سباق محموم على أصوات «جيل الألفية» في الانتخابات الأميركية

لكون الشباب أكبر فئة لديها حق للتصويت

داعمون من الشباب لحملة ترامب في بنسلفانيا (أ.ف.ب)
داعمون من الشباب لحملة ترامب في بنسلفانيا (أ.ف.ب)
TT

سباق محموم على أصوات «جيل الألفية» في الانتخابات الأميركية

داعمون من الشباب لحملة ترامب في بنسلفانيا (أ.ف.ب)
داعمون من الشباب لحملة ترامب في بنسلفانيا (أ.ف.ب)

يتصارع كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، على جذب أصوات الشباب ممن يطلق عليهم جيل الألفية (الجيل الذي تتراوح أعماره بين 18 - 35) والذي يمثل قطاعا كبيرا من الناخبين الأميركيين.
وتشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى أن اتجاهات تصويت جيل الألفية، في انتخابات عام 2016، ستكون مماثلة للطريقة ذاتها في الـ84 عاما الماضية، وهو الميل للتصويت لمرشح الحزب الديمقراطي. ولكن في مقابلة شخصية مع سبعين من الشباب الذين لهم حق التصويت أجريت في تسع ولايات من خلفيات مختلفة، يتضح أن النمط سيختلف لجولة الانتخابات الحالية.
فرغم اختلاف الخلفيات الثقافية والاجتماعية للمشاركين في الاستطلاع إلا أن معظم الشباب أشاروا إلى رفضهم لكل من هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب.
ويقول الخبراء إن الرسالة المقبلة من جيل الألفية هي عدم الثقة بالمرشحين، وعدم الثقة بطبقة السياسيين بصفة عامة، والشعور بأن تلك الطبقة تسعى لتحقيق مصالحها السياسية دون النظر بجدية للاستجابة لمطالب وتطلعات الناخبين. وتشير تحليلات الخبراء لاتجاهات الشباب في الانتخابات إلى أنهم لا يتوقعون نتائج إيجابية من حكومتهم كما يئسوا من البحث عن حلول في واشنطن. ومن بين الشباب المستطلع آراؤهم أظهرت فئة ضئيلة جدا تفاؤلها بأحد المرشحين.
وقد زادت أهمية تصويت جيل الألفية في جولة الانتخابات الحالية لكون الشباب هم أكبر فئة لديها حق للتصويت، حيث أكدت دراسة جديدة من مركز «بيو ريسيرش سنتر» أن عدد الشباب (الذي أطلق عليه جيل الألفية أي المولدين في الألفية الثالثة) والذي له حق التصويت في الانتخابات الأميركية القادمة اقترب من أعداد جيل كبار السن (قدامى المحاربين) المولودين بعد الحرب العالمية الثانية (والذين تتراوح أعمارهم بين 53 عاما إلى خمسة وسبعين عاما.
كلا الجيلين يشكلون نحو 31 في المائة من الناخبين، خصوصا مع ازدياد أعداد الشباب الذي له حق للتصويت بعد بلوغه 18 عاما وهي السن القانونية المحددة في الدستور الأميركي لممارسة حق الاقتراع.
إلا أن زيادة عدد الشباب الذين لهم حق التصويت، لا يدل على ازدياد في أعداد الأشخاص الذين سيقومون بالتصويت بشكل جدي، وتدور شكوك في إمكانية مشاركة الشباب في التصويت بصفة عامة. ففي عام 2008 أقبل خمسون في المائة فقط من الشباب الذي لهم حق للتصويت على المشاركة في الانتخابات والقيام بالاقتراع، وكانت نسبة مشاركة الشباب تشكل فقط 18 في المائة من فئة المصوتين. وبسبب ازدياد أعداد الشباب يبذل المرشحون جهودًا كبيرة لكسب هذه الفئة.
ويقول الدكتور جوناثون ويلر من جامعة «نورث كارولينا» للعلوم السياسية والمؤلف المشارك لكتاب «السلطوية والتعددية» لمجلة «هو وات واي» الإلكترونية: «أعتقد أن ترامب يدمر جهود الحزب الجمهوري لكسب جيل الألفية»، مشيرا إلى أن ترامب لا يتوجه برسالة تجد صدى وتشجيعا من جيل الشباب للتصويت لصالحه وهو بذلك يغامر بفقدان نسبة كبيرة من الأصوات إذا أغفل التوجه لجيل الشباب وجذب أصواتهم.
ويشير استبيان لاستطلاع للرأي بجامعة «كوينيباك» إلى أن 26 في المائة فقط من شباب الألفية سيقومون بالتصويت لترامب. ويقول المحللون إن الحزب الجمهوري واع بانخفاض أعداد الشباب الداعمين للحزب، حيث بدأ جهود جذب الشباب منذ عام 2013، ومن بين تلك الجهود كان السيناتور لولاية فلوريدا، ماركو روبيو، يمثل جزءًا من برنامج «الفرص والتنمية» وهو البرنامج الذي يقدم فرصا لجذب الشباب إلى الانخراط في العملية السياسية. ولكن فوز ترامب على منافسه السيناتور ماركو روبيو في انتخابات الحزب الجمهوري الأولية، أدت إلى تراجع جهود الحزب في جذب الشباب بشكل كبير. ويعتقد جيفري سكيلي المحلل السياسي بمركز جامعة فيرجينيا للسياسة أن ترامب هو السبب وراء تراجع جهود جذب أصوات جيل الألفية.
وأشارت دراسة لمجلة «بوليتيكو» إلى أن كلينتون متقدمة على ترامب بـ36 نقطة فيما يتعلق بجذب أصوات الشباب، وقالت الدراسة إن نسبة 61 في المائة من الشباب سيصوتون لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون مقابل 25 في المائة من الشباب يتجهون للتصويت لصالح مرشح الحزب الجمهوري دونالد لترامب. وهي معدلات تشبه نتائج دراسة جامعة كوينباك وتؤكد فقدان الحزب الجمهوري الاهتمام بجذب أصوات الشباب. وتشير الدراسة إلى وجود نسبة تبلغ 14 في المائة من الشباب مترددة في التصويت لأي من المرشحين، وأكثر من 60 في المائة من جيل الألفية يريدون رئيسا ديمقراطيا في البيت الأبيض، مقابل 33 في المائة يريدون رئيسا جمهوريا.
وتتضاعف الفروقات في استطلاعات الرأي التي أجريت العام الحالي مع إحصاءات استطلاعات الرأي التي أجريت العام الماضي، حيث كانت نسبة المؤيدين للتصويت لصالح لرئيس ديمقراطي 55 في المائة مقابل 40 في المائة يفضلون التصويت لصالح رئيس جمهوري في استطلاعات الرأي العام الماضي، مما يدل على زيادة موجة الاستياء لدى الشباب من المرشح الجمهوري.
ويقول جون ديلا فلوب مدير استطلاعات الرأي من مؤسسة العلوم السياسية في جامعة هارفارد للصحافيين: «يقوم ترامب بلعب دور في مساعدة هيلاري كلينتون المرشحة عن الحزب الديمقراطي بسبب فشل ترامب في الاستحواذ على إعجاب جيل الشباب وجذب أصواتهم لصالحه، بل على العكس قام ترامب بدفعهم للتصويت لصالح كلينتون». وأكد ديلا فلوب لصحيفة «نيويورك تايمز» على أهمية إشراك الشباب في السياسة، وقال: «عليك تمكين الشباب، ومناشدتهم الانخراط والتطوع في العمل السياسي، ثم تطلب منهم بعد ذلك ممارسة حق الاقتراع والتصويت».
ويدرك مسؤولو الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أهمية جذب الشباب وضمان تصويت هذه الفئة المهمة لصالح الديمقراطيين؛ لذا قامت كلينتون بزيارة كثير من الجامعات لكسب دعم الطلبة. وقد زارت كلينتون بعض الجامعات في ولاية فيرمونت مع منافسها السابق بيرني ساندرز (الذي حظي خلال جولة الانتخابات الديمقراطية الأولية بدعم قطاع كبير من الشباب)، كما ساعدت السيدة الأولى ميشيل أوباما المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بإلقاء خطاب لتشجيع طلبة الجامعات في ولاية بنسلفانيا للتصويت لصالح كلينتون.
وقالت ميشيل أوباما: «إذا قمت بالتصويت لشخص آخر غير هيلاري، أو لم تصوت على الإطلاق، إذن أنت تقوم بمساعدة انتخاب منافس هيلاري».
ويقول المحللون: من الصعوبات التي تواجه جهود جذب الشباب للمشاركة في العملية الانتخابية والعملية السياسية بصفة عامة هي أن جيل الألفية يرفض الانتماء لأي من الحزبين، ويعتقد أن نظام الحزبين لم يعد يستجيب لمتطلباتهم.
وقد أشارت جريدة «يو إس آي تودي» إلى أن أكثر من 92 مليون أميركي تم بالفعل إدراجهم في قوائم الناخبين الذين لهم حق التصويت قبل أربع سنين لكنهم لم يشاركوا في العملية الانتخابية وأحجموا عن ممارسة حق التصويت».
ويحث قادة الحزب الديمقراطي وقادة الحزب الجمهوري وغيرهم من المحللين السياسيين والكتاب الفئات المختلفة من الناخبين الأميركيين على التصويت والمشاركة بفاعلية في العملية السياسية بغض النظر على التوجه ديمقراطيا أو جمهوريا خلال العملية التصويتية. ويؤكد القادة السياسيون أن المشاركة في عملية الاقتراع هي واجب وطني مهم.



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.