قراءة في نجاحات المغرب السياسية

TT

قراءة في نجاحات المغرب السياسية

صديق عزيزي راحل قال لي عبارة لا أنساها ما حييت هي «حذار من سياسي لا يفهم إلا السياسة ولا يستويه مجال غير السياسة»! وحقًا، من واقع معايشتي شخصيات سياسية كثيرة في الشرق والغرب، لاحظت أن أسوأ الساسة هم أولئك الذين لا يقرأون، ولا تجتذبهم الثقافة، وتنعدم عندهم الهوايات والذائقة الفنية... موسيقى ورسمًا ونحتًا وخطًا وشعرًا ونثرًا...
هذا ليس حال المغرب، حيث وجدت عبر السنين، ما أحسب أنه أعلى نسبة ثقافة وفن وتذوق فني بين الساسة والدبلوماسيين في عالمنا العربي... من دون تبجح أو ادعاء. وهذا الواقع ينعكس في الحياة السياسية المغربية التي شهدت بالأمس مفصلاً مهمًا هو ثاني انتخابات عامة تشهدها البلاد بعد «الربيع العربي». هذا «الربيع» الذي هزّ وغيّر.. وفضح الكثير من مساوئ واقعنا السياسي.
هنا أيضاً كان المغرب استثناءً. فالعاصفة التي هبّت على بعض دول المشرق العربي أفريقيا، وكشفت قبح الديكتاتوريات وعمق التعصّب وزيف الشعارات البراقة، أدت إلى اندلاع الحروب الأهلية والعشائرية التي تغذيها الأطماع الإقليمي والمؤامرات الدولية، ونراها اليوم تمزق سوريا والعراق واليمن وليبيا. لكن المغرب ظل يتمتع بفضل وعي ساسته وواقعيتهم بميزتين أتاحتا للمملكة تجاوز اختبار «الربيع العربي» بسلاسة، على الرغم من المصاعب الاجتماعية والاقتصادية في بلاد شابة لا تتوافر على فائض من الثروات الطبيعية. هاتان الميزتان هما:
1 - شرعية الحكم، إذ لا جدال في المغرب حول شرعية «أمير المؤمنين» لا من اليسار ولا من اليمين. ولئن كان اليسار بشقيه العقائدي والنقابي قد تمرّس بالتعاطي والتعايش مع هذه الشرعية مقدّمًا الوحدة الوطنية وأولوية الاستقرار على القفز في المجهول، فإن اليمين بشقيه الليبرالي والديني ما كان له أن يزايد على الحكم، لا على صعيد الاقتصاد الحرّ ولا صعيد شرعيته الدينية.
2 - آلية تنفيس الاحتقان، وهي الآلية التي توفّرها ثقافة التعايش والتعدّدية في بلاد رفضت الإقصاء والتهميش والإلغاء والامتيازات الفئوية، تمامًا بعكس الآفة التي دمّرت وتدمّر كيانات المشرق العربية أمام أعيننا.
لقد فكّرت مليًا قبل أن أختار الكتابة عن الانتخابات المغربية ومعانيها اليوم.
تردّدت.
تساءلت.. هل يجوز لي إغفال محنة حلب «الشهباء»، ثاني حواضر الدنيا، ونشيد أناشيد المتنبي، التي يذبحها أسوأ سفّاحي القرن الحادي والعشرين؟ هل يصحّ تجاهل الخطر الفظيع المحدق بالموصل «الحدباء»، «أم الربيعين»، بلد إبراهيم وإسحق الموصلي، و«درّة» مدن العراق وواحة الحضارة منذ عصر آشور؟ هل أنسى لبنان «فردوس الخالق على أرضه»، موطن الآباء والأجداد وملعب الصبا.. وهو يرزح تحت احتلال ظالم ويهدّده مستقبل مظلم؟ وهل أطوي صفحة اليمن «السعيد» سابقًا، المنكوب راهنًا، الذي عاد إليه الفُرس غزاة لا منقذين.. في غياب سيف بن ذي يزن؟
