لبنان: «الرئاسة» تطيح بفريقي 8 و14 آذار قبل أشهر من الانتخابات النيابية

تحديات كبيرة تواجه العهد الجديد.. وتشكيل الحكومة أول اختبار للتحالفات

لبنان: «الرئاسة» تطيح بفريقي 8 و14 آذار قبل أشهر من الانتخابات النيابية
TT

لبنان: «الرئاسة» تطيح بفريقي 8 و14 آذار قبل أشهر من الانتخابات النيابية

لبنان: «الرئاسة» تطيح بفريقي 8 و14 آذار قبل أشهر من الانتخابات النيابية

بعد تبني رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، باتت مسألة فوزه بالانتخابات المنتظرة في 31 من الشهر الحالي محسومة من ناحية عدد الأصوات التي سينالها، وإن كان لا يمكن الحسم بالموضوع الرئاسي في لبنان حتى الربع ساعة الأخيرة نظرا للتعقيدات التي ترافق عادة استحقاقات مماثلة. وعلى وقع المشاورات التي بدأت عمليا لضمان حد أدنى من التوافق الوطني على أسس العهد المقبل، بدأ الحديث عن التحديات المرتقبة ما بعد انتخاب الرئيس، ولعل أبرزها تشكيل الحكومة بعد تفكك التحالفات السياسية السابقة، وما سيرافق ذلك من شد حبال بين الفرقاء الذين سيسعى كل منهم لكسب أكبر عدد ممكن من الحقائب الوزارية والوزارات السيادية.
وقد أطاح الملف الرئاسي إلى حد بعيد بفريقي 8 و14 آذار اللذين برزا منذ العام 2005 على خلفية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. كان الفريق الأول يضم كلا من ما يسمى «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه عون وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتيار «المردة» الذي يتزعمه النائب سليمان فرنجية، بالإضافة إلى الأحزاب المحسوبة على النظام السوري، في حين كان يضم الفريق الثاني إلى جانب تيار «المستقبل»، الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية» الذي يرأسه سمير جعجع وحزب «الكتائب» الذي يرأسه النائب سامي الجميل وشخصيات أخرى مستقلة. أما اليوم، فتغيرت التحالفات خصوصا بعد التفاهم الذي تم بين عون وجعجع وأخيرا تفاهم «التيار الوطني الحر» مع تيار «المستقبل» بالتزامن مع تدهور العلاقة إلى حد غير مسبوق بين عون وبري. وإذ رجّح وزير الداخلية السابق زياد بارود استمرار التباينات داخل الفريق الواحد معتبرا أنّه من المبكر الحديث عن شكل التحالفات الجديدة، تحدث وزير العدل السابق إبراهيم نجار، الذي كان أحد الوزراء المحسوبين على حزب «القوات» في حكومة الحريري السابقة، عن تفكك فريقي 8 و14 آذار سياسيا وانتخابيا ولكن ليس من ناحية الأهداف القومية والسياسة العليا. أما الرئيس السابق لحزب «الكتائب اللبنانية» والوزير السابق كريم بقرادوني، فاعتبر أن الرئاسة أسقطت التحالفات التي كانت قائمة بانتظار أن تفرز الانتخابات النيابية المقبلة قوى وتحالفات جديدة.
وتدخل البلاد، بحسب بارود، في «دينامية سياسية جديدة» مع انتخاب رئيس للبلاد، على أن يكون هناك من يقف إلى جانب العهد الجديد ورئيسه ويحالفه، ومن يصطف في محور المعارضة، لافتا إلى أنه مع إعلان الحريري دعم عون رئاسة البلاد «تم خلط الأوراق والتمهيد للدخول في عهد جديد، وهو لا شك ما سيخلق جوا سياسيا مختلفا باعتبار أن انتخاب رئيس للبلاد سيحتم تشكيل حكومة جديدة وإعطاء أجوبة واضحة بخصوص قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية كما سيحرك الجمود ويضع حدا للمراوحة القائمة منذ أكثر من عامين ونصف». وقال بارود لـ«الشرق الأوسط»: «أما العنصر الأهم في كل المشهد الجديد، فقدرة اللبنانيين على لبننة الاستحقاق وهي المرة الأولى التي ننجح بذلك منذ الانسحاب السوري من لبنان».
وقرأ نجار قرار الحريري ترشيح عون من زاوية إقدام بعض المعنيين بالأزمة الرئاسية والترشيحات على اتخاذ مواقف ملزمين بها لما يعتقدون أنّه مصلحة لبنان العليا، المتمثلة في وقف مفاعيل الفراغ الرئاسي وتداعياته. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «علينا أن نقر أن كل الحريصين على لبنان يريدون حلا للأزمة الرئاسية حتى ولو لم تكن متفقة مع ما يتمنونه، أما السؤال الذي يطرح نفسه، فهو لماذا لم يأت هذا الحل من عامين ونصف، لكنا جنبنا المؤسسات مزيدا من التفكك».
وشدّد نجار على أن المطلوب حاليا من عون، في حال انتخابه رئيسا، 3 أمور بشكل أساسي، أولا، ألا ينقلب على التحالفات الجديدة التي شهدناها ويبقى بالتالي ضامنا لمصالح تيار المستقبل وحزب القوات. ثانيا، أن يتمايز عن السياسات التي تميّز حلفاءه السابقين وأبرزهم ما يسمى «حزب الله»، وثالثا، أن يتصرف بصفته رئيس دولة بكل ما للكلمة من معنى فيكون على مسافة واحدة من الجميع.
وفور إعلان الحريري تبني ترشيحه للرئاسة، بدأ عون سلسلة اتصالات ومشاورات سعيا وراء تفاهم وطني جامع على أسس العهد المقبل التي تقتصر بشكل أساسي، بحسب بقرادوني، على إعادة الهيبة للدولة، وضمان الأمن اللبناني، وتحريك عجلة المؤسسات التي توقفت منذ عامين ونصف، لافتا إلى أن «لا مجال على الإطلاق للمقارنة بين ما كان عليه عهد الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان وما سيكون عليه عهد العماد عون». وقال بقرادوني لـ«الشرق الأوسط»: «العماد عون سيُقدم مشروعا لحكم قوي وهو مشروع توافقي بامتياز يرتكز على حكومة وحدة وطنية، علما بأننا نعي تماما أن الحكم في هذه المرحلة لن يكون سهلا على الإطلاق ولا طريق الجنرال مزروعة بالورود نظرا للتعقيدات الكبرى التي تمر فيها المنطقة».
ولا يبدو أن أيا من القوى السياسية مقتنعة بتمسك بري بالموقف الذي أعلنه لجهة إمكانية انضمامه إلى صفوف المعارضة مع انتخاب العماد عون رئيسا، وفي هذا السياق، قالت مصادر مطلعة إن لبري مطالب بدأ العمل على تلبية معظمها ليكون جزءا من العهد الجديد ورئيسا للبرلمان المقبل.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم