تفجير انتحاري على الحدود التركية يستهدف مقاتلين في فصائل سورية.. و«داعش» يتبنى

انحسار نفوذ التنظيم والنظام ميدانيًا خلال الشهر الماضي أمام تقدم المعارضة

سوريون من بلدة «وقف» بريف حلب الشمالي يهربون من سيطرة «داعش» باتجاه بلدة الراعي المجاورة التي تم تحريرها أخيرا عبر معركة «درع الفرات» (رويترز)
سوريون من بلدة «وقف» بريف حلب الشمالي يهربون من سيطرة «داعش» باتجاه بلدة الراعي المجاورة التي تم تحريرها أخيرا عبر معركة «درع الفرات» (رويترز)
TT
20

تفجير انتحاري على الحدود التركية يستهدف مقاتلين في فصائل سورية.. و«داعش» يتبنى

سوريون من بلدة «وقف» بريف حلب الشمالي يهربون من سيطرة «داعش» باتجاه بلدة الراعي المجاورة التي تم تحريرها أخيرا عبر معركة «درع الفرات» (رويترز)
سوريون من بلدة «وقف» بريف حلب الشمالي يهربون من سيطرة «داعش» باتجاه بلدة الراعي المجاورة التي تم تحريرها أخيرا عبر معركة «درع الفرات» (رويترز)

