مزاد بونهامز: مبيعات بـ850 ألف إسترليني.. المخطوطات القرآنية والمصاحف تكتسح

مضاربات عبر الهاتف.. وخزف أزنيك يتراجع قليلاً

دورق خزفي أندلسي يعود للقرن الـ14 بيع بـ37 ألف جنيه إسترليني  -  قميص لأحد السلاطين على الطراز الهندي الإسلامي بيع بـ25 ألفاً  -  صندوق مرصع يعود للهند بيع بـ23 ألفًا و750 إسترلينيًا  -  طبق من خزف أزنيك يعود إلى تركيا العثمانية بيع بـ25 ألفاً
دورق خزفي أندلسي يعود للقرن الـ14 بيع بـ37 ألف جنيه إسترليني - قميص لأحد السلاطين على الطراز الهندي الإسلامي بيع بـ25 ألفاً - صندوق مرصع يعود للهند بيع بـ23 ألفًا و750 إسترلينيًا - طبق من خزف أزنيك يعود إلى تركيا العثمانية بيع بـ25 ألفاً
TT

مزاد بونهامز: مبيعات بـ850 ألف إسترليني.. المخطوطات القرآنية والمصاحف تكتسح

دورق خزفي أندلسي يعود للقرن الـ14 بيع بـ37 ألف جنيه إسترليني  -  قميص لأحد السلاطين على الطراز الهندي الإسلامي بيع بـ25 ألفاً  -  صندوق مرصع يعود للهند بيع بـ23 ألفًا و750 إسترلينيًا  -  طبق من خزف أزنيك يعود إلى تركيا العثمانية بيع بـ25 ألفاً
دورق خزفي أندلسي يعود للقرن الـ14 بيع بـ37 ألف جنيه إسترليني - قميص لأحد السلاطين على الطراز الهندي الإسلامي بيع بـ25 ألفاً - صندوق مرصع يعود للهند بيع بـ23 ألفًا و750 إسترلينيًا - طبق من خزف أزنيك يعود إلى تركيا العثمانية بيع بـ25 ألفاً

فيما كانت العيون تراقب مطرقة معلن مزاد بونهامز للفنون الإسلامية والهندية، الثلاثاء الماضي، في وسط لندن، والمضاربون يحبسون أنفاسهم وهم يترقبون صور المصاحف والمخطوطات القرآنية التي اكتسحت وخطفت الأنظار والتوقعات أمام قطع خزف أزنيك التي توارت قليلا إلى الوراء، وحقق المزاد في إجماله مبيعات قدرت بـ850 ألف إسترليني في غضون أربع ساعات، رغم أن بعض القطع الخزفية حققت أسعارا غير مسبوقة، مثل قطعة أندلسية من الخزف تعود إلى ملجأ للقرن الـ14. بيعت بـ37 ألفا و500 إسترليني، وكذلك طبق من خزف أزنيك من تركيا العثمانية يعود تاريخه تقريبا إلى 1575م بيع بـ32 ألفا و500 إسترليني، وقميص لأحد السلاطين على الطراز الهندي الإسلامي بيع بـ25 ألف إسترليني وسط مضاربة عبر الهاتف مع الذين حضروا المزاد الذي حظي بإقبال كبير، كما تقول إيزابيل كوكريل، مسؤولة المعرض الفني لـ«الشرق الأوسط». وتضيف الخبيرة الفنية بيع 9 قطع من خزف أزنيك و15 مخطوطة قرآنية، فيما اكتسحت المصاحف المزخرفة بآيات من الخط الكوفي والنسخي بهوامش من زخارف نباتية مبيعات المزاد. وعلى الجانب الأيسر من المنصة، الطاولة التي يجلس عليها بعض موظفي بونهامز كانت المكالمات الهاتفية تقرر مصائر عدد من التحف الفنية المنتشرة، مثل صورة نصر الدين شاه قاجار ملك إيران (1848 - 1896) التي بيعت بـ18 ألفا و500 إسترليني، داخل وخارج القاعة في نيو بوند ستريت بوسط لندن. وبيع في المزاد أيضا صندوق مرصع يعود إلى الهند من بدايات القرن الـ19 بـ24 ألف إسترليني. كذلك مسند خشبي للمصحف الشريف مزخرف ومطعم يعود إلى الهند بـ27 ألف إسترليني، أما مخطوطة «الاستغاثة الكبرى» لأسماء الله الحسنى، ومواقعها في القرآن الكريم، مع أدعية خطها الخطاط محمد نقاش، بتكليف من فاتح محمد خانفي الهند (يرجح في مدينة باتناه) عام 1318 هجرية (1919 ميلادية) فحظيت بإقبال غير متوقع من المضاربين، وبيعت بـ20 ألف إسترليني، أما صفحة من مخطوطة الشاهنامة، التي تعتبر عملا أدبيا لغويا فنيا متكاملا فقد بيعت بـ1200 إسترليني، وكذلك تصويرة فارسية لقصص القرآن تعود للقرن الـ16 بيعت بـ1750 إسترلينيا.
وعرض في المزاد العالمي قطع فنية من فنون العالمين الإسلامي والهندي النادرة، ويتوقع أن تضرب بعض معروضاته الرقم القياسي في الأسعار، نظرا لجودتها وجمالها وندرتها، ويتميز هذا المزاد بمجموعة نادرة من المخطوطات تتصدرها تصاوير قرآنية ومخطوطة الكعبة المشرفة بتوقيع رستم غلام فنان بوبال، وهي بألوان الزيت لرسم بانورامي للكعبة المشرفة والجبال المحيطة بها وتعود التصويرة لمنتصف القرن الـ19. في عهد شاه جيهان بيجوم العصر الذهبي لمخطوطات بوبال، وتصويرة الكعبة معروضة للبيع في المزاد السنوي. وهناك أيضا قطعة من المنسوجات العثمانية مساحتها مترين ونصف في متر ونصف بألوان الأحمر والأزرق ممثلة في زهرة التوليب المكررة على أرضية من الزخارف المتناسق، تعود إلى تركيا من القرن الـ17. واحتوى المزاد أيضا على مخطوطة تشرح معركة إسكندر مع جيش الفرس، إضافة إلى ذلك يوجد بالمزاد مخطوطة عربية تبرز منظرا بانوراميا من مكة المكرمة ويرجع تاريخها إلى القرن الـ19 الميلادي. وتتسابق دور المزادات في لندن خلال أيام على عرض أثمن وأندر الكنوز من الفن الإسلامي والاستشراقي من خلال مزادات لمجموعة فنية من فنون العالم الإسلامي من جنوب آسيا إلى الهند، مرورا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وإيران وقدّم أسبوع الفن الإسلامي في بونهامز كنوزا متنوعة، بعضها ينتمي إلى مجموعات ملكية أو إمبراطورية، وبعضها يحمل لمحات تاريخية خاصة. وتستحضر أغلبية القطع المعروضة حرفا أجادها الصناع في المشرق ولم تبق منها سوى نماذج محدودة.
وعادة ما تجد هذه الكنوز النادرة منازل جديدة لها في مجموعات فردية خاصة أو معاهد أو كليات أو مراكز ثقافية متخصصة، كتلك التي أقيمت في منطقة الخليج أو في الولايات المتحدة أو أوروبا. وتبقى ندرة القطعة ومتانتها وجودة صناعتها وموادها الثمينة هي التي تملي السعر النهائي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)