تمكين السعوديات من إصدار «سجل الأسرة» يصطدم بخيارات الحجز الإلكتروني

موقع «الأحوال» يحصره في «المطلقات والأرامل».. والمتحدث الرسمي: القرار يشمل المتزوجات

تمكين السعوديات من إصدار «سجل الأسرة»  يصطدم بخيارات الحجز الإلكتروني
TT

تمكين السعوديات من إصدار «سجل الأسرة» يصطدم بخيارات الحجز الإلكتروني

تمكين السعوديات من إصدار «سجل الأسرة»  يصطدم بخيارات الحجز الإلكتروني

رغم مرور عدة أشهر على قرار تمكين المرأة السعودية من إصدار سجل أسرة (بطاقة العائلة) لها ولأبنائها، فإن صفحة حجز المواعيد في الموقع الرسمي لوكالة الأحوال المدنية لا تزال تقصر إمكانية التسجيل لطلب سجل الأسرة على فئة المطلقات والأرامل دون المتزوجات.
ويبدو أن حصر حجز المواعيد الإلكتروني في فئتي المطلقات والأرامل سبب لبسًا لدى سيدات سعوديات يرغبن في التقدم بطلب إصدار سجل الأسرة واعتقدن أن القرار لا يشملهن لأنهن متزوجات، وذلك بالنظر لما تتضمنه قائمة حجوزات الموعد الرسمي لوكالة الأحوال المدنية.
في حين أكد لـ«الشرق الأوسط» محمد الجاسر، المتحدث الرسمي باسم «لأحوال المدنية»، أن القرار «يشمل النساء كافة، بمن فيهن المطلقات والأرامل والمتزوجات، سواء كانت زوجة لرجل معدد أم لا»، مضيفا أن أي امرأة تستطيع حجز موعد لإصدار سجل الأسرة ما دام معها هوية وطنية. وقال بشأن خيارات الموقع الإلكتروني: «هذا فقط الآن، وسيجري تعديل في صفحة المواعيد.. الأمر جاء ليشمل كل النساء».
وأشار الجاسر إلى أن تعديل خانة حجز المواعيد إجراء فني ستسعى الوكالة لإجرائه لاحقا، مؤكدا في الوقت ذاته على أن الحجز الإلكتروني للمواعيد هو الخيار الوحيد لأي راغبة في إصدار سجل الأسرة أو الحصول على الخدمات الأخرى التي تتيحها وكالة الأحوال المدنية، علما بأن هذه الخدمات تشمل: إصدار بطاقة الهوية الوطنية الجديدة، وتجديد بطاقة الهوية الوطنية، وإصدار بطاقة هوية وطنية بدل تالف، وتسجيل واقعة طلاق، وتعديل المهن، وطلب شريحة بيانات (برنت).
ويساعد القرار الذي أصدرته الوكالة حول تمكين النساء السعوديات من إصدار سجل للأسرة، في علاج كثير من القضايا ويمنع إشكالية احتفاظ الأب بكل الأوراق الثبوتية المتعلقة بالمرأة أو أبنائها، وعلى رأسها سجل الأسرة، مما يعوق في بعض الأحيان مراجعة المستشفيات أو تسجيل الأبناء في المدارس، وهو ما كان يمثل تحديًا كبيرًا للمرأة السعودية، حتى جاء القرار الذي مثّل نقلة كبيرة في تحسين أوضاع النساء السعوديات.
وكانت الأحوال المدنية أوضحت سابقًا أن المستفيدات من سجل الأسرة «كل أم سعودية تحمل هوية وطنية ولديها أبناء سعوديون مضافون في سجل والدهم ومرتبطون بسجلها»، على أن تتضمن مميزات ذلك «إثبات صلة الأم بالأبناء، وتمكين الأم من مراجعة أي جهة تطلب إثبات الأبناء، وتمكن الأم من المطالبة بحقوق أبنائها»، بحسب الأحوال المدنية.
يذكر أن هذا القرار يأتي بعد التعديلات التي أجراها عدد من أعضاء مجلس الشورى على نظام الخدمة المدنية من إضافة تعريف لدفتر العائلة (وثيقة رسمية تحدد علاقة الأولاد دون سن الخامسة عشرة بوالديهم وتعرف بهم)، كما شمل التعديل المواد الثالثة والعشرين والثامنة والعشرين والثلاثين، بهدف منح الأم وثيقة رسمية تثبت صلتها بأبنائها.
من ناحية أخرى، أعلنت وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية الأسبوع الماضي تسيير عرباتها لخدمة النساء في محافظات جديدة، عبر زيارة الوحدات المتنقلة التي تُقدم جميع خدمات السجل المدني للمواطنات، كإصدار الهوية الوطنية وتجديدها، إضافة إلى إصدار سجل الأسرة للأمهات، وهو إجراء يسعى لتيسير استفادة المواطنات من هذه الخدمات.
وأفاد الجاسر بأن على المواطنة تسجيل طلب الإصدار بالقسم الرجالي عن طريق ولي أمرها، ثم سيتم الاتصال بها لإخبارها بموعد تقديم الخدمة لها. وأوضح أن الوحدة المتنقلة تقوم مقام مكاتب الأحوال المدنية وتقدم فيها جميع خدمات المكتب، ومن أهدافها زيارة المحافظات والقرى التي لا توجد بها مكاتب للأحوال المدنية لخدمة المواطنين إلى حين افتتاح مكتب خاص بها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)