باطن الأرض يكشف صور الحياة على المريخ

علماء: الميكروبات على الكوكب الأحمر كالتي يتعرض لها الإنسان

«ناسا» تعثر على غاز الميثان على سطح المريخ وتساؤلات حول إمكانية الحياة على الكوكب (نيويورك تايمز)
«ناسا» تعثر على غاز الميثان على سطح المريخ وتساؤلات حول إمكانية الحياة على الكوكب (نيويورك تايمز)
TT

باطن الأرض يكشف صور الحياة على المريخ

«ناسا» تعثر على غاز الميثان على سطح المريخ وتساؤلات حول إمكانية الحياة على الكوكب (نيويورك تايمز)
«ناسا» تعثر على غاز الميثان على سطح المريخ وتساؤلات حول إمكانية الحياة على الكوكب (نيويورك تايمز)

على عمق ميل من سطح الأرض وفي نفق غير مستخدم، شق مجموعة من العلماء طريقهم وسط الظلام في أرض موحلة وغير مستوية مزودين بخوذات بها كشافات مضيئة. ففي عالم خفي تحت الأرض داخل منجم ذهب يحمل اسم «بياتريكس»، وضع العلماء حقائب الظهر على الأرض وأخرجوا منها المعدات، وبدقة متناهية أعدوا أنابيب اختبار لجمع العينات.
بعد أن ثبت سلم على الجدار الصخري، صعد توليس سي أونستوت، عالم الجيولوجيا بجامعة برنستون، ليفتح صمامًا قديمًا على ارتفاع نحو عشرة أقدام من الأرض.
تدفق الماء المليء بالميكروبات والكائنات الدقيقة التي لا تعتمد على الدفء المنبعث من أشعة الشمس لكن على الحرارة التي يولدها باطن الأرض في الأسفل. هناك في الأعماق توجد أشكال الحياة الدقيقة - التي تحوي البكتيريا وغيرها من الميكروبات وحتى الديدان الدقيقة التي توجد في أماكن يستحيل الوصول إليها - وتعيش في ظلام دائم داخل الصخور الصلبة.
عكف العلماء، مثل الدكتور أنستوت، على دراسة نمط الحياة تحت الأرض، ليس في جنوب أفريقيا فحسب، بل أيضًا في مناجم بولاية ساوث داكوتا الأميركية وفي قاع المحيطات.
كان ما اكتشفه العلماء بمثابة مصدر إلهام قادهم للأماكن التي قد توجد فيها أنماط من الحياة بعيدا عن نظامنا الشمسي، منها كوكب المريخ. فالميكروبات على ظهر كوكب المريخ قد تشبه تلك الموجودة في الصخور هنا داخل منجم عميق في باطن الأرض.
استمر كوكب المريخ هدفا لاستكشافات الفضاء وأحلام الخيال العلمي، فقد أرسلت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الكثير من أجهزة الروبوت إلى المريخ أكثر من أي كوكب آخر، لكن الآن زاد الاهتمام بإرسال بشر إلى سطح الكوكب الأحمر. وحاليا تقوم «ناسا» بحملة دعاية لرحلتها المقبلة والتي أطلقت عليها اسم «رحلة إلى المريخ» بهدف إرسال رواد فضاء من البشر في الثلاثينات من القرن الحالي. فقد وعد أيلون ماسك، الملياردير ومؤسس شركة «سيس إكس» بأن شركته ستتمكن من الوصول إلى المريخ قبل التاريخ المحدد بعقد كامل وأنها سوف تبني مستعمرات هناك.
سيسهم وجود رواد الفضاء على سطح المريخ في تسريع وتيرة الإجابات على أكثر الأسئلة المحيرة إلحاحًا بشأن طبيعة الكوكب الأحمر، مثل هل كان هناك حياة على سطح الكوكب الأحمر في السابق؟ هل من الممكن أن تكون هناك حياة على سطح الكوكب اليوم؟
منذ أربعين عاما، أنفقت «ناسا» نحو مليار دولار على رحلتها التي حملت اسم «مهمة الفايكنغ» التي كشفت عن عالم بارد وجاف خال من أي وجود للجزيئات الحية التي تعتبر المكون الأساسي للحياة. غير أن مهاما علمية حديثة توصلت إلى أدلة دامغة على أن المريخ ليس بالكوكب الطارد للحياة. ففي فترة شبابه، أي منذ نحو ثلاثة مليارات سنة، كان الكوكب أدفأ ويتسم بالرطوبة مقارنة بحالة اليوم، وكان مغطى بطبقة سميكة من الغلاف الجوي قريبة الشبه بتلك التي تغلف سطح كوكب الأرض.
