروسي للفضاء الإلكتروني، لكن لا بد من وضع استراتيجية جيدة للرد، وأن يكون الرد هادئا باستخدام الكثير من الأدوات مثل هجوم سيبراني مضاد وفرض عقوبات وزيادة الدعم لدول حليفة وصديقة تتعرض لهجمات من روسيا وهكذا». وأضاف غاردنر «يجب ألا يكون الرد هجمة مضادة لمرة واحدة، وإنما يجب على الولايات المتحدة وضع خطة أكثر انتظامًا بالتوازي مع العمل لحماية الأسرار وأنظمة الاستخبارات، ولا ينبغي أن تكون الولايات المتحدة وحدها في هذا الجهد، بل يجب التنسيق مع الحلفاء والشركاء الآخرين المتضررين من العمليات الإلكترونية».

.. والمشهد روسيًا
في هذه الأثناء، في موسكو ينفي الجانب الروسي على المستوى الرسمي ضلوع أجهزة استخباراته بها، ويذكر أن وسائل إعلام عالمية نقلت في الأسبوع الأخير من أكتوبر (تشرين الأول) معلومات عن اختراق «قرصان إنترنت» أميركي لقبه «شوت» الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، إلا أن ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أكدت أن الموقع الرسمي للوزارة يعمل ولم يتعرض لأي هجمات إلكترونية، مرجحة أن الحديث ربما يدور عن الموقع القديم للوزارة. ولم يكن الحديث عن اختراق الصفحة الرسمية للخارجية الروسية سوى صفحة من صفحات مواجهة بدأت سريعا بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة صيف العام الحالي. كما اشتكت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات في الرياضة ممن قالت إنهم «قراصنة إنترنت» من روسيا يقفون خلف عملية نشر قوائم بأسماء الرياضيين الذين يتناولون منشطات بموافقة من الوكالة.
وعلى الرغم من نفي روسيا في كل حالات الاختراق مسؤوليتها عن تلك الهجمات، وتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث لوكالة «بلومبيرغ» بأن «روسيا على المستوى الحكومي لم تقم يوما بمثل هذا العمل».
ويرى فلاديمير بروتير، الخبير الروسي من المعهد الدولي للدراسات الإنسانية – السياسية، أن الرد الذي توعدت به الولايات المتحدة روسيا سيكون موجها بصورة رئيسية على تقييد وصول روسيا إلى الفضاء الإلكتروني، مرجحا أن «الولايات المتحدة ستستغل إمكاناتها لحجب تلك الإمكانات والمخدمات التي تستخدمها روسيا في العالم الإلكتروني»، وموضحا أن «روسيا كثيرا ما تستخدم قدرات ونطاقات اتصالات معينة في الفضاء الإلكتروني العالمي لحل بعض المسائل، بما في ذلك لتسهيل حركة مرور بعض العمليات المالية الاقتصادية وغيرها. وسيتم حجب جزء (قسم) من تلك الإمكانات والقدرات»، حسب قول الخبير بروتير.

المواجهة ليست جديدة
أما الخبير الروسي رومان روماتشيوف، المدير العام لوكالة تقنيات التجسس (بي - تيكنو)، فيلفت إلى أن «الدول العصرية تستخدم في الواقع قراصنة الإنترنت أكثر فأكثر كأداة للتأثير في السياسة»، ويؤكد انطلاقا من تلك الرؤية أن المواجهة الإلكترونية بين روسيا والولايات المتحدة بدأت منذ وقت بعيد. ويعتقد روماتشيوف، أن مؤسسات السلطة الروسية ليست مهددة؛ لأنها حسب قوله «لا تحتفظ بأي معلومات سرية على مواقعها»، موضحا أن هذا الأمر يعكس السياسة التي تتبعها روسيا بشكل عام في هذا المجال؛ ولذلك «لا تنشر المؤسسات الحكومية سوى الأخبار».
إلا أن خطورة الدخول في مواجهة إلكترونية لا تقتصر على مسألة كشف الرسائل ومحاولة الوصول لأسرار الحكومات، ولعل خير توضيح لمدى جدية تلك المواجهة يعكسه بدقة قرار حلف شمال الأطلسي «ناتو» عام 2016 اعتبار الفضاء الإلكتروني رسميا بأنه «ساحة مواجهة» محتملة، علما بأن الحلف كان في السابق يطلق هذا الوصف فقط على البر والبحر والأجواء والفضاء. وكانت الولايات المتحدة أول من نظر إلى الفضاء الإلكتروني بأنه ساحة مواجهة، وذلك ضمن نص استراتيجية اعتمدتها عام 2011 حول النشاط في ذلك الفضاء، وتمنح فيه لنفسها الحق بالرد على «الأعمال التخريبية في الفضاء الإلكتروني» بكل الوسائل المتاحة. وفي نهاية العام ذاته، اعتمدت وزارة الدفاع الروسية عقيدة مشابهة للاستراتيجية الأميركية. وما زال العالم يذكر حتى الآن العبارة التي استخدمها جون هامر، نائب وزير الدفاع الأميركي عام 1997، في عهد بيل كلينتون، حين تعطلت محطة كهرباء في سان فرانسيسكو وبقي 125 ألف مواطن دون كهرباء يوما بأكمله؛ إذ أطلق هامر حينها لأول مرة تعبير «بيل هاربر إلكترونية» في إشارة منه إلى خطورة الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني، ومحذرا من الأعمال التي يمكن القيام بها بواسطة التقنيات الإلكترونية التي كانت تعتبر حينها حديثة العهد نوعا ما.

