«لوحة في كل بيت».. واحة تروي ظمأ عشاق الفن التشكيلي

معرض يقام في «أتيليه جدة للفنون الجميلة» وتصاحبه ندوات ثقافية

إحدى لوحات الفنان جمال قطب  - من أعمال الفنان فهد الحجيلان - لوحة للفنان محمد الطرواي ({الشرق الأوسط}) - مجسم  للفنان محمد الثقفي - من أعمال الفنان محمد ربيع - من مجموعة الفنان عمر النجدي
إحدى لوحات الفنان جمال قطب - من أعمال الفنان فهد الحجيلان - لوحة للفنان محمد الطرواي ({الشرق الأوسط}) - مجسم للفنان محمد الثقفي - من أعمال الفنان محمد ربيع - من مجموعة الفنان عمر النجدي
TT

«لوحة في كل بيت».. واحة تروي ظمأ عشاق الفن التشكيلي

إحدى لوحات الفنان جمال قطب  - من أعمال الفنان فهد الحجيلان - لوحة للفنان محمد الطرواي ({الشرق الأوسط}) - مجسم  للفنان محمد الثقفي - من أعمال الفنان محمد ربيع - من مجموعة الفنان عمر النجدي
إحدى لوحات الفنان جمال قطب - من أعمال الفنان فهد الحجيلان - لوحة للفنان محمد الطرواي ({الشرق الأوسط}) - مجسم للفنان محمد الثقفي - من أعمال الفنان محمد ربيع - من مجموعة الفنان عمر النجدي

للعام التاسع على التوالي ينظم «أتيليه جدة للفنون الجميلة» معرضه السنوي «لوحة في كل بيت»، ويشارك في المعرض نخبة من الفنانين السعوديين والعرب، ويفتتح في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ويستمر لمدة شهر، وتصاحبه ندوات فنية وثقافية.
من جانبه، قال هشام قنديل مدير «الأتيليه»، إن معرض هذا العام يشارك فيه تشكيليون من المملكة، إلى جانب فنانين من دول عربية، منوهًا بالمعرض التشكيلي الذي أقيم أخيرًا في القاهرة، ونظمته نقابة التشكيليين المصريين تحت نفس الاسم. ويحظى هذا المعرض باهتمام شريحة جديدة من مقتني الأعمال الفنية للفنانين السعوديين والعرب.
وقال قنديل إن الهدف الأساسي للمعرض هو «التأكيد على الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يلعبه الفن التشكيلي، خصوصًا أن هناك فجوة كبيرة بين الفنان والمجتمع».
ولاحظ قنديل أن «الفن التشكيلي ينفصل عن قاعدته الشعبية بسبب غلاء أسعار اللوحات، مما أدى إلى تراجع الفنون، وكذلك الذائقة الفنية، وهو ما يجعل الحاجة ماسة إلى تواصل اجتماعي حقيقي للارتقاء بالذوق الجمالي».
وقال إن «أتيليه جدة للفنون الجميلة» حرص على أن يضبط أسعار اللوحات التشكيلية، لكي تتراوح أسعار الأعمال الفنية المقدمة للمعرض بين 300 ريال و2000 ريال، لتكون في متناول جميع الفئات للمساهمة بأن يكون الفن التشكيلي جزءًا رئيسيًا وضروريًا في حياتنا.
وقال قنديل إنه كان من الضروري استمرارية هذا المعرض بشكل سنوي، وخصوصًا لما حققته المعارض الثمانية السابقة من نجاح فاق كل التوقعات، حيث شهدت هذه المعارض حضورًا جماهيريًا كثيفًا، وتباع غالبية أعماله، فضلاً عما لقيه المعرض من دعم إعلامي وثقافي داخل المملكة وخارجها.
ويشارك في هذا المعرض الفنانون: عبد الله الشلتي، وعبد الله حماس، وفهد الحجيلان، وعبد الله إدريس، وفهد خليف، ورياض حمدون، وإحسان برهان، وعبد الرحمن المغربي، وسعيد العلاوي، وسعيد لافي، ومحمد الشهري، وباسم الشرقي، وعلا حجازي، وأحمد الخزمري، وأحلام المشهدي، وريم الديني، وفيصل الخديدي، ومحمد الثقفي، ونهار مرزوق، ومحمد الرباط، ومحمد الجاد، ومحمد العبلان، وموضي الحربي، ومنيرة محمد، وطارق هاشم، وسحر شعبان، وبدرية المالكي، ودينا رجب، وصادق غالب، ورهيفة بصفر، ومريم بفلح، وعبد الله بن صقر، وصالح الشهري، وجيلان الغامدي، وسهام منصور، ومها عبد المطلوب، ومحمد غبرة، ومازن صفطة، وعارف الغامدي، وأحمد ربيع، وأشواق دالي، وفوزية الكعبي، وأمينة آل ناصر، ومحمد قحل، ودعاء شعلان، وفاطمة محيي الدين، ومهدي عقيلي، وحسين دقاش، وميساء مصطفي، وفاطمة رجب، وفاطمة الحكمي، وريهام بارك، وأماني برديسي، وفوزية الكعبي.
ومن الفنانين والفنانات العرب يشارك كل من: الدكتور أحمد نوار، وجورج بهجوري، ود. محمد عرابي، وشاكر المعداوي، وعماد إبراهيم، وساندي أحمد، وعدلي رزق الله، ومصطفى رحمة، وعصمت داوستاشي، ومحسن شعلان، وأحمد رجب صقر، وطه القرني، وسوزان سعد، والزعيم أحمد، وجوزيف الدويري، وعبد العزيز بوبي، ووليد جاهين، ولميس الحموي، وفتنة جلال، ورأفت أحمد، وحامد سالم، وغادة معوشي، وغادة النجار، ومحمد ربيع، وداليا الكيالي، وإيهاب لطفي، وعبد الحميد الفقي، ومحمد توفيق، وشيرين مصطفى، ورانيا القاسم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)