النقد السينمائي العربي أمام أسئلة صعبة

مشاكله من نوعين: حديثة ومتوارثة

صورة غلاف كتاب الناقد أحمد شوقي.
صورة غلاف كتاب الناقد أحمد شوقي.
TT

النقد السينمائي العربي أمام أسئلة صعبة

صورة غلاف كتاب الناقد أحمد شوقي.
صورة غلاف كتاب الناقد أحمد شوقي.

* في كتابه القيّـم «محظورات على الشاشة: التابو في سينما جيل الثمانينات»، يصل المؤلف أحمد شوقي للتحديد، في الصفحة 198، إلى أن أحد أسباب طبيعة السينما الكلاسيكية المصرية خلال الخمسينات والستينات يعود إلى «غياب الحركة النقدية الفعالة». ويعتبر شوقي، وهو ناقد سينمائي ملتزم، أن النقد الجاد «لم يظهر في مصر سوى خلال السبعينات» ما ساعد على تطوير صناعة الفيلم السينمائي التي كان يقودها مخرجو تلك الفترة.
هذا الاستخلاص يلائم موضوع الكتاب المتمثّـل في بحث أعمال ثلة من المخرجين المصريين الذين باشروا مهامهم في الثمانينات وإذ فعلوا حفروا تيارًا جديدًا بمواكبة نقدية فاعلة. من بينهم عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد والراحل مؤخرًا محمد خان.
الكتاب ليس عن النقد والنقاد، لكن ما يذكره في هذا الخصوص مهم، خصوصا أن تأثير النقد على الحركة الإنتاجية أمر لا يمكن رصده حاليًا أو الحديث عن أنه ما زال واقعًا.
هناك هوّة كبيرة بين النقد السينمائي والقائمين به وبين المخرجين وصانعي الأفلام. ليس أنها حال شاملة بين كل ناقد وكل صانع أفلام، لكنها حال منتشرة متعددة الأسباب والظواهر. وإذا ما تجاوزنا أن الكثير من المخرجين العاملين في السينمات العربية كلها، ينظرون إلى النقد السينمائي نظرة مزدوجة قائمة على ما إذا كان النقد إيجابيًا لصالح الفيلم أو سلبًا حياله، فإن هناك مشاكل في النقد السينمائي العربي بعضها متوارث والبعض الآخر حديث.
علينا في البداية التأكيد على أن هذا الوضع ليس وضعًا عربيًا فقط. الحال نفسه تجده، ربما على نحو متباين، في الكثير من الدول المتقدّمة منها في صناعة الفيلم أو غير المتقدّمة. في الواقع أن نظرة إلى الماضي وصولاً إلى اليوم ستظهر أن النقد السينمائي - إذا ما تم جمعه من كل أطراف الأرض - هو تسجيل لمواقف مع ومواقف ضد. نقد لجوانب مختلفة. سعي لتأكيد الذات النقدية وأحيانًا معارضة ذاتية المخرج في المقابل. هذا ما يطلق عليه ناقد صحيفة «ذا نيويورك تايمز» أ. أو. سكوت وصف «مختصر من الآراء والتحليلات والنقاشات المسجلة» في كتابه الجديد «حياة أفضل عبر النقد».
* تشرذمات وشللية
البديهي قوله هو أن السينما ذاتها فن معقد تمامًا كالفن بصفة عامّـة منذ أن وضع تعريفه الأول عند بلاتو وأرسطو وغيرهما من فلاسفة العهد الإغريقي. لذلك ليس من المجدي أن يضع كل صاحب رأي رأيه على الصفحة الماثلة أمامه ويعتبره نقدًا. في الوقت ذاته، يتعامل النقد الفعلي مع ثقافة اجتماعية مؤلفة من جزر منفصلة بين النقاد أنفسهم، ثم بينهم وبين المخرجين وصانعي السينما الآخرين. في زمن تعلو فيه المشاعر الشوفينية والنرجسية ويجد المخرج نفسه أمام فرصة ما يسمّـى بـ«15 ثانية من الشهرة» (الفترة الرمزية التي يستغرقها وآخرون في العمل السينمائي ما بين الظهور والانضواء) فإن عمل النقاد يصبح أصعب مما كان عليه في تلك الفترة السابقة عندما كانت الاستجابة للنقد تتم بين جيل الثمانينات وجيل ما قبله على حد سواء.
في تلك الآونة تبلورت فرصة أن يشكل النقد السينمائي حالة وجدانية فاعلة تلحق بما حدث من قبل في عقود سابقة في هوليوود كما في السينمات الأوروبية القريبة. لكنها فرصة لم تتحقق وإن فعلت ففي شللية أصيبت بالتخمة الذاتية كما حدث للكثير من الأفراد الذين بقوا خارج تلك الشللية.
الوضع لم يتطوّر إلى الأفضل مع ظهور المساحات التعبيرية السخية التي وفرها العصر التقني الحاضر. في الأساس، ما زالت القوّة الفعلية للناقد متمثلة في الصحف والمجلات الورقية. وبعض أفضل النقاد العرب هم ممن يحررون صفحاتهم في الجرائد الصادرة في بلاد العرب وفي خارجها بالعربية. لكن الكثير من النقاد الجيدين منسحبون منذ فترة وهناك عدد منهم باشر الكتابة مؤخرًا ثم قرر التوقف في ظاهرة متكررة ربما سببها تساؤل حق يطرحه كل منا على نفسه مرات ومرّات وهو إذا ما كان هناك فائدة تذكر من النقد السينمائي.
السؤال عويص، خصوصا أنه لا يعني بالضرورة الفائدة المادية، بل يقصد كيان النقد السينمائي أساسًا. فالتجاوب المنظم حياله، من قبل المخرجين والمنتجين والجمهور، شبه غائب، والمضامين النقدية لا تحقق نتائج على جهة تحسين المستوى الفني للإبداع السينمائي كما أن البحث عن منفذ أكثر إشباعًا للرغبات الذاتية لا يوازيه همّا سوى التباعد بين النقاد مهما التقوا.
في كل ذلك، هناك الكثير من اللوم (لكن ليس كله) يقع على النقاد أنفسهم.



شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
TT

شاشة الناقد: حرب ومجرم

لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)
لقطة من «إسرائيل- فلسطين على التلفزيون السويدي» (رزرڤوار دوكس)

‫ISRAEL PALESTINE ON SWEDISH TV 1958-1989 ★ ★ ☆‬

تاريخ القضية الفلسطينية على الشاشة السويدية

حسب المخرج السويدي غوران أوغو أولسن فإن هذا الفيلم استغرق 5 سنوات قبل إتمامه. 200 دقيقة من أرشيف التلفزيون السويدي الذي تابع الوضع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ وثيقة هرتزل وتأييد بريطانيا لها حتى عام 1989 الذي كانت القضية ما زالت تبرح مكانها ما بين نازحين فلسطينيين وسُلطة إسرائيلية حاكمة.

يعرض المخرج مراحل مختلفة، بما فيها مرحلتا الحروب الصعبة التي خاضتها بعض الدول العربية، كما تلك العمليات الفدائية التي قام بها الفلسطينيون في ميونيخ وسواها. هذه التغطية الموسّعة تشمل الدور الذي لعبه ياسر عرفات خلالها والمحاولات الجادة أحياناً لإيجاد حلٍّ ما لقضية شعبين. أحدهما نزح من قراه ومدنه والآخر نزح إليها واحتلها.

كثيرٌ ممّا يعرضه الفيلم مرّ، مثل تاريخ في الأفلام الوثائقية المنتجة في الغرب (وبعض ما أُنتج في سوريا والعراق والأردن ولبنان في السبعينات والثمانينات). لذلك ليس هناك جديدٌ يُضاف فعلياً إلّا لمن فاتته تلك الأفلام ويتطلّع إلى عمل يستعرضها كاملة. هذا هو الدور المُناط بالفيلم الذي يوفّر أسبابه.

نقطتا اهتمام هنا، الأولى أنه مؤلّف من وثائقَ استخرجها أولسن من أرشيف ضخم للتلفزيون السويدي (SVT) وانكبّ عليها فحصاً ومحصاً حتى ألَّف هذا الفيلم الذي يُعيد الاعتبار لنوعٍ من العمل الصّحافي والريبورتاجات التلفزيونية في تلك الفترة. الثانية أن الفيلم يقف على الحياد غالباً، لكنه لا يُخفي أحياناً تعاطفاً مع الفلسطينيين في مشاهد عدّة تحيط بما عانوه.