توقع التصعيد
ويبدو أن المواجهة في الفضاء الإلكتروني وخطورة استخدام الرقميات بشكل عام لأغراض غير قانونية واختراقها للتجسس أو تحويلها إلى أجهزة تنصت، تتجه نحو التصعيد الأمر الذي سيفرض على القوى المعنية ودول العالم ككل العمل على صياغة معاهدات واتفاقيات لضبط تلك المواجهة على غرار المعاهدات في المجال النووي وغيرها من معاهدات حظر الأسلحة. وكانت روسيا قد عرضت عام 1999 على الأمم المتحدة مشروع قرار «الإنجازات في مجال المعلومات والاتصالات في سياق الأمن الدولي»، وتم حينها اعتماد القرار بالإجماع. وفي عام 2011 عرضت الدبلوماسية الروسية نص معاهدة بعنوان «حول ضمان الأمن المعلوماتي العالمي»، تحدد فيها معايير تنظيم استخدام الإنترنت مع أخذ التحديات السياسية، والإجرامية والإرهابية بالحسبان، وتدعو المعاهدة إلى «عدم السماح باستخدام تقنيات الاتصالات في أعمال عدائية». إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت تلك المعاهدة المقترحة «غير واقعية»، وأنها لن تكون فاعلة في مسألة الفضاء الإلكتروني، بينما رأت فيما الدعوة بتعميم مبادئ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ومنح الحكومات المحلية صلاحيات واسعة في الفضاء الإلكتروني بأنها «محاولة لترسيخ الرقابة وتحكم الدول بالشبكة العنكبوتية المحلية». وكانت هناك مبادرات أخرى في هذا المجال عبر الأمم المتحدة وآلياتها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن معاهدة واضحة أو معايير متوافق عليها لتنظيم النشاط في الفضاء الإلكتروني والحفاظ عليه بعيدا عن المواجهات.
في هذه الأثناء، يبدو أن بقاء الوضع ضمن معايير ضبط أمر يناسب القوى الكبرى التي تراهن على الاستفادة من الهجمات الإلكترونية لإضعاف قوى «العدو». وحسب الاستراتيجية الإلكترونية الأميركية المعتمدة عام 2015، يأمل العسكريون الأميركيون أن تسمح لهم القدرات الهجومية عبر الفضاء الإلكتروني بشل مراكز قيادة «العدو» وحرمانه من القدرة على استخدام أسلحته. وتراهن دول أخرى بما في ذلك روسيا على الاستفادة من سلاح الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني. كما لا يمكن تجاهل الأهمية التي تمنحها أجهزة الاستخبارات حول العالم لقدرات الفضاء الإلكتروني، ولا سيما لأغراض التجسس؛ إذ لم تعد تلك المؤسسات مطالبة في كل الحالات لتجنيد عملاء أو إرسال جواسيس للحصول على معلومات محددة، ويكفي توظيف عبقري في هذا المجال لتنفيذ عمليات اختراق تحقق نتائج أفضل من تلك التي يمكن لجاسوس تحقيقها، وبقدر أقل من التكلفة والخسائر.

كابلات الإنترنت
في العاصمة اللبنانية بيروت التقت «الشرق الأوسط» بالمتخصص بشؤون الأمن القومي الروسي محمد سيف الدين، وسألته عن أبعاد الحرب «السيبرانية» الحالية، فقال: إن موسكو «تدرك أن احتمالات المواجهة المباشرة العسكرية المباشرة مع الغرب، ضعيفة جدًا رغم التوتر؛ لأن الطرفين اختبرا أهوال الحرب، وأن لغة الحرب العصرية، تتخطى منطق الحرب العسكرية المباشرة، وهي الدوافع التي جعلتهم يهتمون إلى حد كبير بالحرب السيبرية».
