{فنون العالم الإسلامي}.. 1000 عام من التبادل والإبداع

في 3 مزادات تقيمها «سوذبيز» بلندن

مصحف مصغر من مجموعة جعفر غازي
مصحف مصغر من مجموعة جعفر غازي
TT

{فنون العالم الإسلامي}.. 1000 عام من التبادل والإبداع

مصحف مصغر من مجموعة جعفر غازي
مصحف مصغر من مجموعة جعفر غازي

في أسبوع فنون العالم الإسلامي، تتنافس في لندن دور المزادات على عرض أفضل ما لديها من قطع فريدة تفتح صفحات ملونة من التاريخ الإسلامي. دار «سوذبيز» تقدم عبر 3 مزادات أعمالا تسرد فصولا مختلفة من التطور الفني للحرفي الإسلامي عبر القرون. وتشمل في معروضاتها المنحوتات، والأسلحة، والمنمنمات، واللوحات الزيتية، والمجوهرات.
وخلال لقاء مع ألكساندرا روي، خبيرة الفن الإسلامي بالدار، أشارت إلى التنوع في المعروضات، وبدأت عرضها بتقديم منمنمات من مجموعة «خسرواني - ديبا» المشهورة. ويقدم المزاد منها 35 قطعة تبلغ قيمتها التقديرية نحو مليون ونصف مليون جنيه إسترليني.
* عرض ألعاب نارية ملكي
تبدأ بعرض إحدى القطع، وهي باهرة الجمال، رُسمت خلال العهد المغولي في بدايات القرن الثامن عشر. نتوقف أمامها لتأمل التفاصيل الدقيقة التي تسهم كلها في جعل تلك اللوحة عملا ساحرا بكل معنى الكلمة. مشهد احتفالي وسيدات يرتدين أبهى الملابس والمجوهرات، هو ما رسمه الفنان كالليان راي بدقة مدهشة. ويبدو السيدات وهن يحملن أطباق الأكل ويحملن الآلات الموسيقية، بينما أمسكت إحداهن بـ«صاروخ» ألعاب نارية، تبدو شذرات النار فيه وكأنها منثور الذهب. المشهد فيما يبدو يصور الاحتفال الملكي في شرفة من المرمر تطل على بحيرة، وعلى الجانب المقابل من البحيرة مزيد من الألعاب النارية، وقد انتظمت في صف واحد. تشير روي إلى المنمنمة التي تم رسمها في القرن الثامن عشر قائلة، إنها تتميز «بالإتقان الشديد في تصوير دقائق العرض الناري»، وتشير إلى خيالات باهتة تمر بين الألعاب النارية، قائلة: «هناك عدد من الفرسان لا يمكن رؤيتهم مباشرة ولكنهم يظهرون بوضوح عبر انعكاسهم على مياه البحيرة. لمسة الرسام الدقيقة تظهر لنا أيضا في رصد توقيعه الذي أخفي في الدخان المتصاعد من الألعاب النارية»، تبدو تلك اللمسات، حسب تعبير روي «كأسرار دقيقة استودعها الرسام لوحته».
في لوحة أخرى، مجموعة من الرجال جالسين أرضا، لا يبدو أن بينهم صلة أو حديث قائم، ولكن يبدو أن الاهتمام منصب على الملابس، حيث إن كل شخص فيهم يرتدي ملابس من بلد مختلف. تقول روي إن اللوحة، ولا يعرف اسم الفنان الذي أنجزها، من مجموعة ويليام فريزر، وهو رحالة اسكوتلندي عاش في الهند حياة مليئة بالمغامرات. نعرف أنه أرسل مجموعة من اللوحات الملونة لأخيه جيمس الذي يعيش في كالكوتا في 1819. وتشير روي إلى أن الرسم الماثل أمامنا نفذه الرسام المفضل لويليام فريزر، ويأتي من ألبوم خاص اهتم فيه بتصوير الملابس والعادات المختلفة. في هذا الرسم هناك رجل من أفغانستان، وآخر من لاهور، وثالث من كابول.
* مصحف من مجموعة جعفر غازي
في أحد الأرفف حولنا، تعرض روي مصحفًا صغيرًا من مجموعة المقتني الراحل جعفر غازي، البالغ عدد قطعها 50. وهي مخطوطات من العهد المملوكي والعثماني تتضمن مصاحف ومخطوطات وكتبًا طبية. المصحف مكتوب على جلد الغزال ويعود إلى القرن التاسع عشر. الكتابة الدقيقة والزخرفة في الصفحات الأولى تتميز بدقة وجمال غير عاديين. نتساءل عن حجم الفرشاة التي يمكنها إخراج كل تلك التفاصيل الدقيقة بكل جمال.
يظهر من النماذج المختلفة في مجموعة جعفر غازي الاهتمام والمكانة التي احتلتها فنون الخط العربي في تركيا والشرق الأوسط وإيران، في القرون الوسطى وحتى العهد العثماني.
* من تركيا.. إبريق لتبريد المشروبات
من القطع المتميزة، تعرض لنا روي ما يبدو وكأنه إبريق ضخم، فضي اللون يحمل ختم السلطان عبد الحميد الثاني. يتميز الإبريق بوجود إبريق ثان داخله مصنوع من الزجاج، بداخله تجويف طولي لوضع قطع الثلج. ونعرف أن عددًا محدودًا من تلك الأباريق موجود الآن، ولكن هذا النموذج تحديدًا يتميز بأن الإبريق الزجاجي المصاحب له لا يزال في حالة جيدة.
* عقد «بالمرستون»
من المعروضات التي تجذب اهتمامًا خاصًا في كل مزاد فن إسلامي، المجوهرات، حيث تسنح فرصة للكل لمعاينة أساليب الصياغة في العالم الإسلامي، وتنوع أحجارها وطرق صياغتها. من المجوهرات في المزاد عقد بديع من الأحجار الزرقاء، وفي ظهره نقوش بديعة بالمينا. العقد ينحدر من شمال الهند ويعرف بأنه «عقد بالمرستون» وهو ما قد يشير إلى شخصية مالكه، أو من أمر بصنعه. العقد يبرز جماليات الصياغة التي تميز بها الحرفيون الهنود في القرن التاسع عشر.
* مقعد أندلسي
من المعروضات أيضا مقعد خشبي مطعم بأرجل مقوسة، يعود لأواخر القرن الخامس عشر، صنع على شاكلة الكراسي الرومانية التي تسمى «سيلا كوروليس»، والتي تشبه العرش. المقعد مزخرف على النمط المشهور خلال عهد الناصر، ويعد نموذجًا للتطور في صناعة المفروشات في غرناطة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».