رسم التفجير الانتحاري الذي استهدف معبر أطمة الحدودي مع تركيا في شمال سوريا، وأودى بحياة 29 شخصًا، شكوكًا حول ما إذا كان اغتيالا لقادة معارضين يقاتلون ضمن عملية «درع الفرات» ضد تنظيم داعش في حلب، بالنظر إلى أن التفجير استهدف قياديين بارزين في المعارضة، في لحظة تواصل فيها هذه القوات المدعومة من تركيا، عملياتها ضد «داعش» في ريف حلب الشمالي وأفقدته جزءًا واسعًا من نفوذه، وتقدمت على حسابه.
وقتل 29 مقاتلا على الأقل، أمس، من الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة، في تفجير انتحاري تبناه تنظيم داعش، عند معبر أطمة على الحدود بين سوريا وتركيا، وفق حصيلة جديدة أوردها «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وأفاد المرصد بارتفاع حصيلة التفجير الذي هز منطقة معبر أطمة الحدودي في ريف إدلب (شمال غرب) إلى «29 مقاتلا من الفصائل على الأقل بينهم قادة عسكريون».
وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن إن العملية «تمثل ردًا من قبل (داعش) على العمليات العسكرية التي تتوسع ضد التنظيم بريف حلب الشمالي»، مشيرًا إلى أن تلك العمليات «أفقدت التنظيم الكثير من مناطق نفوذه».
وبقيت فرضية «الاغتيال»، في إطار الشكوك، وقال القيادي في «أحرار الشام» محمد الشامي إن التحقيقات ستثبت ذلك، مشيرًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن التحقيقات «تبحث في فرضية الاختراق الأمني لإحدى الفصائل، كون التفجير يقع للمرة الثانية في المنطقة نفسها خلال فترة بسيطة». وقال الشامي إن التفجير «استهدف رتل المؤازرة الذي كان يتوجه للقتال ضد (داعش) ضمن عملية درع الفرات بريف حلب الشمالي».
وبحسب مصادر المعارضة، قتل في التفجير القيادي في «أحرار الشام» الشيخ هشام خليفة الذي قاد معركة رتيان ضد «داعش» في وقت سابق. كما قتل قياديان بارزان من المعارضة، هما رئيس مجلس القضاء الأعلى خالد السيد والنائب العام محمد الفرج.
وتبنى تنظيم داعش التفجير في بيان تداولته مواقع وحسابات جهادية. وأورد في بيان نقلاه وكالة «أعماق»: «وفق الله جندي الخلافة.. من الانغماس وسط تجمع كبير» لفصائل قال إنها مدعومة «أميركيا» كانت تستعد لـ«الدخول لقتال» التنظيم. وأضاف: «فجر الاستشهادي سيارته المفخخة فيهم»، لافتا إلى أن قياديين من حركة أحرار الشام الإسلامية في عداد القتلى.
وأفادت وكالة «الأناضول» التركية التي أوردت في حصيلة أولية أن عدد القتلى عشرون، بأن التفجير وقع أثناء «تبديل المناوبات» أيضا.
وينضوي المقاتلون الذين استهدفهم التفجير في إطار فصائل معارضة تدعمها أنقرة، وتواصل قتالها ضد التنظيم بريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، حيث باتت على مسافة قريبة من بلدة «دابق» الرمزية بالنسبة للتنظيم.
ومنذ بدء هجماتها ضمن عملية «درع الفرات»، وسعت قوات المعارضة السورية نطاق سيطرتها العسكرية على حساب «داعش» في ريف حلب الشمالي، حيث بلغت مساحة المنطقة المسيطر عليها بعد طرد تنظيم داعش نحو 960 كيلومترا مربعا.
هذه المساحة، إلى جانب التقدم الذي أحرزته قوات المعارضة على حساب قوات النظام في ريف حماه، يبلغ 0.65 في المائة من المساحة الفعلية في سوريا، علما بأن قوات المعارضة هي الوحيدة بين القوى المتصارعة في سوريا التي حققت تقدمًا ملحوظًا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، فيما كان «داعش» والنظام، أبرز الذين خسروا مناطق يسيطرون عليها، حيث بلغت خسائر «داعش» 0.43 في المائة من المساحة الجغرافية الفعلية في سوريا، بينما خسر النظام 22 في المائة من المساحة.
ورد ذلك في خريطة النفوذ العسكري لشهر سبتمبر 2016، التي أصدرها مركز «جسور»، والتي أظهرت بعض التغيرات في نسب السيطرة الكلية والفعّالة لمختلف الأطراف المتحاربة عن خريطة النفوذ العسكري للشهر الماضي.
وقال المركز في تقريره: «حققت قوات المعارضة السورية في شهر أيلول تقدمًا كبيرًا في الريف الشمالي لمدينة حماه». وفيما تحدث عن تقدم المعارضة في مناطق الريف الشمالي لحلب المحاذية للحدود مع تركيا، قال إنه «في مدينة حلب كثف الطيران الروسي وطيران النظام قصفهما الوحشي على أحياء حلب الشرقية تمهيدًا لاجتياح بري متوقع، لكن دون أن تفلح قوات النظام والميليشيات المساندة حتى اللحظة في إحراز تقدم نوعي».
ورغم توالي التقارير الصحافية والتصريحات الرسمية التركية والأميركية حول قرب إطلاق معركة تحرير مدينتي «الرقة» و«الباب» من قبضة تنظيم داعش، فإن شهر سبتمبر لم يشهد أي استعدادات عسكرية ومؤشرات جدية بهذا الصدد، وذلك على ضوء الخلاف بين الطرفين التركي والأميركي حول مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية التي بقيت نسبة سيطرتها شبه ثابتة خلال الشهر الماضي.



ضربات واشنطن على الحوثيين لا تتوقف... وقلق أممي على المدنيين

آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
TT
20

ضربات واشنطن على الحوثيين لا تتوقف... وقلق أممي على المدنيين

آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)

وسط قلق أممي من تصاعد الخسائر في أوساط المدنيين، ضربت غارات أميركية، ليل الاثنين وفجر الثلاثاء، مواقع مفترضة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة وعمران، وذلك غداة خسارة واشنطن أولى مقاتلاتها منذ بدء الحملة التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب ضد الجماعة في منتصف مارس (آذار) الماضي.

وطبقاً لأهداف الحملة المعلنة، يسعى ترمب إلى إرغام الجماعة المدعومة من إيران على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل ضمن ما تقول الجماعة إنه مناصرة للفلسطينيين في غزة.