ويضيف سيف الدين: «بحسب الإعلان، ثمة قراصنة روس يستطيعون الدخول إلى أكبر المواقع الإلكترونية الأميركية تحصينًا، ولا يعرف إن كانوا قراصنة أفرادا، أم مدعومين من الحكومة الروسية، لكن ما هو معلن أن مصدره الأراضي الروسية؛ ما يؤكد أن هناك حربًا تدور في هذا المجال». وإذ يؤكد الخبير اللبناني أن الروس لم يستطيعوا فرض توازن في هذا الجانب التقني مع الغرب «حتى اللحظة»، وأن التفوق لصالح الغرب، يشير إلى أن القراصنة الروس «يستطيعون إحداث ضرر على المستوى التقني».
والواضح أن القرصنة الإلكترونية، تعد جانبا من جوانب الحرب السيبرانية بين روسيا والغرب، في ظل وجود منظومة الردع الإلكتروني الروسية المعلنة، التي تُسمى «كاسبرسكي»؛ ما يشير إلى أن الحرب السيبرية، تعمل على مستويين: الهجوم والدفاع. ووفق الاستراتيجية الأمنية الروسية في عام 2009 التي دخلت حيز الأمن في عام 2012: «ورد حرفيا أن هناك ضرورة لإقامة منظومات حماية إلكترونية»، بحسب سيف الدين، وبالتالي، باتت الحرب السيبرانية تشبه منظومات الصواريخ: هجومية ودفاعية. وحققت منظومات الحماية الروسية الإلكترونية، نجاحًا في وقت الاختراقات الإلكترونية الغربية للمنظومة النووية الإيرانية بعد سنوات من اختراقها، قبل أربع سنوات. ويختتم سيف الدين كلامه بالقول: «جزء من المساعدات الروسية لإيران تكون من الجانب التقني، بهدف حماية الداتا الإيرانية من الخروقات الغربية... كوريا الشمالية وإيران تعتمدان على منظومات تقنية روسية للحماية، ولا يعرف ما إذا كانت الدولتان تحصلان على منظومات الحماية الإلكترونية من السوق السوداء أم من الحكومة الروسية مباشرة».
من ناحية ثانية، تحدث الدكتور هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في بيروت، عن تدشين روسيا في عام 2014 تقنية جديدة للتجسس على كوابل الإنترنت، بإطلاق السفينة «يانتار»، التي دخلت الخدمة في صفوف الجيش الروسي في عام 2015، وتوصف هذه السفينة بأنها مركبة معدة للمحيطات وسفينة ذات أغراض خاصة؛ ما يشير إلى أنها سفينة تجسس، بحسب ما ذكر موقع «هايسوتون» في الإنترنت المتخصص بمتابعة حركة السفن البحرية والغواصات، مشيرًا إلى أنها قد تكون معدة أيضًا لقطع خطوط الاتصالات.
ثم أضاف، أن بداية عمل السفينة كانت قبالة السواحل الكوبية، حيث تمر الكوابل البحرية الناقلة لمعلومات الإنترنت؛ ما يشير إلى أنها أداة تقنية، معدة لجمع المعلومات من موابل الإنترنت التي تصل إلى أميركا، أو تخرج منها إلى العالم. فقد تواجدت السفينة العام الماضي قرب خطوط الإنترنت البحرية قرابة السواحل الكوبية، تلك التي تنقل معظم خطوط الاتصالات العالمية لشبكة الإنترنت؛ الأمر الذي أثار مخاوف مسؤولين أميركيين من احتمال أن تكون روسيا قد خططت لقطع هذه الخطوط أو التجسس عليها.
وتابع جابر، أنه من خلال هذه السفينة، يبدو أن روسيا لا تنوي جمع المعلومات عن الولايات المتحدة فحسب، بل في المناطق التي تطمح روسيا ليكون لها نفوذ فيها. ذلك أن انتهاء مهمتها قبالة السواحل الكوبية، لم يمنع موسكو من نقلها إلى مواقع أخرى، وأهمها منطقة البحر المتوسط. ففي مطلع هذا الشهر، أثارت السفينة الروسية المعدة للتجسس التي تواجدت قبالة السواحل اللبنانية، شبهات حول تنصت على كوابل الإنترنت البحرية التي تمر عبر البحر المتوسط من قبرص إلى لبنان والساحل السوري، وذلك في أحدث تواجد عسكري روسي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، استبقت وصول حاملة الطائرات الروسية إلى المنطقة.
وأضاف جابر: «الواضح أن روسيا حين دخلت البحر المتوسط والمياه الدافئة بحيث الحشد العسكري بالفرقاطات والسفن، لا يمكن أن تدخلها من غير جمع معلومات متكاملة عن أمن المنطقة بشكل كامل، وهو ما يفسر وجود السفينة هنا... إنها تشبه سفينة ليبرتي الأميركية التي قصفها الإسرائيليون في البحر المتوسط في الستينات، لكن هذه السفينة أكثر تطورًا من سفينة كانت موجودة قبل 50 عامًا، وتحمل أجهزة متطورة لجمع المعلومات وتحليلها، ونقل خلاصات عنها إلى موسكو لتخزينها واستثمارها أيضا».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.