متحف تاريخ الفنون.. 125 عامًا من الأصالة النمساوية

شيده الإمبراطور فرانز الأول ليضم أهم مقتنيات {الهابسبرغ} تحت سقف واحد

متحف تاريخ الفنون.. 125 عامًا من الأصالة النمساوية
TT

متحف تاريخ الفنون.. 125 عامًا من الأصالة النمساوية

متحف تاريخ الفنون.. 125 عامًا من الأصالة النمساوية

فتح متحف تاريخ الفنون في العاصمة النمساوية فيينا أبوابه مجددا هذا الأسبوع في الذكرى الـ125 على تشييده. إذ حرص الإمبراطور فرانز جوزيف الأول عام 1891 على الإشراف على تشييد مبنى يضم أجمل وأهم مقتنيات الفن النمساوي تحت سقف واحد آنذاك.
واليوم، بات يعرض المتحف لوحات لأشهر الفنانين من العصور الوسطى وهدايا قيمة وملابس حربية وآثارًا فرعونية وإغريقية ورومانية وعملات وآلات موسيقية ومنتجات صناعية جميعها من مقتنيات أباطرة من أسرة الهابسبرغ. ويعتبر المتحف الجميل موقعا للتراث العالمي حسب تصنيفات منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون «اليونيسكو».
ولا يزال المتحف الذي يعد واحدا من أفخم وأكبر المتاحف الفنية عالميا يخضع لعمليات ترميم وصيانة راتبة وبصورة دورية لا تنقطع جدولتها الصارمة حتى بسبب مناسبة مشهودة كالاحتفالات بمرور 125 سنة على افتتاحه.
وفي هذا السياق تنبه إدارة المتحف ضمن ترحيبها بالضيوف لإغلاق الصالات 21 - 24 بسبب أعمال بناء لتجديد وصيانة تنتهي 11 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم للغرف 3 و4 و5 و7 ما يستبعدها ومعروضاتها عن برنامج الاحتفالات.
ولا يقلل استبعاد تلك الصالات رغم الفنون الرفيعة التي تستوعبها من قيمة برنامج الاحتفالات إذ أبدع المشرفون على المناسبة في تقديم عروض مستحدثة تشد الأنظار وتثير الإعجاب اعتمادا على معارض متخصصة بالإضافة لاستخدام تقنية مبتكرة منها ما يقرب جماليات سقف قبة التحف الشاهقة ويجعلها في متناول عيني الزائر عبر شاشات تعمل باللمس فيبدو السقف وجمالياته وكأنه أمام المرء على مستوى النظر مباشرة.
ومعلوم أن قبة سقف متحف تاريخ الفنون من أفخم القباب بما تحمله من زخرفة ملونة ونقش دقيق يمتد على مساحة 102 متر مربع تغطي السقف المكور ناهيك بفخامة وروعة السلالم والجدران والأعمدة الضخمة الشاهقة.
ويتضمن برنامج الذكرى الـ125 معارض متخصصة منها معرض باسم «وجبة للنظر» ابتداء من الأسبوع الحالي وحتى 29 يناير (كانون الثاني) 2017 تركز على معروضات خلال الـ40 سنة الأولى منذ افتتاحه.
ومعرض ثانٍ بعنوان «عبر الليل... رحلة سفر خوفا في الظلام» تضم أعمالاً خاصة للفنان الألماني الأشهر البرخت دورر 1471 - 1528 قام باختيارها، من ضمن أعمال دورر الكثيرة، الفنان والمؤلف البريطاني، أدموند دي وال، الذي وصف المتاحف عموما بأنها «ليست مخازن لأعمال ميتة وإنما مواقع لاستلهام قصص ورؤى تستنبط من تلك الأعمال».
وفي هذا السياق، اختار أدموند وال أعمالا منوعة لدورر ورسوماته المائية والزيتية والنحتية ومحفورات لا يمكن بأي حال وصفها بأعمال ميتة إذ لا تزال تلهم الكثيرين لدراستها ومحاولة قراءتها وتفسيرها والاستمتاع بدقتها خاصة وأن دورر لم يكتف بالنحت والحفر على الخشب أو الرسم على لوحات ورقية وقماش بل نحت حتى على المعادن.
ومن ضمن أجمل مقتنيات المتحف، أعمال البرخت دورر المحببة لدى النمساويين وخصوصا مجسمه «الأرنب وعيون العنبر» الذي يصور أرنبا بريا يافعا له عيون بلون العنبر. كذلك يعشق النمساويون تقديم قراءات للوحة البرخت دور المعدنية المسماة «ميلينكوليا 1» التي نحت فيها هيئة رجل له جناحان ضخمان يبدو مستغرقا في تفكير عميق ومن حوله مجموعة أشياء غريبة غير متناسقة من بينها جمجمة بشرية باهتة وكرة أرضية وأدوات نجارة ومسامير وكلب هزيل ومن خلفه حائط لا يخلو بدوره من مجموعة أشياء متنافرة منها جرس وميزان وساعة رملية ومال ومفاتيح.
«ميلينكوليا 1» رغم كل هذه السنين لا تزال تثير شهية للجدل ومختلف القراءات، وهناك من يراها سوداوية قمة في الكآبة، ومن يراها مجرد «استراحة محارب» سوف يعاود العمل في أكثر من مهمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».