نادين قانصو.. فنانة بقضية

«بالعربي» وسيلتها الفنية لتغيير الصورة السلبية للثقافة العربية

نادين قانصو  -  أقراط أذن من عام 2012 من مجموعة يا غالي  -  خاتم من الذهب مرصع تظهر عليه كلمة «حب» من مجموعة طرحتها في عام 2012  -  من مجموعتها «مينا» أقراط أذن مكتوب عليها ياعين  -  اقراط أذن تظهر فيها كلمة النور من مجموعتها مينا  -  أحد أعمالها عبارة عن (ورق جدران) في مهرجان التصاميم في لندن للعام 2014
نادين قانصو - أقراط أذن من عام 2012 من مجموعة يا غالي - خاتم من الذهب مرصع تظهر عليه كلمة «حب» من مجموعة طرحتها في عام 2012 - من مجموعتها «مينا» أقراط أذن مكتوب عليها ياعين - اقراط أذن تظهر فيها كلمة النور من مجموعتها مينا - أحد أعمالها عبارة عن (ورق جدران) في مهرجان التصاميم في لندن للعام 2014
TT

نادين قانصو.. فنانة بقضية

نادين قانصو  -  أقراط أذن من عام 2012 من مجموعة يا غالي  -  خاتم من الذهب مرصع تظهر عليه كلمة «حب» من مجموعة طرحتها في عام 2012  -  من مجموعتها «مينا» أقراط أذن مكتوب عليها ياعين  -  اقراط أذن تظهر فيها كلمة النور من مجموعتها مينا  -  أحد أعمالها عبارة عن (ورق جدران) في مهرجان التصاميم في لندن للعام 2014
نادين قانصو - أقراط أذن من عام 2012 من مجموعة يا غالي - خاتم من الذهب مرصع تظهر عليه كلمة «حب» من مجموعة طرحتها في عام 2012 - من مجموعتها «مينا» أقراط أذن مكتوب عليها ياعين - اقراط أذن تظهر فيها كلمة النور من مجموعتها مينا - أحد أعمالها عبارة عن (ورق جدران) في مهرجان التصاميم في لندن للعام 2014

