إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة

ترفع شعار «تحرير فلسطين» منذ الخميني.. وتحارب في العراق وسوريا واليمن

الخميني ...عرفات
الخميني ...عرفات
TT

إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة

الخميني ...عرفات
الخميني ...عرفات

لم يصل أي مسؤول «أجنبي» إلى إيران بعد الثورة التي قام بها الخميني عام 1979 قبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي آمن آنذاك بأن الثورة الفلسطينية راحت تتمدد في إيران كذلك، قبل أن يكتشف أن الأمر لم يعدُ كونه شهر عسل خداعا.
ويذكر أصحاب عرفات الذي كان معروفا بسرعة البديهة والدهاء، أنه تفاجأ من طلب الخميني أثناء لقائه في إيران مترجما للفارسية رغم أنه يعرف العربية جيدا، وقوله في مجالس مغلقة بعد ذلك متندرا حول «الثورة الإسلامية التي لا تتحدث العربية» وإنما فقط الفارسية.
كان عرفات الذي قاد الفلسطينيين لعقود طويلة يريد لهذه العلاقة أن تستمر، لكن سرعان ما حسمها الإيرانيون مع بداية الحرب العراقية الإيرانية إذ طلبوا من عرفات موقفا مؤيدا ومناهضا ومعلنا وعمليا من الرئيس العراقي صدام حسين والعرب، لكنه بعد عدة وساطات ومحاولات لتجاوز أمر الحرب برمته، اختار الانحياز لعروبته، ولم ترَ العلاقة منذ ذلك الوقت خيرا قط، بل دخلت في علاقة مواجهة كبيرة ومحاولات استئثار بالقرار وفرض أجندات وإحداث انشقاقات مع وقف كل دعم مالي أو عسكري ممكن، وهذا ما انسحب لاحقا على كل علاقة إيرانية فلسطينية بغض النظر عن الجهات التي تعامل معها الإيرانيون، منظمة التحرير أو الفصائل الإسلامية أو مجموعات عسكرية صغيرة.
في حقيقة الأمر أن كل دعم كان مسيسا ومشروطا وغير مستمر.
الدعم المشروط
تقول إيران بأنها تقدم دعما غير محدود وغير مشروط لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، وتطرح ذلك منذ سنوات طويلة متباهية بتشكيل محور «الممانعة والمقاومة» الذي كان يضم إلى جانبها وسوريا كذلك، ما يسمى «حزب الله» اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، لكن تطورات كثيرة وأحداث ومنعرجات حادة في المنطقة، كشفت إلى حد كبير كيف أن دعم الفصائل المقاومة وكان حقيقيا وكبيرا في فترات متفاوتة، توقف تماما عن حماس التي لم توقع اتفاق سلام مع إسرائيل وما زالت تنادي بالتحرير، وتقطع مع الجهاد الإسلامي التي أيدت بخلاف حماس النظام السوري الذي تحارب من أجله إيران، بسبب «الثمن المطلوب».
ومع عودة قليلة إلى الوراء يتضح بشكل جلي أسباب دعم إيران للفصائل الفلسطينية إذا ما عرفنا لماذا توقف ذلك. ليس هناك أفضل من أن يتحدث زعيم حماس خالد مشعل عن الدعم الإيراني. وقال مشعل، في مارس (آذار) الماضي فقط، إن الأزمة بين حماس والرئيس السوري بشار الأسد أثرت على العلاقة مع إيران، والتي ردَّت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير، مضيفا: «طهران خفّضت دعمها للحركة بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها، إنها اليوم ليست داعمًا رئيسيًا».
مشعل أوضح أن هناك حالة من الجمود في العلاقة مع إيران، لافتًا في ذات الوقت إلى أنها لم تصل إلى حالة القطيعة الكاملة، مع إبقاء حالة التواصل معها من خلال إرسال الوفود لطهران بين الحين والآخر. ويتضح من حديث مشعل أن إيران كانت تريد من حماس دعم الرئيس بشار الأسد ضد الثورة التي اندلعت في مارس 2011. لكن رفض حماس ذلك كلفها خسارة الدعم المالي الإيراني. لكن بحسب مصادر لـ«الشرق الأوسط» لم تستسلم إيران، بل اتجهت إلى استمالة «بعض حماس».
