الأمم المتحدة تكشف عن مجازر «داعش» في العراق

أعدم 232 شخصًا بالرصاص من بينهم 190 عنصرًا سابقًا من قوات الأمن

الأمم المتحدة تكشف عن مجازر «داعش» في العراق
TT

الأمم المتحدة تكشف عن مجازر «داعش» في العراق

الأمم المتحدة تكشف عن مجازر «داعش» في العراق

كشفت الأمم المتحدة الجمعة أن تنظيم داعش قتل أكثر من 230 شخصًا في مدينة الموصل ومناطق حولها، فيما يلوح شبح نزوح جماعي كبير مع تزايد أعداد الفارين من تلك المناطق.
وقالت الناطقة باسم المفوضية رافينا شمدساني للصحافيين في جنيف إنّ «معلومات أفادت بقتل 232 شخصًا بالرصاص الأربعاء الماضي»، موضحة أنّ «بين هؤلاء 190 عنصرًا سابقًا من قوات الأمن العراقية». مضيفة أنّ «هذه المعلومات جرى التثبت منها قدر الإمكان»، مشيرة إلى أنّ عدد الذين قتلوا في الأيام الأخيرة قد يكون أكبر من ذلك.
وتابعت شمدساني أنّ قتل هؤلاء الأشخاص جاء في إطار استراتيجية التنظيم إجبار الناس الذي يعيشون داخل الموصل على البقاء، مشيرة إلى أنّ هدف المتطرفين هو استخدام هؤلاء الأشخاص «دروعا بشرية» في المعركة من أجل الموصل ضد القوات العراقية.
وهذه واحدة من سلسلة طويلة من عمليات القتل التي ارتكبها التنظيم المتطرف منذ اجتياح مناطق واسعة في العراق في عام 2014، ونفّذ المتطرفون في العامين الماضيين، إعدامات جماعية وتفجير أسواق ومساجد واستعباد واغتصاب استهدفت أقليات دينية بينها الأيزيدية.
وقرر البرلمان الأوروبي أمس، منح جائزة ساخاروف «لحرية الفكر» لعام 2016 إلى الأيزيديتين العراقيتين ناديا مراد ولمياء عجي بشار اللتين تمكنتا من الفرار من قبضة المتطرفين، مشيدًا بتحليهما «بالشجاعة» و«الكرامة».
في السياق، تواصل قوات عراقية فرض حصار على مدينة الموصل من الشمال والشرق والجنوب، فيما يتزايد عدد الفارين من سيطرة تنظيم داعش هربا من معركة قريبة في مناطق يسيطر عليها متطرفون. وقالت المنظمة الدولية للهجرة أمس، إنّ 18 ألفا و804 أشخاص فروا منذ بدء العملية في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، غالبيتهم العظمى من محافظة نينوى، كبرى مدنها الموصل.
وقال كارل شمبري المستشار الإعلامي الإقليمي للمجلس النرويجي للاجئين لوكالة الصحافة الفرنسية: «لاحظنا (...) تزايدا كبيرًا في الأعداد خلال الأيام القلية الماضية، وهم الآن يتوجهون إلى مخيمات أقيمت حديثا». مؤكدًا أنّه يتوقع ارتفاع عدد النازحين كلما اقتربت القوات العراقية ودخلت مدينة الموصل. مضيفًا أنّه «أمرٌ يسبب القلق لأنّهم (القوات) لم يدخلوا المدينة حتى الآن (...) وعندما يحدث هذا، سيكون هناك نزوح جماعي كبير».
والنزوح من المشاكل التي يعاني منها العراق خلال المعارك وحتى بعد انتهائها.
كما ستكون هناك مشكلة بين بغداد وإقليم كردستان الشمالي، الذي تلعب قواته دورًا بارزًا في المعارك ضد المتطرفين؛ لكنها تمتد وتسيطر على مناطق خارج حدود الإقليم.
وسيمثل هذا الأمر مشكلة في حال مطالبة الإقليم بالاستقلال، الذي تحدث عنه رئيس وزراء الإقليم، مؤكدًا أنّه سيبحثه مع بغداد بعد الانتهاء من معركة الموصل.
من جانبه، قال رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في مقابلة نشرت اليوم إنّه يريد مناقشة «استقلال» هذه المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي فور استعادة مدينة الموصل من متطرفي تنظيم داعش. وأضاف: «نحن لسنا عربًا بل أمة كردية (...) سيكون هناك استفتاء بشأن استقلال كردستان، لنترك الناس يقرروا».
لكن معركة الموصل لم تحسم بعد، وما زالت القوات العراقية تقاتل على طريق استعادة السيطرة على المدينة.
ويقدم التحالف الدولي بقيادة واشنطن، دعمًا جويًا وبريًا للقوات العراقية التي تقاتل إلى جانب قوات البيشمركة الكردية وأخرى موالية لها، وتمكنت من استعادة سيطرتها على بلدات وقرى حول مدينة الموصل خلال الأيام الماضية.
وقال قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل لوكالة الصحافة الفرنسية، إنّ العمليات تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى بين المتطرفين. موضحًا أنّه «خلال العمليات التي جرت خلال فترة الأسبوع ونصف الأسبوع الماضيين لاستعادة الموصل، نقدر عدد الذين قتلوا من تنظيم داعش بما بين 800 و900 مقاتل».
وتقدر القوات الأميركية عدد المسلحين في مدينة الموصل بما بين 3500 وخمسة آلاف مسلح إضافة إلى ألفين آخرين في مناطق حول المدينة.
ويقول التحالف الدولي إنّ المتطرفين يتنقلون في مجموعات صغيرة ويحاولون التخفي وفقدوا القدرة على التنقل في مواكب ما يعقِّد الأمر عليهم في إجلاء قتلاهم.
وفي حال استعادة الموصل، ستكون الرقة آخر أكبر معاقل المتطرفين في مناطق سيطروا عليها في العراق وسوريا منتصف عام 2014.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.