متحف «عيون موسى» العسكري.. قصة معركة باسلة للجيش المصري

استخدمه الجيش الإسرائيلي لقصف المدنيين في السويس وبور توفيق

موقع غرفة القائد الإسرائيلي وبها مقتنيات له وللجنود («الشرق الأوسط»)
موقع غرفة القائد الإسرائيلي وبها مقتنيات له وللجنود («الشرق الأوسط»)
TT

متحف «عيون موسى» العسكري.. قصة معركة باسلة للجيش المصري

موقع غرفة القائد الإسرائيلي وبها مقتنيات له وللجنود («الشرق الأوسط»)
موقع غرفة القائد الإسرائيلي وبها مقتنيات له وللجنود («الشرق الأوسط»)

مع حلول ذكرى نصر أكتوبر المجيد، احتفل المصريون أمس بالذكرى الـ43 كل على طريقته الخاصة، فهناك من احتفل على مواقع التواصل الاجتماعي ببث أغاني النصر التي تغنى بها كبار المطربين العرب، أو بنشر صور لأسرى الجنود الإسرائيليين، أو صور لأبطال العمليات القتالية من ضباط وجنود الجيش المصري، في حين فضلت بعض العائلات المصرية استغلال يوم العطلة الرسمية، الموافق 6 أكتوبر (تشرين الأول)، والتوجه لزيارة المواقع والمتاحف الحربية.
ومن أهم المزارات الحربية التي تجسد تضحيات الجيش المصري مزار «عيون موسى» السياحي العسكري، أو موقع متحف «النقطة الحصينة»، وهو من أهم المواقع التي تروي تفاصيل مثيرة لموقعة باسلة خاضها الجيش المصري. ويقع المتحف على بعد نحو 20 كيلومترا من مدينة السويس (شمال شرقي مصر)، على مقربة من موقع عيون موسى التاريخي الذي سميت النقطة باسمه، وهو الموقع الذي مر به سيدنا موسي (عليه السلام) حين استسقي ربه، فتفجرت له اثنتا عشرة عينا من الصخر.
وما أن تصل إلى الموقع، تجد لافتة المتحف عليها صورة ضخمة بالأبيض والأسود توثق لزيارة الملك السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز للموقع مع بطل الحرب الرئيس الراحل أنور السادات، ثم يصطحبك أحد جنود القوات المسلحة لشرح أهمية الموقع، ومحتوياته من أسلحة ومعدات عسكرية ومتعلقات شخصية تخص الجنود الإسرائيليين وقادتهم.
المكان جبلي الطبيعة، تحيطه أراضٍ صحراوية، وبالفعل ستشعر بالعطش بعد عدة خطوات. ويروي لك المرشد أن موقع المتحف شهد معركة باسلة خاضها الجيش المصري خلال حرب أكتوبر عام 1973 حتى استرد الموقع، وكيف ضحى عدد كبير من الجنود في سبيل الاستيلاء على ذلك الموقع. ومن القصص التي ستعرفها كيف أن أحد الجنود ألقى بنفسه ليتلقى الرصاصات والقذائف الإسرائيلية ليمر زملاؤه، وقصة صمود الكتيبة 603 من اللواء 130 مشاة برمائيات، التي صمدت 134 يوما بلا إمدادات أو مؤن لحماية الموقع، وحماية النصر الذي حققوه.
وتبدأ الجولة داخل خندق صغير، به ممرات الحصن التي تؤدي لأماكن العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث كان القادة يجتمعون بالجنود، وأماكن لمبيت الجنود، وأدوات عسكرية وأسلحة محرمة دوليا كانت تستخدم ضد المدنيين من أهالي السويس. ومن بين مقتنيات المتحف أول صورة بالقمر الصناعي لمنطقة خليج السويس التي أهدتها الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل لتحديد المواقع المصرية المستهدفة.
وعن الأهمية الاستراتيجية للموقع، فإنك ستتعرف عليها عند العبور والصعود لأعلى نقطة بالموقع التي يوجد بها المنظار المعظم، ذلك المنظار الذي يمكن القائد من الرؤية البانورامية للجزء الشمالي من خليج السويس الذي يعد المدخل الجنوبي لقناة السويس.
وفي آخر أحد الخنادق، ستجد مدفع «أبو جاموس»، وهو مدفع هاوتزر عيار 155 ملم، وأطلق عليه أهالي السويس هذا الاسم لصوته المخيف، ولشدة تدميره. وهو مدفع فرنسي الصنع، ضخم، يرتكز على أربع عجلات، ويحتاج لـ8 جنود لتشغيله، وكانت تطلق منه القذائف على مدينتي السويس وبورتوفيق، وتقصف مصانع البترول والزيتيات ومصنع السماد وميناء الأدبية والمنشآت المدنية بمدينة السويس وبورتوفيق.
وكان اقتحام تلك النقطة من المهام المستحيلة، فهي تتكون من 6 دشم خراسانية مسلحة ذات حوائط سميكة مغطاة بقضبان سكة حديد، وفوقها سلاسل من الصخور والحجارة التي يمكنها تحمل القنابل زنة ألف رطل، كما أنها محاطة بنطاقين من الأسلاك الشائكة، ومزودة بشبكه إنذار إلكترونية. وكل دشمة بابها من الصلب، وهناك أماكن مخصصة لمبيت الجنود والقادة، يربطها خنادق للمواصلات، ويعلوها نقط مراقبة ومنشآت إدارية وطبية، وهذه النقطة بها الاكتفاء الذاتي الذي يكفيها لمدة شهر. وكان الجيش الإسرائيلي من هذا الموقع يتحكم في طريق الشط - الطور المؤدي إلى جنوب سيناء.
ورغم كل التحصينات التي تتمتع بها تلك النقطة، فإن 3 مجموعات قتال تابعة للجيش المصري نجحت يوم 9 أكتوبر 1973 في السيطرة على النقطة، لتأمين الهيئات ذات الأهمية التكتيكية والحيوية حوله، بعدما انسحبت منها القوات الإسرائيلية، تاركة وراءها الموقع بكامل أسلحته ومعداته.
وعلى مدار أيام، حاول الجيش الإسرائيلي شن هجوم مضاد لاستعادة النقطة الاستراتيجية التي استخدم فيها ضربات الطيران، إلا أن القوات المصرية نجحت في صد كل تلك الهجمات بنجاح. وأصبح الموقع الآن مزارا سياحيا يستقبل الرحلات والزوار الذين يلتقطون به الصور وصور «السيلفي» مع مجسمات للقادة بالزي العسكري الإسرائيلي، ومع المدافع والأسلحة، كما تحولت كابينة المنظار الإسرائيلي إلى مقهى ومطعم يقضي به الزوار فترة للاستراحة من عناء الجولة، منتشين بنشوة النصر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».