وغداة إعلان الجماعة الحوثية مقتل 68 مهاجراً أفريقياً وإصابة 48 آخرين في أحد مراكز الاحتجاز، إثر ضربة في صعدة نسبتها الجماعة للمقاتلات الأميركية، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان: «نشعر بالحزن إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح، حيث يُعتقد أن العديد من المهاجرين قد لقوا حتفهم أو جُرحوا».

وحذر المتحدث الأممي من أن هذه الأعداد قد ترتفع مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ، التي يقودها المستجيبون في الخطوط الأمامية.

وإذ يُتهم الحوثيون باتخاذهم المدنيين والسجناء دروعاً بشرية، لم يعلق الجيش الأميركي على الواقعة التي ذهب ضحيتها العشرات في مركز الاحتجاز، في حين استمرت ضرباته المتصاعدة في أسبوعها السابع.

وبحسب الإعلام الحوثي، ضربت غارتان مديرية بني حشيش حيث الضواحي الشرقية لصنعاء، كما ضربت غارات أخرى الضواحي الجنوبية الشرقية حيث مديرية بلاد الروس، وفي شرقي مدينة صنعاء استهدفت 4 غارات منطقة براش خلف جبل نقم.

وفي حين يعتقد أن الضربات استهدفت مواقع محصنة في المناطق الجبلية التي تم قصفها أكثر من مرة، يتكتم الحوثيون على خسائرهم العسكرية على مستوى العناصر والأفراد.

تصاعد ألسنة اللهب من موقع مفترض للحوثيين في صنعاء إثر غارات جوية أميركية (إ.ب.أ)
تصاعد ألسنة اللهب من موقع مفترض للحوثيين في صنعاء إثر غارات جوية أميركية (إ.ب.أ)

ويقول الجيش الأميركي إنه نفذ أكثر من 800 ضربة أدت إلى قتل مئات من عناصر الجماعة وقادتها وتدمير الكثير من قدراتها.

وفي محافظة صعدة، أفاد إعلام الحوثيين باستقبال غارة في منطقة المهاذر التابعة لمديرية سحار، وبتلقي ثلاث غارات على مديرية حرف سفيان في محافظة عمران شمال صنعاء.

ومع بدء الحملة، توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجماعة المدعومة من إيران بـ«القوة المميتة» وبـ«القضاء عليهم تماماً»، في حين ترى الحكومة الشرعية اليمنية أن السبيل الأمثل هو دعم قواتها على الأرض لإنهاء التهديد الحوثي واستعادة المناطق الخاضعة بالقوة للجماعة، بما فيها الحديدة وصنعاء وصعدة.

خسارة أول مقاتلة

منذ بدء حملة ترمب ضد الحوثيين أقر مسؤولون أميركيون، الاثنين، بخسارة أولى مقاتلاتهم، من طراز «إف 18»، وغرقها في البحر وإصابة أحد أفراد الطاقم بشكل طفيف، ولم تتضح بعد أسباب سقوطها، إلا أن تقارير غربية ذكرت أنها سقطت في أثناء مناورة حاملة الطائرات «هاري ترومان» شمالي البحر الأحمر، لتفادي هجمات الحوثيين.

وكان المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، تبنى، مساء الاثنين، تنفيذ عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى حاملة الطائرات «هاري ترومان» والقطع الحربية التابعة لها، فيما استهدفت الثانية هدفاً حيوياً إسرائيلياً في منطقة عسقلان.

مقاتلة أميركية تقلع من متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تقلع من متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي مهاجمة الحاملة بالصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة، كما زعم مهاجمة إسرائيل بطائرة مسيرة، وهي المزاعم التي لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وفي سياق الخسائر الأميركية، كان مسؤولون أميركيون تحدثوا للإعلام عن خسارة سبع مسيرات من طراز «إم كيو 9»، خلال الحملة الأخيرة ضد الحوثيين، قيمتها أكثر من 200 مليون دولار.