كل هذه المحن حقيقية، للأسف، ولكن بالذات لكونها حقيقية تغدو الصورة المتناقضة أجدر بالبحث والمناقشة. ذلك أن التجربة المغربية في تقبّلها التنوّع والرأي الآخر تعطينا درسًا في «ثقافة الحياة»، بينما تتسابق كياناتنا في المشرق على طلب الموت العبثي والاستشهادي والإلغائي. في التجربة المغربية، كما أثبتت صناديق الاقتراع، لا احتكار للوطنية ولا مزايدة فيها. ومع أنه يستحيل أن تخلو أي عملية انتخابية في أي مكان من العالم من الشوائب، بدليل حالة فلوريدا في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000، يبقى في رأس الأولويات الإيمان الراسخ بأن ما هو مطروح أمام المواطن برامج وخيارات على ممثليه التفاوض بشأنها، والحرص على تطبيقها بأيسر الطرق وأكثرها قبولاً.
واضحٌ من حصيلة الانتخابات أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بقيادة رئيس الوزراء الحالي عبد الإله ابن كيران، كان الفائز الأكبر بحصوله على 125 مقعدًا من أصل 395 مقاعد، مقابل حصول منافسه الأقرب حزب الأصالة والمُعاصَرة الليبرالي على 102 مقعد. ومع توزّع المقاعد الباقية على عدد من الأحزاب، منها الأحزاب «التاريخية» الثلاثة: حزب الاستقلال، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتّضح أولاً: استمرار الارتفاع في شعبية التيار الإسلامي الديمقراطي المعتدل، وثانيًا: حجم التنوّع الفكري الذي أغنى تجربة المغاربة السياسي داخل الوطن وخارجه.
أصلاً «الإسلام السياسي» ما كان يومًا ظاهرة طارئة على الحياة السياسية في المغرب قبل الاستقلال وبعده. بل كان دائمًا مع أمثال الزعماء الوطنيين كعلاّل الفاسي، والدكتور عبد الكريم الخطيب سمة بارزة في النضال الوطني. وكان هذا التزاوج بين «الإسلام» و«الوطنية» الأساس المكين لوحدة البلاد التي تجاوزت الاختلافات الجهوية والعرقية واللغوية.
وفي المقابل، فإن التيارات الأخرى بشتى ألوانها، وجدت في التعدّدية المغربية العريقة مجالاً رحبًا لإغناء تجربتها. ولقد أسهم تاريخ المغرب وجغرافيته في تأكيد «الوحدة في التنوع» على امتداد العصور. فالمغرب «جسر» الإسلام والعروبة والأمازيغية الرابط بين أفريقيا (مع عمقها الآسيوي الشرق أوسطي) وأوروبا. وهو الشريك الثقافي الكامل للتراث الأندلسي ووعاؤه الحافظ الكبير. وهو البوتقة التي انصهرت فيها المؤثرات الفرنسية والإسبانية والبرتغالية مع الصلب العربي – الأمازيغي بمختلف تشاكيله المُعبَّر عنها في شتى المجالات. وفي أرضه ترابطت ثقافات الأرياف والصحراء والمدن بصورة مدهشة، والحال أن للمغرب «عواصم» عدة منها أربع عواصم «ملكية» (فاس ومكناس والرباط ومراكش) ازدهرت في أيام السلالات المتعاقبة، بالإضافة إلى عاصمة اقتصادية نابضة بالحياة (الدار البيضاء)، ومدينة كانت ذات يوم «مدينة دولية» (طنجة). ثم إنه في هذه البلاد حيث أسست أقدم جامعة في العالم (جامع وجامعة القرويين في فاس)، نهضت حركة حرفية وصناعية ونقابية كانت لها إفرازاتها الثقافية والسياسية اللافتة.
أخيرًا، نجاحات المغرب في المجال السياسي لا تتجسّد في الداخل فحسب، بل تنعكس في الخارج؛ حيث تتولى مغربيتان مناصب وزارية في فرنسا، وتترأس مغربية مجلس النواب الهولندي، كما يرأس مغربي بلدية روتردام.. أهم موانئ هولندا وأوروبا.
فشكراً جزيلاً للمغرب من كل عربي.. ومبروك النجاح المتجدد لتجربته الديمقراطية.



