ميلانو تودع كاتبها الشهير داريو فو تحت زخات المطر

حاز جائزة نوبل للآداب قبل 19 عاما

ميلانو تودع كاتبها الشهير داريو فو تحت زخات المطر
TT

ميلانو تودع كاتبها الشهير داريو فو تحت زخات المطر

ميلانو تودع كاتبها الشهير داريو فو تحت زخات المطر

صادفت وفاة الكاتب الإيطالي العملاق داريو فو وقد بلغ تسعين عاما والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1997 مع منح المغني الأميركي الذائع الصيت بوب ديلان لنفس الجائزة قبل أيام.
داريو فو مشهور بعبقريته في الكتابة الساخرة اللاذعة والتمثيل الفكاهي المجبول بالنزعة اليسارية المتطرفة وموهبته في الرسم والتصوير وإتقانه للإخراج المسرحي والسخرية السياسية وحبه العميق وإخلاصه لزوجته الراحلة الممثلة المعروفة والناشطة السياسية فرانكا راميه.
كانت جنازة داريو فو حاشدة ولم تمنع العاصفة المطرية التي ضربت ميلانو أصدقاءه وآلاف المعجبين بفنه وببراعته من الاحتفال تحت المطر وكلهم يحمل المظلات وكانت جنازة مدنية أمام أكبر كنيسة في وسط ميلانو وهي الدومو، وقد برز منهم ابنه الوحيد جاكوبو وزعيم حركة 5 نجوم السياسية ذات الشأن الكبير حاليا في سياسة إيطاليا وهو بيبي غريلو الذي رافق داريو فو في مسيرته الفنية الحافلة ومنع كل منهما من الظهور على التلفزيون الحكومي الإيطالي (راي) لسنوات كثيرة بتهمة سلاطة اللسان.
كان داريو فو يذكر زوجته المتوفاة على الدوام في أيامه الأخيرة لأنه كان يفتقدها ويكرر إعجابه بها ويقول إنه تعلم كل شيء في الحياة منها. والواقع أن فرانكا كانت ممثلة شهيرة جميلة في الخمسينات قبل أن تتزوجه عام 1954.
يذكر عشاق داريو فو مدى إتقانه في التمثيل المسرحي للمسرحيات التي ألفها بنفسه أو كتبها المؤلف المسرحي الفرنسي فيديو ومدى حيويته ونشاطه وتميزه بسرعة البديهة والتعليقات التهكمية وضحكاته الرنانة وتعابير وجهه وعينيه، ومن أشهر مسرحياته عام 1957 «لا تذهب في مشوار وأنت عار» لفيديو و«السمين الوسيم» عام 1991. ومن أروع كتبه «البابا والساحرة» (1982) وحيل المهنة (1991) وآخرها «ابنة الأمير» (2015).
كان داريو فو محبا للموسيقى ومن المعجبين بمغنية الأوبرا الراحلة ماريا كلاس، وألف مسرحية رائعة عن قصة حياتها قام بتمثيلها مع ممثلة مقتدرة تشبه زوجته وقام الاثنان بتشخيص كل الأدوار الرجالية والنسائية في حياة كلاس بشكل مبتكر يجذب المشاهد لثلاث ساعات دون ملل.
يقول ستيفانو ماسيني المخرج المسرحي الشاب في مدينة فلورنسا: «لقد تعلمت الانضباط من داريو فو، فالبعض يظن أن الممثل الكوميدي يتصرف بفوضوية وعفوية لكنني لاحظت أن فو كعملاق مسرحي يعرف تماما قيمة الوقت وكيفية ضبط الإيقاع في النكتة وتمثيل النص المسرحي».
غادرنا داريو فو بعد حياة طويلة عاصفة «لم يحنِ خلالها رأسه» كما وصفه ابنه أثناء الجنازة، ويذكر كثر رفضه للجائزة الإيطالية التي حاول رئيس الوزراء الأسبق كراكسي منحه إياها بعد فوزه بجائزة نوبل، فقد كان إنسانا مثيرا للجدل طوال حياته مثلما كان نظيره الأميركي بوب ديلان. كان فو يكرر دائما أنه بعد دراسته لأحداث القرون الوسطى وعصر النهضة كرس هدف حياته إلى «إعادة الكرامة إلى المظلومين في هذه الدنيا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».