الفنان الفلبيني جوناثان بادون يحلق في سان دييغو

يغني بخمس لغات لصالح مرضى السرطان

المغني العالمي جوناثان بادون
المغني العالمي جوناثان بادون
TT

الفنان الفلبيني جوناثان بادون يحلق في سان دييغو

المغني العالمي جوناثان بادون
المغني العالمي جوناثان بادون

من كان يفكر أن براعة الغناء الأوبرالي تأتي من بلد آسيوي ومن جزر الفلبين التي يبلغ عددها 7641 جزيرة؟
هذا ما أثبته المغني العالمي جوناثان بادون الذي يتقن خمس لغات من بينها الإنجليزية والإسبانية والإيطالية والفرنسية والألمانية ولغة بلاده المحلية ويغني بتلك اللغات كما يستطيع تقليد اللغات الأخرى بطلاقة رغم عدم إلمامه بها. حضرنا الحفل الموسيقي الخاص في المكتبة العامة بسان دييغو لصالح مرضى السرطان واكتشفنا المواهب الخفية المتميزة للمطرب الفلبيني من طبقة التينور المعروف في بلاده في السنوات الأخيرة، الذي تبرع بإقامة الحفلة لأسباب إنسانية ولوجود ثلاثة مليون ونصف مواطن من أصل فيلبيني في الولايات المتحدة وكثير منهم يعمل في القوات المسلحة في سان دييغو.
يتعارض هذا الموقف النبيل مع فظاظة رئيس جمهورية الفلبين، رودريغو دوتيرتي، الذي قام مؤخرا بتحد واستفزاز القوة الأعظم في العالم وحليفة بلاده بتصريحات تعكس سلاطة اللسان وتخطي كل الحدود وشتم الرئيس الأميركي علنا. تعود علاقات الفلبين مع الولايات المتحدة إلى القرن التاسع عشر حين احتلتها بعد حربها مع إسبانيا التي استعمرت تلك البلاد لمدة ثلاثة قرون منذ أن اكتشفها الرحالة ماجلان عام 1543 وسميت بالفلبين تكريما لملك إسبانيا آنذاك فيليب الثاني.
الفلبين بلد متنوع الأعراق والأديان واللغات فهناك 19 لغة يستعملها السكان وعددهم مائة مليون بما فيها العربية، وبسبب هذا التنوع نجد أنواعا كثيرة من الموسيقى، فمنها الموسيقى التقليدية المتأثرة بالطبيعة وأصوات الطيور كما هي الحال في إندونيسيا وماليزيا وهناك موسيقى «الغونغ» التي يعزفها المسلمون في جنوب البلاد مستخدمين آلات غير معروفة في الخارج، ثم هناك الموسيقى المتلونة بالأنغام الإسبانية منذ أيام الاستعمار ومن نوع «هابانيرا» المألوف حتى اليوم في إسبانيا والمكسيك. وكان الإسلام أول دين توحيدي وصل إلى الفلبين في القرن الرابع عشر منذ زيارة كريم المخدوم القادم من بلدان الخليج للتجارة، ويقدر عدد السكان المسلمين حاليا بـ11 في المائة من مجموع السكان.
ألقت هذه الخلفية بظلها على الفنانين والمغنين المعاصرين فمنهم من برع في الموسيقى الشبابية الحديثة، مثل البوب والروك والهيب هوب وغيرها، ومنهم من انصرف إلى الأوبرا الغربية، واشتهر مؤخرا آرثر إسبيريتو في ألمانيا حين غنى في مهرجان بادن بادن دورا رئيسيا في أوبرا «مانون ليسكو» لبوتشيني، ثم برع في حفل موسيقي كبير مع أوركسترا برلين الفلهرمونية بقيادة سيمون راتل. ووصلت الشهرة إلى زميله جوناثان زاينز حين قام بالدور الرئيسي في أوبرا «إكسير الحب» لدونيتزيتي في أوبرا برلين.
أما جوناثان بادون فقد اختار الأغاني المحبوبة الخفيفة من الأوبرات العالمية، مثل «البوهيميون» لبوتشيني و «كارمن» لبيزيه، والأغاني الشهيرة للمغني الإيطالي الموهوب أندريا بوتشيلي، وأغنية «سأعود إلى سورينتو» لكورتيس، و«فولاريه» لمودونيو، و«بيساميه ميموتشو» و«قبلني كثيرا» لفلاسكويز عازف البيانو المكسيكي، و«غرانادا» للموسيقار المكسيكي أوغسطين لارا، وختم الحفلة بأغنية شعبية محبوبة في الفلبين. لعل غلبة الطابع الإيطالي خصوصا من أغاني نابولي مردها إلى الدراسات العليا التي قام بها بادون في إيطاليا بعد تخرجه في المعهد الموسيقي في مانيلا عاصمة بلاده. وطريقته في الغناء تميزت بالروح العاطفية والحنين والألحان العذبة التي جلبت له الإعجاب والتصفيق الوفير.
يقول جوناثان بادون، في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، بعد حفلته الرائعة أنه فنان يتخطى حدود البلدان والثقافات ويمزج الموسيقى الكلاسيكية بالشعبية وأنه عاش في جو فني طوال حياته وتعلم كثيرا من فن الغناء من والدته التي كان صوتها من طبقة السوبرانو، وأضاف أنه لا ينسى الذكريات الحلوة لزياراته إلى المنطقة العربية وأوروبا وأميركا، واكتشفنا أنه لا يبرع فقط في الغناء بل في التصميم والرسم والفنون الجميلة وأن لديه مجموعة من التصاميم الهندسية للبلاد التي يزورها ويعجب بأبنيتها ومشاهدها، ومن بين أجمل ما أبدعه الصور والتصاميم الباهرة التي أعجبته في مدينة دبي.
إنه فنان عالمي بكل معنى الكلمة، ولا غرو أنهم يسمونه في بلده «الأمير العالمي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».