غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

رئيس وزراء البرتغال الاشتراكي الأسبق يخلف بان كي مون على رأس الأمم المتحدة

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»
TT

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

اختير رئيس وزراء البرتغال الأسبق أنطونيو غوتيريش، رئيس وزراء البرتغال الأسبق، المفوض السامي العاشر لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أمينًا عامًا جديدًا للمنظمة الدولية، خلفًا للأمين العام المنتهية ولايته بان كي مون. وبهذا يغدو غوتيريش الأمين العام التاسع للأمم المتحدة، والأمين الرابع من أوروبا، بعد النرويجي تريغفي لي، والسويدي داغ همرشولد، والنمساوي كورت فالدهايم.
التوافق على اختيار أنطونيو غوتيريش أمينًا عامًا جديدًا للأمم المتحدة خلفًا لبان كي مون، كان أمرًا متوقعًا في نظر متابعي الترشيحات وسير عملية الاقتراع داخل أروقة مبنى المنظمة الدولية في نيويورك. ذلك أن المهندس والسياسي الاشتراكي البرتغالي، الذي قاد بلاده بين عامي 1995 و2002، ثم تولى بنجاح كبير إدارة ملف اللاجئين على امتداد العالم في أعقاب توليه مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، تصدّر كل عمليات الاقتراع. وكان جليًا أيضًا، على الصعيد السياسي، أن غوتيريش غير مهدّد بأي «فيتو» من القوى الكبرى المؤثرة التي لا بد من كسب ثقتها، أو على الأقل تحييدها، بل كانت كل القوى الكبرى تنظر إليه على أنه شخصية عاقلة ومسؤولة ومعتدلة، غير مثيرة للجدل، وغير محسوبة على أي خط في صراعات المحاور والثقافات.
* بطاقة شخصية
ولد أنطونيو مانويل دي أوليفيرا غوتيريش يوم 30 أبريل (نيسان) عام 1949، في العاصمة البرتغالية لشبونة. وهو كاثوليكي واشتراكي وسياسي ودبلوماسي لبق، دولي الاهتمامات، ويلم بعدة لغات.
تزوّج مرتين، في المرة الأولى من لويزا غيمارايش إي ميلو بين 1972 و1998، ثم بعد وفاتها تزوج عام 2001 كاتارينا فاز بينتو. وهو أب لولد وبنت.
في مرحلة الدراسة الجامعية درس الفيزياء والهندسة الكهربائية بالمعهد العالي للتكنولوجيا التابع لجامعة لشبونة، وتولى بعد التخرج عام 1971 التدريس فيه برتبة أستاذ مساعد.
بعد ثلاث سنوات، إبان فترة مثيرة وحاسمة من تاريخ البرتغال كانت فيها الديكتاتورية تعيش أيامها الأخيرة، شق المهندس الشاب طريقه في عالم السياسة، عندما انضم إلى صفوف الحزب الاشتراكي البرتغالي عام 1974. ولم يلبث أن استهوته السياسة لدرجة أنه تخلّى عن الهندسة والتدريس الجامعي وتفرّغ تمامًا للعمل السياسي الحزبي.
* «ثورة القرنفل»
والحقيقة أن غوتيريش كان إبان «ثورة القرنفل» في أبريل 1974، التي أسقطت ديكتاتورية مارسيلو كايتانو «وريث» ديكتاتورية أنطونيو سالازار، من الشبان الناشطين بقوة في عملية إعادة تنظيم الحزب الاشتراكي، ومن ثم تدرج في المواقع الحزبية، وبسرعة دخل البرلمان نائبًا اشتراكيًا عن إحدى دوائر لشبونة، ثم دائرة كاستيلو برانكو بوسط البرتغال، التي احتفظ بمقعده فيها بين 1976 و1995.
في عام 1988 خلف غوتيريش، في طريقه صعودًا نحو الزعامة، جورج سمبايو في رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب. ثم في عام 1992 أصبح أمينًا عامًا للحزب وزعيمًا للمعارضة في مواجهة آنيبال كافاكو سيلفا رئيس الوزراء اليميني زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم، واختير أمينًا عامًا لـ«الاشتراكية الدولية»، التجمع الكبير لمعظم الأحزاب الاشتراكية في العالم.