* عروض مهرجان ڤينيسيا.

DON’T MOVE ★ ★ ★‬

تشويق يسود رغم ثغرات حكايته

الطلب بعدم الحركة موجه إلى بطلة الفيلم (كيلسي أسبيل). شابة خطفها مجرم (فين ويتروك) وحقنها بما يشلّ حركتها. تستطيع أن ترى وترمش وبالكاد تحرّك أصابع يديها لكنها، في غالب أحداث الفيلم، حبيسة هذه التركيبة التي وضعها المخرجان برايان نيتو وآدم شيندلر بعناية وبإخراج جيدٍ إلى حدٍ مقبول.

كيلسي أسبيل في «لا تتحركي» (هامرستون ستديوز)

ينطلق الفيلم من لحظات حاسمة. تقف بطلته على حافة جبلٍ تفكّر بإلقاء نفسها بعدما فقدت ابنها الصبي. يُنقذها الرجل نفسه الذي يريد قتلها. بذلك، المرأة التي كادت أن تنتحر هي نفسها التي باتت تصارع من أجل بقائها حيّة.

يختفي من الفيلم التبرير المطلوب للطريقة التي يتّبعها القاتل للتخلص من ضحاياه. إذا كان سيقتلهن لماذا لا يفعل ذلك مباشرة؟ هناك مفارقات أخرى كانت تتطلّب سدّ ثغرات، واحدة منها، أن المرأة تنطق لأول مرّة منذ اختطافها بعد دقائق من اكتشاف شرطي للحالة المريبة. لم تستطع أن تنطق بالكلمة المأثورة «Help» حينها، لكنّها نطقت بعد دقائق قليلة وتكلّمت بلا عناء. لو نطقت بها في الوقت المناسب لما تغيّر المشهد لأن المجرم سيقتل الشرطي في جميع الأحوال، ولكان الفيلم استفاد من تبريرٍ أقوى لشكوك رجل الأمن.

* عروض منصّات.

ذكرياتي مليئة بالأشباح ★★

الحرب السورية في ذكريات الذين عانوا

يتبع هذا الفيلم التسجيلي السوري، من إخراج أنَس زواهري، سلسلة الأفلام التي تناولت الحرب، مثل «آخر رجال حلب» و«العودة إلى حمص» و«لأجل سما»، التي دارت في مرحلة ما عُرف بـ«ثورة الربيع» قبل أكثر من 15 سنة. يختلف عنها بأنه لا يتقرّب من الجماعات التي حاربت الحكومة ويشيد بها، لكنه - في الوقت نفسه - بعيدٌ عن أن يصفّق لنظام أو يشيد به.

«ذكرياتي مليئة بالأشباح» (ويند سينما)

إنه عبارة عن ذكريات عدد من المتحدّثين وحكاياتهم خلال الحرب التي دارت حول وفي مدينة حمص خلال تلك السنوات. يوفّر صور دمار الأحياء ومقابلات مع أصحاب تلك الذكريات وهم ينبشون في ماضٍ قريب وما يحمله من آلام نفسية وعاطفية على خلفية ذلك الدمار. يختار الفيلم أن نستمع لأصوات أصحاب الذكريات في حين تتولّى الكاميرا تصويرهم صامتين ينظرون إليها أو بعيداً عنها. هذا بالطبع لجانب صور الأحياء والمباني والشوارع التي لا تعجّ بالحياة كسابق عهدها.

معظم ما يسرده الفيلم من ذكريات لا يُضيف جديداً ولا ينبش عميقاً. هو وصف مؤلم لحالات يمكن تقدير مصادر أحزانها وأسبابها، لكن الإخراج يختار أن يمضي في خطٍ غير متصاعدٍ ولا يتجنّب تكرار السّرد بالوتيرة نفسها (ولو بذكريات مختلفة). طبعاً لا يتوخّى المرء فيلماً يسرد ما هو حزين ومؤلم بفرح وغبطة أم بإثارة، لكن اعتماد توالي تلك الذكريات يؤدّي بعد سماعها إلى استقبالٍ يبدأ مثيراً للفضول وينتهي فاتراً.

* عروض مهرجان الجونة‫‫

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز