«عالم الأضواء» في موسكو.. إبداع متواصل من عام لآخر

مهرجان يحول واجهات أهم البنايات إلى لوحات فريدة الجمال

جانب من عرض الألعاب النارية والإضاءة في حفل ختام مهرجان عالم الضوء في موسكو - لوحة أخرى ترسمها الإضاءة على جدران مسرح البولشوي ضمن فعاليات مهرجان عالم الضوء في موسكو
جانب من عرض الألعاب النارية والإضاءة في حفل ختام مهرجان عالم الضوء في موسكو - لوحة أخرى ترسمها الإضاءة على جدران مسرح البولشوي ضمن فعاليات مهرجان عالم الضوء في موسكو
TT

«عالم الأضواء» في موسكو.. إبداع متواصل من عام لآخر

جانب من عرض الألعاب النارية والإضاءة في حفل ختام مهرجان عالم الضوء في موسكو - لوحة أخرى ترسمها الإضاءة على جدران مسرح البولشوي ضمن فعاليات مهرجان عالم الضوء في موسكو
جانب من عرض الألعاب النارية والإضاءة في حفل ختام مهرجان عالم الضوء في موسكو - لوحة أخرى ترسمها الإضاءة على جدران مسرح البولشوي ضمن فعاليات مهرجان عالم الضوء في موسكو

في وداع مفعم بالدفء لآخر مهرجانات «صيف - خريف 2016)، شهدت العاصمة الروسية موسكو في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر (أيلول)، فعاليات واحد من أشهر وأجمل المهرجانات الدولية، الذي يطلق عليه «عالم الضوء». وخلال أيام المهرجان، تحولت واجهات كثير من المباني الضخمة في العاصمة الروسية إلى شاشات عملاقة، عُرضت عليها لوحات فنية وأخرى تاريخية، وغير ذلك من لوحات قام بتصميمها فنانون خبراء في مجال الرسم بالإسقاط الضوئي. وشارك في المهرجان فرق فنية من 31 دولة، في مقدمتها الصين واليابان وبريطانيا وإسبانيا والبرازيل، ولأول مرة شارك هذا العام فرق من تايلاند وبيرو والأرجنتين واليونان وبلجيكا وسريلانكا ولبنان.
والفكرة الرئيسية التي يقوم عليها المهرجان هي مسابقات بين تصاميم فنية يتم رسمها بواسطة الإسقاط الضوئي على واجهات الأبنية الضخمة، ترافقها موسيقى من روح المشهد، وفي بعض الحالات يضفي الفنانون لمسة سحرية إضافية على لوحاتهم، بإضافة نوافير الماء والإسقاط الضوئي عليها، فضلا عن رسومات معينة بواسطة الألعاب النارية. وهذا العام، شكلت واجهات مبنى جامعة موسكو الحكومية، ومبنى مسرح البولشوي الروسي الشهير، فضلا عن مباني مجمع معرض الإنجازات الوطنية، شاشات عرض رئيسية للمسابقات الضوئية خلال المهرجان، بينما أقامت محافظة موسكو موقعا إضافيا للعرض على ضفاف قناة التجديف الواقعة ضمن مجمع رياضي ضخم في منطقة كريلاتسكوي الشهيرة، غرب موسكو.
ومن أجمل العروض خلال المهرجان عرض بعنوان «موسيقى مدن الضوء»، استخدم فيه المصممون نوافير الماء الراقصة، والأضواء الليزرية، ومختلف أجهزة الإسقاط الضوئي، ويشكل العرض جولة على المدن الروسية، حيث ترسم الإضاءة بجمال لا يمكن وصفه مشاهد من هذه المدينة الروسية أو تلك، وبالتزامن مع التوزيع الموسيقي، وانتشار اللوحات بالإضاءة المشعة بمختلف الألوان الباهرة، تنطلق نوافير الماء تتراقص وتتغير ألوانها، بتأثير إضاءة خاصة، لتصبح جزءا من المشهد العام، وكأنها علم يرفرف. وفي الختام، تنضم الألعاب النارية إلى موضوع العرض، وتنير درب الرحلة الضوئية بين المدن الروسية.
ولم يكن العرض الختامي أقل جمالية، إذ صمم المنظمون على ضفة قناة التجديف في موسكو قرية صغيرة، بارتفاع 50 مترا على طول الجزء المنخفض من ضفة القناة، ومقابله مدرج خاص للمشاهدين. وقد شكلت جدران تلك القرية لوحة لعرض المؤثرات الضوئية، بلغت مساحتها ما يزيد على 50 ألف متر مربع، مما جعلها تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
كما دخل المهرجان الموسوعة في فئة الحزمة الضوئية الأكثر كثافة. أما العرض بحد ذاته، فيبدأ من إسقاطات ضوئية على جدران تلك القرية، ويتخلله لاحقا رسم مشاهد بواسطة نوافير الماء الكثيرة والمتنوعة التي يتراقص بعضها، والبعض الآخر منها يطلق الماء بكثافة لارتفاعات شاهقة، بينما تجعل المؤثرات الضوئية من تلك النوافير وكأنها عنصر حي يخلق أجواء من الحركة في المشهد العام للوحة الرئيسية. وختاما، ينضم إلى المشهد العام العرض الأضخم طيلة أيام المهرجان للألعاب النارية، فيبث الدهشة بين الحضور وبعض الدفء في آخر دقائق من مهرجان تختتم به موسكو فعاليات ما قبل الشتاء.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».