* رئيسًا للحكومة البرتغالية
وفي أعقاب تقاعد رئيس الوزراء كافاكو سيلفا، نجح الحزب الاشتراكي بقيادة أمينه العام غوتيريش في الفوز بالانتخابات العامة متغلبًا على الديمقراطيين الاجتماعيين، وهكذا تولى رئاسة الحكومة. وبفضل شعبيته العريضة تمكن من قيادة الاشتراكيين إلى انتصار انتخابي آخر في انتخابات عام 1999، وخلال عام 2000 تولى رئاسة «مجلس أوروبا».
غير أن شعبية الاشتراكيين أخذت تذوي فيما بعد تحت وطأة الانقسامات والخلافات، وتداعيات هزيمة الحزب في الانتخابات البلدية. وبعدما حل سمبايو - الذي كان رئيسًا للجمهورية يومذاك - البرلمان ودعا إلى انتخابات عامة جديدة، كان غوتيريش قد ترك قيادة الحزب التي تولاها إدواردو فيرو رودريغيش. غير أن الزعيم الاشتراكي الجديد خسر، ومن ثم، قرّر غوتيريش هجر السياسة المحلية في البرتغال، وتفرغ لنشاطه في «الاشتراكية الدولية» التي تولى رئاستها حتى 2005.
في مايو (أيار) 2005، انتخب غوتيريش مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين في المفوضية التابعة للأمم المتحدة. وخلال فترة ولايته، أشرف على عملية الإصلاح الهيكلي داخل المفوضية التي يبلغ عدد موظفيها نحو 10 آلاف يتوزعون في 125 دولة. وشملت العملية تخفيض عدد الموظفين في مقرها في مدينة جنيف (سويسرا) بنسبة تزيد على 20 في المائة، وزيادة فعالية التكلفة وقدرة المفوضية على الاستجابة للطوارئ.
ومنذ ذلك الحين أهله نشاطه وتفانيه في مشروعات الإغاثة الدولية، وكثير منها في العالم العربي تحت وطأة محنة اللجوء من العراق وسوريا وعبر المتوسط من شمال أفريقيا، ناهيك عن شبكة علاقاته السياسية والاجتماعية الدولية على أعلى المستويات، لخوض معركة خلافة بان كي مون في الأمانة العامة للمنظمة الدولية.
* معركة الأمم المتحدة
لقد تنافس 10 مرشحين على خلافة الأمين العام الكوري الجنوبي بان المتقاعد بعد ولايتين، بينهم شخصيات عالمية مرموقة، مثل مديرة اليونيسكو البلغارية إيرينا بوكوفا، ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك. وكان كثيرون يرجّحون أن يذهب المنصب إلى إحدى دول أوروبا الشرقية التي لم تتمثل في هذا المنصب الدولي الرفيع بعد.
غير أن غوتيريش نجح حيث أخفق الآخرون، وكسب المنصب عن جدارة. والآن، على المستوى الرسمي، سيتولى الأمين العام الجديد منصبه يوم 1 يناير (كانون الثاني) المقبل، في أعقاب إرسال اسمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتأييد هذا الخيار. وكان بين التعليقات اللافتة بعد التوافق على غوتيريش قول مندوب فرنسا السفير فرنسوا دولاتر: «هذا خبر ممتاز للأمم المتحدة من حيث الشكل ومن حيث الجوهر».
وتوقع المندوب البريطاني السفير ماثيو رايكروفت، أن يكون غوتيريش «أمينًا عامًا قويًا جدًا وفعالاً جدًا»، بينما نوهت السفيرة سامانتا باور مندوبة الولايات المتحدة بـ«تجربة غوتيريش ورؤيته».
أما الشهادة الأكثر حميمية فجاءت من وطنه، وبالذات من الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دو سوزا، الذي قال: «لقد اختير أفضل شخص لشغل هذا المنصب، هذا أمر جيد جدًا للأمم المتحدة وجيد جدًا للبرتغال.. أنطونيو غوتيريش شخص استثنائي».



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».