«الأندلسيات الأطلسية» بالصويرة يلتئم تحت شعار «الذاكرة.. الوفاء والاستمرارية»

الدورة الـ 13 تكرم سامي المغربي وموريس مديوني وريموند البيضاوية

من دورة سابقة من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة المغربية («الشرق الأوسط»)
من دورة سابقة من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة المغربية («الشرق الأوسط»)
TT

«الأندلسيات الأطلسية» بالصويرة يلتئم تحت شعار «الذاكرة.. الوفاء والاستمرارية»

من دورة سابقة من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة المغربية («الشرق الأوسط»)
من دورة سابقة من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة المغربية («الشرق الأوسط»)

تحت شعار «الذاكرة.. الوفاء والاستمرارية»، تحتضن مدينة الصويرة المغربية، بداية من يوم الخميس المقبل، فعاليات الدورة الـ13 لمهرجان «أندلسيات أطلسية».
ويتضمن برنامج الدورة، التي تتواصل على مدى ثلاثة أيام، حفلات وأمسيات موسيقية ومنتدى ثقافيًا، بشكل يؤكد توجه التظاهرة في احتفائها بقيم التعايش والتساكن، الذي يميز الصويرة بشكل خاص، والمغرب بشكل عام.
وتنطلق دورة هذه السنة بحفل افتتاح بـ«ساحة المنزه»، تحت عنوان «شكرًا سامي»، يتم خلاله استحضار ريبرتوار غني ومتعدد الأنماط الغنائية، ما بين أندلسي وغرناطي وحوزي وشعبي مغربي، للفنان الكبير سامي المغربي، بصوت الفنانة الشابة سناء مرتحي، التي تبصم على مسار متميز، تتلوه فقرة فنية ثانية، تحت عنوان «فرجة من الفلامنغو»، من أداء روزاريو طوليدو.
وتتميز صبيحة اليوم الثاني بفقرة «منتدى الأندلسيات»، بدار الصويري، بمشاركة مفكرين وفنانين، يتداولون في قضايا لها علاقة بشعار دورة هذه السنة، فيما تخصص فترة ما بعد الزوال لفقرة فنية، تحمل عنوان «موسيقى السعادة»، تشارك فيها فرقة «سيكا موغادور» برئاسة الفنان الصويري رشيد أوشاهد، يتم خلالها تكريم العازف والمطرب والملحن الجزائري موريس مديوني، من خلال استعادة ريبرتوار من أغانيه، بشكل يفتح طريقًا، ينطلق من إشبيلية الأندلسية، ليصل إلى مدينة وهران الجزائرية.
وبما أن «الأندلسيات الأطلسية»، كما يقول المنظمون، دعوة مفتوحة لاستعادة الذاكرة وتقاسم لحظات فرح جماعي، ستسعد دورة هذه السنة باستقبال الصوت الآسر للفنانة ريموند البيضاوية، في لحظتين فنيتين، هي التي طبعت بحضورها الأغنية الشعبية المغربية، على مدى سنوات طويلة.
وكانت ريموند البيضاوية قد ألهبت حماس عشاقها، خلال الدورة السابعة من «الأندلسيات»، لذلك يعول المنظمون على «أن تخلص دورة هذه السنة لعادتها، فتذكرنا جميعًا بحلاوة الانتماء إلى أرض المغرب الطيبة».
وتحت عنوان «سفر عبر المتوسط»، ستحمل مجموعة «ملتقى السلام»، برئاسة علي العلوي، عشاق المظاهرة إلى قلب موسيقى حية تلتقي فيها الثقافات الأندلسية، والمغاربية، والشرقية والأفريقية. فيما تخصص «ليالي الصويرة» بدار الصويري، للاحتفاء بالتقاليد والإيقاعات الموسيقية الكناوية، مع «بنات كناوة».
وتتواصل فعاليات المظاهرة، في يومها الثالث، مع الجزء الثاني من «منتدى الأندلسيات»، تتلوه فقرة، تحت عنوان «بحثًا عن آخر مواليد المجموعات الأندلسية»، مع فرقة «عشاق طرب الآلة». بينما سيكون جمهور «دار الصويري»، مع فقرة موسيقية، تحت عنوان «حين تلتقي الموسيقى العتيقة مع أصوات عالمية»، مع نبيل الخالدي وناصر الهواري وكريم قاديري وعود كرافان، في استعادة للموروث الموسيقي الأندلسي، تتلوها فقرة، تحت عنوان «من إشبيلية إلى الصويرة»، ينتظر أن تمتع فيها روزاريو طوليدو جمهور «دار الصويري». فيما تختتم التظاهرة، بـ«ساحة المنزه»، في حفل يحمل عنوان «عيد الموسيقى الأندلسية».
ويشدد المنظمون، في تقديمهم دورة هذه السنة، على أن المغرب كان، دومًا وأبدا، أرضًا للتعايش والتساكن والتقاسم بين ثقافات مختلفة وحضارات من أعراق متنوعة، وأن الإرث الموسيقي اليهودي المغربي كان نتاجًا طبيعيًا لهذا التعايش والتساكن والتقاسم، مذكرًا بلحظات الفرح الجماعية التي عاشها المغاربة فيما بينهم، بغض النظر عن أصولهم وأعراقهم. ولذلك، تمثل دورة هذه السنة من «أندلسيات أطلسية»، التي يبقى الوفاء أحد عناوينها البارزة، دعوة مفتوحة لاستعادة الذاكرة وتقاسم لحظات فرح جماعي.
وأخذًا بعين الاعتبار أهداف المهرجان، التي يبقى على رأسها توثيق أواصر العلاقات التاريخية العربية الإسلامية اليهودية، فإنه يحسب للتظاهرة، بحسب عدد المتتبعين، أنها استطاعت أن تبرز نموذجًا فنيًا، غنيًا ومتفردًا ومتنوعًا، في ماضيه، يمنح مدينة الصويرة، في الوقت الحاضر، فرصة استعادة واستحضار تلاقح ثقافي أثرى لحظات مهمة من تاريخ منطقة الغرب الإسلامي، بشكل ينعش الذاكرة، ويمكن من استرجاع نفحات حضارية مشرقة من فترات التعايش والتمازج الثقافي، في أرض المغرب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».