الجبير: استثمار السعودية في الطاقة الشمسية استدامة للاقتصاد

وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث السعودية لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)
وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث السعودية لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)
TT

الجبير: استثمار السعودية في الطاقة الشمسية استدامة للاقتصاد

وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث السعودية لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)
وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث السعودية لشؤون المناخ عادل الجبير (الشرق الأوسط)

أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث السعودية لشؤون المناخ عادل الجبير، أن المملكة تسعى إلى تحقيق توازن بين حماية البيئة وتعزيز النمو الاقتصادي، مبيِّناً أن البلاد تستثمر في الطاقة الشمسية؛ ليس فقط لاستدامة المناخ والبيئة؛ بل أيضاً لتمكين اقتصاد مستدام.

كلام الجبير جاء في جلسة افتتاحية لليوم الثاني من منتدى «مبادرة السعودية الخضراء»، المنعقد على هامش مؤتمر «كوب 16»، في الرياض؛ مشيراً إلى أن المملكة تعمل على ضمان أن المواني والمشاريع البحرية في البحر الأحمر تتوافق مع أعلى المعايير البيئية العالمية، مما يساهم في تعزيز الاستدامة البيئية وخلق فرص عمل جديدة.

ولفت إلى أن البحر الأحمر يمثل أهمية استراتيجية؛ حيث تمر نحو 55 في المائة من التجارة العالمية عبره.

وأوضح الجبير أن المملكة تسعى إلى تنويع اقتصادها وجذب الاستثمارات في مجالات مثل التقنيات الحديثة والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تحقيق الاستدامة في جميع القطاعات.

وأكمل أن الاستدامة البيئية تُعد أساساً لتحسين الإنتاجية والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية. وأكد أن المملكة تعمل على مواجهة التحديات البيئية بكفاءة وبأقل تكلفة، من خلال التنسيق مع الدول الأخرى لتقديم حلول فعالة للمشاكل البيئية العالمية.

وقال الجبير إن المملكة حققت تقدماً كبيراً في حماية البيئة؛ حيث كانت نسبة الحماية 3 في المائة في السابق، وأصبحت الآن 20 في المائة، وتستهدف البلاد وصولها إلى 30 في المائة بحلول عام 2030.

وأضاف أن المملكة تعد من الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تعمل على استقطاب الكربون وتخزينه، موضحاً أن المملكة مثال يحتذى به في هذا المجال.

وواصل: «نؤمن بأننا نواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالمناخ، ولذا فإننا نوحِّد جهودنا ومواردنا ونستخدم العقلانية في الحل».

كما تحدَّث الجبير عن أوجه التكامل بين العمل المناخي والاستثمار؛ مشيراً إلى أن توحيد البرامج تحت مظلة «مبادرة السعودية الخضراء» يهدف إلى تعزيز اقتصاد المملكة، بالتوازي مع حماية البيئة والحفاظ عليها للأجيال القادمة.

وتناول الجبير في كلمته مجموعة من المبادرات والمشاريع البيئية التي تنفذها المملكة، ومنها التحول إلى الطاقة المتجددة وزراعة الأشجار، بالإضافة إلى تقنيات التقاط الكربون.

وشدَّد على أن المملكة تعمل على استدامة الحياة البحرية في البحر الأحمر والخليج العربي، مع التركيز على تقنيات الطاقة النظيفة والابتكار في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.