وقالت المصادر بأن الإيرانيين عمدوا إلى تقديم دعم محدود للجناح المسلح لحماس كتائب القسام في محاولة لتحريضه على المكتب السياسي.
وبحسب المصادر نجحت إيران على الأقل في خلق جدل داخل الحركة حول المحاور. وربما ظهر ذلك الجدل جليا في تطنيش قائد حماس خالد مشعل لأي دور إيراني في دعم الحركة في حرب 2012 مشيدا بأدوار أخرى، قبل أن يظهر القيادي الحمساوي المقرب من كتائب القسام محمود الزهار ليرد بطريقته رافعا سلاحه وسط غزة ومجاهرا بالقول: إنه سلاح إيراني.
بل زاد الزهار بقوله: إن الصواريخ التي أطلقتها كتائب القسام باتجاه إسرائيل في الحرب الأخيرة على غزة، كانت «إيرانية بأيدٍ فلسطينية». وذهب إلى حد القول: «إن إيران لم تطلب من حركته، أي مقابل، بدلا للدعم، على أن تذهب هذه الصواريخ فقط لتحرير فلسطين». آنذاك كان هذا أول تصريح مسؤول من نوعه داخل حماس، منذ سنوات يتحدث عن إمدادها من قبل إيران بالصواريخ، بعدما عمد آخرون لتطنيش هذا الدور في مؤشر على الصراع داخل حماس حول العلاقة مع إيران، وهو صراع يمكن القول: إنه مستمر بفعل سياسة «السيطرة» التي تحاول أن تمارسها إيران، وهي نفس السياسة التي استخدمتها مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ويذكر الفلسطينيون كيف أن إيران لم تحرك ساكنا لنجدة عرفات المحاصر في بيروت عام 1982. بل ذهبت ميليشيات شيعية بعد ذلك تابعة لأمل التي بايعت الخميني لارتكاب مجازر في المخيمات الفلسطينية، قبل أن يساعد النظام السوري على حدوث أكبر انشقاق في حركة فتح برئاسة أبو موسى الذي انشق عن الحركة وشكل ما عرف لاحقا بفتح الانتفاضة واستقر في سوريا من دون أن يكون له تأثير يذكر في السياسة الفلسطينية، مثلما ساعد على حدوث انشقاقات أخرى في الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير.
ولعل هذا التاريخ هو أحد أهم الأسباب التي تدعو السلطة الفلسطينية اليوم للتأكيد في كل مرة تحشر فيها إيران أنفها في الشأن الفلسطيني أنها لن تسمح لها بشق الصف الفلسطيني. وتتهم السلطة إيران أصلا بتعميق الانقسام عبر دعم حماس في غزة إبان انقلابها عام 2007.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري أن إيران مثل كل دولة أخرى لها مصالح محددة، لكن الفلسطينيين أعطوها طريقا أكثر من غيرهم لتأخذهم «بالمفرق» لأنهم ليسوا موحدين. وقال المصري «لو لم نكن مقسمين لكنا نأخذ من مواقف إيران ما يتقاطع مع مصالحنا ونرفض أي مطامع أخرى». ومن وجهة نظر المصري فإنه يجب أن لا يحسب الفلسطينيون أنفسهم على محور ضد آخر وأن يعملوا من أجل كسب كل الأطراف.
لكن حتى الذين حاولوا ذلك لم ينجحوا.
لم تكتف إيران بالعلاقات الجيدة المتبادلة مع الأطراف الفلسطينية، ومثلما طلبت من عرفات موقفا ضد العراق وطلبت من حماس موقفا مع بشار الأسد، طلبت من الجهاد الإسلامي موقفا واضحا من الحرب في اليمن وهو نفس الطلب الذي قدم لحماس من أجل استئناف العلاقات. وحاولت إيران مع بداية العام الحالي استقطاب حماس من جديد، إلى جانب حلفائها المركزيين في المنطقة كالنظام السوري وما يسمى «حزب الله» اللبناني في مواجهة السعودية.
وكشفت «الشرق الأوسط» سابقا عن اجتماع عقد في الرابع من يناير (كانون الثاني) بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع ممثل حماس في طهران خالد القدومي للبحث في علاقات الجانبين إذ عرض ظريف على القدومي أن تقوم حماس بإعلان موقف سياسي رسمي ضد السعودية بعد إعلانها قطع كافة العلاقات مع طهران مقابل أن تقوم الأخيرة بتلبية مطالب حماس كافة ومنها الدعم المالي الثابت والدائم. ووجه ظريف عبر القدومي رسالة إلى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يشرح فيها ظروف العلاقة مع السعودية بعد التدهور الحاصل وما يجري في المنطقة وتأثيره على القضية الفلسطينية وضرورة اصطفاف الحركة التي تؤثر في المواقف الفلسطينية الداخلية إلى جانب إيران باعتبارها الدولة الوحيدة التي تقف في وجه إسرائيل. لكن حماس رفضت.
وبعد عدة اجتماعات حسمت حركة حماس موقفها نهائيا بشأن العرض الإيراني وقررت رفضه عبر طريقة عدم إبداء الرأي. وقال أحد مسؤولي الحركة من الضفة الغربية لـ«الشرق الأوسط» بأن «المعادلة معقدة، نحن كحركة تحرر نتطلع إلى دعم الجميع لكننا أبدا لن نكون في أي تحالف ضد الشعوب أو ضد العالم السني».
وهذا هو الموقف الذي انطلقت منه كذلك حركة الجهاد الإسلامي التي استأنفت علاقتها مع إيران في مايو (أيار) الماضي لكن بعد شهور طويلة عجاف. وكانت إيران مع بدء عاصفة الحزم في اليمن تتطلع إلى موقف فلسطيني مناهض للحملة ضد الحوثيين، وطلبوا من الجهاد تصدير موقف بذلك مشابه لموقف ما يسمى «حزب الله»، لكن حركة الجهاد رفضت، وأكدت بشدة عدم التدخل في شؤون أي بلد عربي، وهو الموقف الذي فاجأ الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أنه يمكن للجهاد أن تقف إلى جانبها في كل شيء، على غرار الموقف الذي اتخذته الحركة من الأزمة السورية. وردت إيران بقطع الدعم المالي عن الجهاد التي لم تتمكن لشهور من دفع رواتب عناصرها قبل أن تعود إيران وتستأنف العلاقة بسبب أنها بحاجة دائما إلى موطئ قدم.
موطئ قدم
لم تتوقف محاولات إيران استقطاب الفلسطينيين على الفصائل الكبيرة فتح وحماس والجهاد، بل سعت حتى لتجنيد مجموعات مسلحة لها في غزة والضفة الغربية كانت ترسلم لهم الدعم مقابل تنفيذ عمليات على ما كشف لـ«الشرق الأوسط» أحد المسؤولين العسكريين لأحد الأجنحة في غزة ورفض ذكر اسمه. وحاولت إيران تشكيل فصائل بأسماء تدل على الأصول الشيعية، مثل جماعات عماد مغنية وما يسمى «حزب الله» الفلسطيني، وغيرها.
وقبل سنوات طويلة أقر سالم ثابت وهو أحد أبرز المسؤولين الميدانيين الذين عملوا ضد إسرائيل في غزة أنه يتلقى دعما مما يسمى «حزب الله» وحين سألته «الشرق الأوسط» آنذاك عن طبيعة هذه العلاقة، قال خلافا لغيره من المقربين لما يسمى «حزب الله»: «إنها علاقة تنظيمية». وقال مصدر بأن مثل هذا الدعم متواصل لبعض الفصائل الصغيرة في غزة حتى الآن.
أما أبرز المحاولات الإيرانية في غزة خلال سنوات ماضية، فهو تشكيل حركة متشيعة هي حركة الصابرين التي أصبحت ممثلا شبه رسمي لطهران.
وظهرت الصابرين التي تدعمها وتوجهها إيران في قطاع غزة منذ نحو 3 أعوام، ويتهمها مسلمون سنيون في غزة بأنها تتبنى «النهج الشيعي». وظهر الدعم الإيراني واضحا على الحركة الجديدة من خلال قدرتها على دفع رواتب موظفيها. لكن حماس مع سوء العلاقة أكثر مع طهران وغضب سني كبير اضطرت إلى إغلاق الجمعية التي أسسها القيادي المعروف في غزة هشام سالم الذي يوصف بأنه رجل إيران الأول في القطاع وكان أسس جناحا عسكريا ما زال موجودا وحاول تأسيس مثل هذا الجناح في الضفة الغربية وفشل.
الذي لم تفهمه إيران
إن المنطلقات التي أخذتها حركة حماس بالحسبان، وأهمها انتماؤها إلى العالم السني، قريبة إلى حد كبير لمنطلقات عرفات الذي أخذها بالحسبان سابقا، وهو انتماؤه إلى العالم العربي، مع فارق المسميات، وهذا جعل الطريق مع إيران أقصر بكثير. وقالت مصادر في حركة حماس لـ«الشرق الأوسط» بأن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة هو الذي رفض العرض الإيراني ويرفض كذلك التقرب من إيران في ظل هذه الظروف خشية أن يفسر أي تقارب كأنه دعم لإيران في أزمتها ضد السعودية أو في ملفات أخرى في سوريا وغيرها. وبحسب المصادر فإن هناك شبه إجماع داخل حماس في هذا الوقت بعدم التورط في أي تحالفات مع إيران حتى لا تخسر الحركة قاعدتها السنية في المنطقة ولأن تجربتها السابقة مع إيران تثير الكثير من القلق.
وأخذت حماس بالحسبان إضافة إلى الخوف من خذلان إيران، إمكانية التقارب أكثر مع الدول السنية المؤثرة في المنطقة، ولأنها تقيم الآن في دولة خليجية، ولها مصالح كبيرة مع جهات غير رسمية في الدول الخليجية والسنية، إضافة إلى العلاقة القوية مع تركيا التي تعد أكثر الجهات دعما سياسيا لحماس وقد وقفت (تركيا) إلى جانب الموقف السني في مواجهة إيران، ناهيك بالانتقادات الكبيرة التي تلقتها الحركة من جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا وهي الجماعة الأم لحماس بسبب مؤشرات تقارب مع إيران وما يسمى «حزب الله».
وحقيقة الأمر أن كل محاولات إيران وحماس في السنوات الأخيرة، لتقريب وجهات النظر قوبلت بغضب في القاعدة الحمساوية والسنية المساندة لحماس، ليس بسبب القضية الفلسطينية مطلقا، بل بسبب دور إيران في المنطقة. إذ لم تسلم حماس من انتقادات كبيرة من التنظيم الأم (الإخوان المسلمين) على سبيل المثال مع كل لمحة «غزل» لإيران. واختبرت حماس رد فعل الإخوان وعناصرها كذلك على أي تقارب مع إيران من خلال مواقف مختلفة من بينها رسالة تعزية في مقتل سمير القنطار في سوريا في غارة إسرائيلية.
وكانت قيادة حماس والقسام أرسلوا معزين إلى نصر الله، ما أثار جدلا واسعا في صفوف المنتمين للحركة وكذلك ناشطين بارزين في جماعة الإخوان المسلمين. ووصف ياسر الزعاترة، وهو محلل سياسي من الإخوان المسلمين، بيان النعي من القسام بأنه «بالغ في مدح القنطار»، وأنه «موقف سخيف ويستحق الإدانة». داعيا حماس لعدم الإساءة لنفسها. وكتب الزعاترة «إلى حماس وكتائب القسام: لا تكونوا عبئا على محبيكم، إيران تشن عدوانا على الأمة، وأي موقف مجامل لها مهما كان يسيء لكم، والأمة غير الأنظمة».
فيما كتب الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عمر مشوح: «ندين إدانة حماس لمقتل القيادي بـ(حزب الله) سمير القنطار، لأننا نعتبر هذا القاتل وحزبه والغا بدماء السوريين وشريكا للنظام في إجرامه». وفورا انتقل الجدل إلى صفوف عناصر حماس نفسها، وكتب براء ريان، وهو نجل القيادي في حماس، نزار ريان، الذي اغتيل في حرب 2008 - 2009 في غزة، منتقدا بيان القسام «تخيلوا لو أن طائرة (إف 16 أميركية) قصفت خليفة (داعش)، تُرى هل ستنعونه وتزفونه شهيدًا وتقومون بواجبه.. علما بأنه أسير سابق في سجون الاحتلال الأميركي». وهذا الجدل حول دور إيران في المنطقة هو جدل مستمر ولن يتوقف على الرغم من أن مكالمة مسربة يفترض أنها وضعت الحد للكثير منه.
المكالمة المحرجة
في نهاية يناير (كانون الثاني) تسرب تسجيل لمكالمة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها ونشرتها لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، يهاجم فيها إيران بشدة وينفي تصريحات إيرانية بأنها تقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية خاصة منذ عام 2009. ويسمع في المقطع الصوتي أبو مرزوق وهو يتحدث إلى أحد الأشخاص معقبا على تصريحات إيرانية حول دعم المقاومة ويتحدث عن دور إيراني سيئ في اليمن.
ويعلق أبو مرزوق على بداية التسجيل على العلاقات الإيرانية - الروسية بالقول: «الآن صحيح في الوقت الحاضر بحاولوا يعملوا اتفاقيات وحلف مع الروس وهذا كله دهاء من الإيرانيين ونحن ضحايا لهذا الدهاء». وتحدث القيادي في حماس للشخصية الأخرى بالقول عن دعم حماس «القصة ليست قصة كما يذكرون وهدول من أكثر الناس باطنية وتلاعبا بالألفاظ وحذرا بالسياسة.. من 2009 تقريبا ما وصل منهم أي شيء، وكل الكلام اللي بقولوه كذب وكل اللي بيصل لحبايبنا لم يكن من قبلهم، جزء من طرف صديق وأطراف أخرى بسبب الأوضاع في المنطقة وكله بجهد الأنفس جمعناه وبعتنا، ولم يقدموا شيء في هذا المجال وكل ما يقولونه كذب».
وأشار أبو مرزوق إلى أن إيران كانت كلما يجري حديث معها عن الدعم تشترط ذلك بتدخل حماس لتحسين علاقات طهران مع دول مثل دولة السودان وغيرها، معتبرا ذلك جزءا من العقاب وواصفا إياهم بالقول: «هم مكذبة وفاتحينها بهذا المجال». وأشار لما وصفها بأكاذيب الإيرانيين، حول إرسال السفن للمقاومة في غزة بالقول: «من 2011 كل سفينة بضيع منهم بقولوا كانت رايحة الكم، في سفينة ضاعت بنيجيريا قالوا الكم رايحة، قلتلهم هو احنا فش ولا سفينة بتغلط وبتيجينا كل السفن اللي بتنمسك هي إلنا».
وأضاف: «ياريت يكونوا مخلصين مثل ما بقولوا للناس، بعتبرونا خوارج، من 1400 قرن بتصفوا بالدهاء والتورية والباطنية وليسوا بهذه الدرجة من السهولة»، مشيرا إلى ما افتعلوه من أحداث في اليمن، مضيفا: «هلكوا العباد بسبب أحاديثهم الباطنية وطريقة تعاملهم مع الناس». وهذا الموقف غير المعلن لحماس هو تقريبا نفس الموقف غير المعلن للمستوى الرسمي الفلسطيني، وهو ما يفسر لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي في باريس في أغسطس (آب) الماضي، وهو اللقاء الذي شن معه مسؤولون إيرانيون هجوما غير مسبوق على عباس واصفين إياه بشتى الأوصاف. لكن كيف ردت حركة فتح؟
الموقف الرسمي الفلسطيني
الرد الفتحاوي اختصر الكثير من تاريخ العلاقة وكيف تنظر لها فتح الحاكمة. وقالت فتح بأن تصريحات الإيرانيين بحق عباس تعد «انعكاسًا لمفاهيم الخيانة والباطنية الناظمة لسياسة القائمين بأدوار تخريب وتدمير وشق الصف الفلسطيني». وأضافت: «بعد قراءة دقيقة لتصريحات مستشار وزير الخارجية الإيراني المسيئة للرئيس القائد العام، يثبت لنا فظاعة دور القائمين على خدمة المشروع الصهيوني بحملاتهم المنظمة على رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية، وعلى القضية الفلسطينية». وقالت: إن إيران سعت على الدوام إلى «تدمير وتخريب الصف الفلسطيني، وتعميق الانقسام»، وإن المسؤولين الإيرانيين «اغتالوا قيم الوفاء لحركة فتح التي احتضنت الثورة الإيرانية، ومدتها بكل وسائل الدعم المادي والعسكري والمالي، وفتحت قواعدها للثوار».
هذا الموقف الفتحاوي يفسر لماذا تبدو العلاقة الإيرانية الفلسطينية الرسمية في أسوأ أحوالها منذ عقود وستستمر حتى وقت ليس قريبا. لكن ما زال لا يمانع الفلسطينيون أن ينضموا لأي من الفيالق الإيرانية إذا ما تقدمت نحو القدس.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.