عشر سنوات في تاريخ أي مصممة مجوهرات أو أزياء من منطقة الشرق الأوسط يعادل 30 عاما في تاريخ مصممة أجنبية، أو أكثر. هذا القول ليس تحاملا، بالنظر إلى التجارب القديمة التي تؤكد أن الكثير من الأسماء تظهر وتختفي سريعا من على ساحة الموضة، لأنها إما تصاب بالإحباط عندما لا تحقق النجاح السريع أو تمل لأن دافعها للمهنة لم يكن الشغف بقدر ما كان هواية، عدا أن المنطقة لا ترحم بحيث لا يتميز فيها سوى القوي والمثابر. من هذا المنطلق فإن احتفال المصممة نادين قانصو، بمرور عشر سنوات على إطلاقها ماركة المجوهرات «بالعربي» مسألة تستحق التوقف. في باريس، بمناسبة مشاركتها في معرض «فاشن فوروود» الذي انتقل، لأول مرة، من دبي إلى باريس مع مجموعة من المصممين والمصممات خلال أسبوع باريس الأخير، كان اللقاء معها.
نظرة واحدة إليها تؤكد أنها تعيش الفن وتتنفسه، من تسريحة شعرها القصير الممشط إلى الوراء، إلى أسلوب أزيائها التي تستوقفك بتفردها وأناقتها المريحة والمنطلقة في الوقت ذاته. ليس هناك ما يقيدها سوى تلك الخواتم والأساور المتراصة التي كانت تعانق أصابعها ومعصمها وكانت هي بين الفينة والأخرى تلمسها بحنان وكأنها تطمئن عليها أو تحميها من نظرات المعجبين التي تكاد تلتهمها. وعندما تبدأ بالحديث عن بيروت ودبي، وعن فلسفتها في الحياة وعلاقتها بالفن، تفهم سريعا سبب نجاحها: تفتحها على العالم من دون أن تنسى جذورها وإرثها العربي الذي تفتخر به وتريد أن تسوقه للعالم بأسلوب إيجابي يمحو تلك الصورة السلبية التي تكونت لديه بسبب الأحداث العربية الأخيرة وغيرها. فرغم أن مظهرها يعطي الانطباع أنها متشبعة بثقافة غربية حتى النخاع، لدهشتك، تكتشف أن وراءه اعتزازا قويا بالثقافة العربية ورغبة في إثبات أن العرب لهم حضارة وثقافة تختلف تماما عن الصورة التي تظهر في وسائل الإعلام الغربية. «بالعربي» بالنسبة لها لم يكن مجرد مشروع تجاري لمخاطبة السوق العربية ومغازلة الأسواق العالمية، بل كان نابعا من قضية قريبة على قلبها. وتفخر أنها خلال العشر سنوات، حققت جزءا كبيرا من الهدف، لكنه مجرد بداية تمني عشاق ماركتها بأن الآتي أعظم.
ما يشدك فيها أنها ليست أفضل سفيرة لماركتها، بل أيضا مسكونة برغبة محمومة في أن تختلف وتتميز. فهي ترفض التقليد أو أن تقع في مطب العادي، ولا تخفي غضبها من مصممات شابات يُقلدنها، لأنها ترى أن الباب مفتوح على مصراعيه أمامهن للتعبير عن أنفسهن وموهبتهن دون الحاجة إلى استنساخ أعمال غيرهن. «فقد يكون التقليد مقبولا أول الأمر، وربما قد أعتبره نوعا من المديح إذا كان بمعنى الاستلهام، لكن عندما يتحول إلى تقليد حرفي، فإنه يتحول إلى سرقة فنية واستسهال» حسب قولها.
قبل أن تكون نادين مصممة مجوهرات، كانت ولا تزال فنانة تعشق التصوير الفوتوغرافي وفن الغرافيك، ولا تزال تعتبر التصوير حبها الأول، معتبرة أن تصميم المجوهرات ما هو إلا «وسيلة تعبير أخرى أتفاعل بها مع الناس. فالموضة تلمس حياة شرائح أكبر من الناس وبالتالي تصل إليهم بسرعة أكبر، وربما هذا ما يجعل البعض يعرفني من خلال مجوهرات (بالعربي) أكثر مما يعرفني كمصورة فوتوغرافية شاركت في عدة معارض عالمية». وتتابع: «كلتا الوسيلتين تعبر عني.. كونهما تحملان مضمونا مشتركا هو الاعتزاز بالهوية العربية، ومعنى أن نكون عربا في عالم اليوم».
توقيت إطلاق «بالعربي» كان مجازفة ناجحة، لأنه تزامن مع الفترة التي بدأت فيها النظرة إلى كل ما هو عربي تزيد سلبية بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). أثارت هذه النظرة حفيظتها وحفزتها أن تجعلها قضيتها، وهكذا تعمدت تسليط الضوء على الجانب الإيجابي للثقافة العربية باستعمال الخط العربي وتوظيف جمالياته في قطع عصرية غير مغرقة في الفولكلور. مع الوقت تطور مشروعها وبدأت في تجربة تقنيات جديدة وإطلاق العنان لخيالها بجرأة أكبر من منطلق أنه لا حدود للإبداع. وبالفعل لم يمر سوى وقت وجيز حتى أثبتت أن كل شيء يحيط بنا في الحياة، حتى لو كان معالم حرب كما هو الحال في بيروت، يمكن أن يُلهم عقلا منفتحا. فأعمالها تتناول مواضيع اجتماعية وسياسية وأخرى عن الهوية، سواء تعلق الأمر بالتصوير الفوتوغرافي أو بتصميم المجوهرات. فقد تتغير أدواتها وموادها لكن النظرة واحدة. تشرح أنها لم «تقصد أن تكون تصاميمها تجارية بقدر ما تحمل رسالة هادفة، فبعد أحداث 9-11. تغيرت النظرة إلى العرب تماما، وعندما سمعت أن صديقة ترفض أن تسمي ابنها اسما عربيا خوفا عليه، لأنها تعيش في الولايات المتحدة الأميركية، استوقفني الأمر وجعلني أتساءل ماذا حصل، وكيف حصل وإلى أين نحن؟».
في عام 2006، جاءتها فرصة إثبات من نحن عندما اقترح عليها المشاركة في فعالية «مساء الجمعة في V&A» التي ينظمها متحف «فيكتوريا أند ألبرت» بلندن. كانت فرصة للمساهمة في تغيير النظرة إلى العرب. اختارت كعنوان لمساهمتها «اجعلني عربيًا» عبرت فيه عن فيض إيجابي من القصص العربية المعاصرة والإنسانية، من خلال توثيقها حياة العرب اليومية بالصور. «أعتقد أن الرسالة ليست للغرب فحسب بل أيضا للعرب، لأنه من السهل أن نُعمم ونضع الكل في سلة واحدة، لكن يجب أن نتذكر أن العالم يحتاج إلى الحب والتعاطف مع الغير» حسب تعبيرها.
طوال حديثها، تكرر نادين أن المسألة بالنسبة لها لم تكن سياسية على الإطلاق، بقدر ما كانت مسألة هوية وآيديولوجيا. وهذا تحديدا ما أصبح ماركتها المسجلة: تصاميم تتمحور غالبا حول كلمة حب، أو حرف عربي تُشكله بطريقة فنية وعصرية بعيدة عن التقليدي تماما، بحيث ينساب تارة ويتمدد أو يتلوى تارة أخرى، لكنه يبقى دائما محترما لخطه ومجده. فعندما أطلقت «بالعربي» كانت تريد تصاميمها أن تكون امتدادا لهذا الحب ومتنفسا آخرا للإبداع. فهي لا تقدم خواتم وأساور وأقراط أذن مصاغة بالفضة أو الذهب لمجرد الزينة، بل حرصت أن تكون كل قطعة بفنية تجعلها محور حديث وجدل فكري، وهو ما كان. خلال الحديث تتوقف لتقول: إن حبها للفن «لا يعني أنني لا أهتم بالجانب التجاري رغم عدم تحبيذي له، فهو أبينا أم شئنا ضروري. فأنا أصمم قطعا على شكل تحف فنية بأحجام كبيرة حتى أشبع بها حاجتي للإبداع الفني وفي الوقت ذاته أطرح تصاميم يمكن أن تُباع في كل الأسواق بسهولة وبأسعار معقولة حتى تمول الجانب الفني وتضمن استمراريتي».ولا تنكر نادين أنها ولدت في بيت يتنفس السياسة، وهو ما شكل نظرتها الفنية والآيديولوجية على حد سواء. فحبها للفن ولد في بيت بيروتي معظم أفراده يدمنون السياسة، ومن رحم التقلبات ومخلفات الحرب في العاصمة اللبنانية، وهو ما تسجله كاميرتها من دون كلل لحد الآن. فحتى بعد أن انتقلت للعيش في دبي منذ 16 عاما تقريبا، لم تتوقف عن الاستكشاف والبحث عن كل ما يمكن أن تلتقطه وتسجله من تغيرات اجتماعية وثقافية يمكن أن تصبح يوما تأريخا لفترات مختلفة.



تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.