من جهتهم، يزعم الحوثيون أنهم أسقطوا 22 مسيرة أميركية منذ انخراطهم في التصعيد البحري والإقليمي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وللحفاظ على سرية العمليات، قالت القيادة المركزية الأميركية إنها تعمدت تقليص الكشف عن تفاصيل عملياتها الجارية أو المستقبلية. وقالت في بيان في وقت سابق: «نحن نتبع نهجاً مدروساً للغاية في عملياتنا، لكننا لن نكشف عن تفاصيل ما قمنا به أو ما سنقوم به لاحقاً».

وتعهد البيان الأميركي بمواصلة تصعيد الضغط والعمل على تفكيك قدرات الحوثيين بشكل أكبر ما داموا مستمرين في عرقلة حرية الملاحة، مؤكداً تنفيذ 800 ضربة من بدء العملية التي أطلق عليها «الفارس الخشن».

الجيش الأميركي تبنى 800 ضربة ضد مواقع مفترضة للحوثيين خلال 7 أسابيع (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي تبنى 800 ضربة ضد مواقع مفترضة للحوثيين خلال 7 أسابيع (أ.ف.ب)

وتسببت هذه الضربات - بحسب البيان - في مقتل المئات من مقاتلي الحوثيين وعدد كبير من قادتهم، بمن في ذلك مسؤولون كبار عن الصواريخ والطائرات المسيرة. كما دمرت الضربات عدة منشآت للقيادة والسيطرة، وأنظمة دفاع جوي، ومرافق تصنيع أسلحة متقدمة، ومستودعات تخزين للأسلحة المتطورة.

الضغط بالعقوبات

إلى جانب الضغط العسكري على الحوثيين، واصلت واشنطن فرض عقوباتها على الكيانات الحوثية وعلى الأفراد والشركات والجهات الداعمة للجماعة، وذلك منذ تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية».

وفي بيان للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، أوضحت أن بلادها فرضت، الاثنين، عقوبات على ثلاث سفن ومالكيها لدعمهم الحوثيين المدعومين من إيران عبر نقل منتجات نفطية مكررة إلى ميناء يسيطر عليه الحوثيون.

وشددت بروس على أن الولايات المتحدة ملتزمة بعرقلة وإيقاف مصادر الإيرادات غير المشروعة للحوثيين، ومقدمي التسهيلات المالية، والموردين كجزء من نهجها الذي يشمل الحكومة بأكملها للقضاء على التهديدات التي تواجه حرية الملاحة في البحر الأحمر.

واعترف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه بتلقي 1200 غارة جوية وقصف بحري خلال 6 أسابيع من حملة ترمب، لكنه زعم أن الضربات لم تؤثر على قدرات جماعته العسكرية، بخلاف تقارير أميركية تحدثت عن مقتل المئات وتدمير مستودعات أسلحة محصنة وثكنات.

وأطلق الحوثيون 16 صاروخاً باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي، دون تأثير عسكري إلى جانب إطلاق عدد من المسيرات.

ومنذ انخراط الجماعة في الصراع البحري والإقليمي بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت أطلقت نحو 200 صاروخ ومسيرة باتجاه إسرائيل، وتسببت هجماتها البحرية في غرق سفينتين، وقرصنة ثالثة.

عنصر حوثي في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمها عبد الملك الحوثي (إ.ب.أ)
عنصر حوثي في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمها عبد الملك الحوثي (إ.ب.أ)

وتلقت الجماعة نحو ألف غارة وضربة جوية في عهد الرئيس جو بايدن بين 12 يناير (كانون الثاني) 2024، و20 يناير 2025، قبل أن تتوقف على إثر هدنة غزة المنهارة بين إسرائيل وحركة «حماس».

ويربط الحوثيون توقف هجماتهم بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدخال المساعدات، في حين تربط واشنطن وقف حملتها بإنهاء تهديد الجماعة للملاحة، ولا يستبعد المراقبون أن تتطور الحملة الأميركية إلى عملية برية تقودها القوات الحكومية اليمنية لإنهاء النفوذ الحوثي.