المزة.. من حي دمشقي راقٍ إلى منطقة خطيرة

الشبيحة يستبيحون سكان العاصمة السورية

المزة.. من حي دمشقي راقٍ إلى منطقة خطيرة
TT

المزة.. من حي دمشقي راقٍ إلى منطقة خطيرة

المزة.. من حي دمشقي راقٍ إلى منطقة خطيرة

تحول حي المزة، بغرب العاصمة السورية دمشق، إلى إحدى أخطر المناطق السكنية في المدينة مع ازدياد أعداد جرائم الخطف والقتل والسرقة التي تجري فيه. وحي المزة المعروف كأحد أحياء دمشق الحديثة المنظمة وبالتالي، يعتبر من الأحياء الراقية، إذ تسكنه العائلات الدمشقية التي انتقلت من أحياء وسط دمشق القديمة إلى غربها في السبعينات مع التوسع العمراني. واتخذت الكثير من السفارات ووسائل الإعلام مقرات ومكاتب لها في المزة إلى جانب سكن عدد كبير من المسؤولين في نظام الأسد وحكومته هناك، وهو ما جعل المزة منطقة أمنية محصنة إلى حد كبير. إلا أن هذه الحصانة يبدو أنها انتهكت مع تغول عصابات «الشبيحة» المتمركزة في منطقة المزة 86. وهي منطقة عشوائيات شعبية، يسكنها جنود ومقاتلو الميليشيات التابعة للنظام وعوائلهم. وكانت قد ظهرت مع صعود رفعت الأسد (شقيق الرئيس السابق الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس الحالي) وكتائب «سرايا الدفاع» أوائل عقد السبعينات. ومن ثم غدت هذه المنطقة بعد خمس سنوات من حرب النظام على مناهضيه إلى أكبر سوق للمسروقات التي تنهبها عصابات «التعفيش» (النهب) من المناطق الثائرة بعد اجتياحها.
الأسابيع الأخيرة شهدت جرائم قتل وسرقة كثيرة في حي المزة الذي تقطّعه حواجز تابعة للنظام وتسيطر على حركة السيارات والبشر فيها. وإثر أنباء العثور على جثة طالب كلية الطب مقطوعة الرأس بعد ثلاثة أيام من اختفائه، نقل عن مصادر في الأمن الجنائي التابع للنظام أن الشاب - وهو بطل في رياضة كمال الأجسام - قضى منتحرا (!!)، برمي نفسه من فوق أحد الأبنية. وزعمت المصادر أنه كان يعاني من حالة اكتئاب دفعته إلى الانتحار. مع هذا، كان بالإمكان تصديق هذه الرواية الغريبة عن الانتحار بقطع الرأس(!!) لو أن حي المزة كان آمنا لم تحصل فيه حوادث سطو مسلح كالجريمة التي تعرضت لها سيدة كانت مع طفلتها بالسيارة. السيدة هاجمها ثلاثة مسلحين بغرض سلب السيارة، فأقدموا على ضرب السيدة ورميها أرضا وسرقة السيارة، ومن ثم رمي طفلتها بينما السيارة تسير. وبعدها نقلت السيدة والطفلة إلى المشفى للعلاج من الجروح والرضوض الناجمة عن الهجوم الذي جرى في الشارع وعلى مرأى من الناس وقوات النظام المتواجدين على الحواجز.
ومن الحوادث الأخرى، إقدام أحد «الشبيحة» على إطلاق نار على بواب إحدى العمارات في المزة بسبب نشوب خلاف على عدّاد المياه، كما شهدت المدينة الجامعية (تجمع سكني طلابي حكومي) شجارا عنيفا وتراشقا بالحجارة بين عدد من الطلاب أمام المدينة الجامعية أدى إلى تكسير المحلات التجارية المحيطة بالمكان وسقوط ثلاثة مصابين.
وكان الأسبوع الماضي من أكثر الأسابيع رعبا في حي المزة الذي شهد قبل نحو أسبوعين أغرب عمليات سرقة سيارات، إذ سرقت 11 سيارة في وقت واحد، من خلال الحصول على الرمز الإلكتروني واستخراج مفتاح للسيارات وفتحها وسرقتها من دون الحاجة للتكسير. ثم تبين أن السيارات المسروقة تعود ملكيتها لأشخاص غادروا البلاد، وظلت سياراتهم مركونة لا تتحرك، ما شكل دافعا قويا لسرقتها من قبل «الشبيحة» الذين يغض النظام عينه عن تجاوزاتهم وجرائمهم ويطلق يدهم لاستباحة ممتلكات المعارضين والمتواجدين خارج البلاد.
في الواقع، الجرائم في دمشق عمومًا إلى ازدياد رغم أن الأمن الجنائي في دمشق يعلن بين فترة وأخرى عن إلقاء القبض على عصابات سرقة، آخرها القبض على عصابة في المزة قامت بسرقة منزل يحوي مبلغ 30 ألف دولار أميركي وتسع أونصات ذهبية، إضافة إلى مصاغ ذهبي يقدر وزنه بكيلوغرام ونصف الغرام، ومبلغ مليون ومائة ألف ليرة سورية، وهاتفا جوالا.
وهكذا، كما يقول متابعون وسكان محليون، فالأمن الذي كان يتباهى نظام الأسد بإرسائه في سوريا خلال 40 سنة من القمع قوضه الموالون من «الشبيحة» في معاقل النظام. ومن هؤلاء أبو محمد ب. الذي قال: إنه ما عاد يأمن على عائلته ولا بيته ولا سيارته في دمشق وهو يسعى جاهدا إلى السفر بأي طريقة، مضيفا: «تحملنا خمس سنوات من الحرب، لكننا لم نعد نحتمل التشبيح والتهديد بالسلاح والإذلال وسرقتنا جهارا نهارا. الدولة غائبة تماما وبإمكان أي مسلح أن يستبيح عرضك». أما زوجته التي تعرضت للسرقة أمام بيتها إذ نشل أولاد مجهولون حقيبتها وهربوا فترى ما تراه نتيجة طبيعية لغياب القانون، قائلة: «بلد لا يوجد فيها قانون والسلاح فيها منتشر من المتوقع انتشار الجريمة فيها».
إلا أن معارضًا رفض الكشف عن اسمه حمَل نظام الأسد ما يؤول إليه الوضع الأمني في مناطق سيطرة النظام بقوله «بعد خمس سنوات من الثورة انقسم السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى مشردين ونازحين ومتسولين وحملة سلاح ومجرمين ولصوص».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.