هناك فكرة خيالية، وإن كانت معقولة ظاهريا، تقول إن الحياة نشأت في البداية على كوكب المريخ ثم سافرت إلى الأرض عبر الأحجار النيزكية، ولذلك فكلنا انحدرنا من سلالة المريخيين. غير أن المريخ استحال باردا وجافا، وتسبب الإشعاع في تقسيم جزيئات الماء، وهروب ذرات الهيدروجين الخفيفة إلى الفضاء، وقل سمك الغلاف الجوي ليصبح حزما رقيقة.
لكن في حال كان هناك حياة على سطح المريخ في السابق، هل يمكن القول إنها انتقلت إلى الأرض واستقرت تحت السطح هنا؟
لعقدين من الزمان، استمر الدكتور أونستوت في العمل في السفر للعمل بمناجم الذهب بجنوب أفريقيا ليطلع مديري المناجم هناك على عجائب باطن الأرض ليساعدهم على التغلب على القلق الذي يعتريهم. وفي كثير من الحالات، شكلت المناجم طريقا سهلا لأعماق الأرض وبات العمال يتنقلون بسرعة كبيرة لمستويات مختلفة في باطن الأرض. الأمر يشبه الهبوط باستخدام مصعد من قمة ناطحة سحاب تتكون من 450 طابقًا.
فقد قام الدكتور أونستوت وزملاؤه برحلات داخل هذا النفق بمنجم «بيتريكس»، على بعد 160 ميلا جنوب غربي جوهانسبورغ.
يحاول العلماء انتقاء أنفاق جديدة عن طريق عمل ثقوب في الصخور لرؤية إن كان هناك مفاجآت في انتظارهم. وأحيانا تؤدي الآبار التي يحفرونها إلى أجزاء من صخور مكسورة يتسلل الماء من خلالها، ويحدث أن يجف الماء وتلتحم الشقوق مجددا.
لكن هذا النفق الموجود في منجم «بيتريكس» لم يدخل حيز الإنتاج من قبل، ولذلك استمر صمام البئر على حاله، مما سمح للعلماء بالعودة مجددا لجمع العينات من نفس المكان.
وفي هذا العمق، نحو ميل من سطح الأرض، تفتح أبواب المصعد على كهف خرساني مضاء ليبدو وكأنه مرآب للسيارات، ويتولى قطار صغير يسير على قضبان حديدية نقل عمال المنجم والمعدن الخام ذهابا وإيابا. والنفق الجانبي مظلم تماما بحيث يتطلب السير فيه ارتداء الخوذات المضيئة، والرحلة إلى الصمام تتطلب الخوض في الماء والطين القذر لكن في عربات مثبتة في أسلاك كهربائية.
وقام العلماء بقيادة الدكتور أونستوت بأحدث رحلاتهم إلى جنوب أفريقيا في يناير (كانون الثاني) وعلى مدار ساعتين، أخذ العلماء عينة من الماء وعلقوا جهازا متصلا بالصمام ليلتقط الميكروبات، واسترجعوا تلك الميكروبات في نهاية فصل الصيف. ومنذ ذلك الحين، استمر العلماء في تحليل العينات لفهم طبيعة تلك التركيبة الحياتية.
اكتشف العلماء أيضًا وجود الحياة في بيئات مختلفة تماما عن بيئاتنا، حتى في البيئة المعقمة - مثل الماء عالي الحموضة، والماء عالي الملوحة، والماء المغلي حول فوهات البراكين في قاع المحيط.
يمثل وجود غاز الميثان صلة محتملة بكوكب المريخ، فمنذ عشر سنوات قامت ثلاث فرق من العلماء، أحدهم تستخدم بيانات جمعها روبوت «أكبريس» من رحلة سابقة للمريخ تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، في حين اعتمدت الفرقتان الأخريان على ملاحظات تحصلتا عليها من خلال كوكب الأرض، حيث توصلت الفرق الثلاث إلى الزعم المثير للجدل بأن غاز الميثان يطفو فوق سطح المريخ.
شكل ذلك الاكتشاف مفاجأة لأن ضوء الشمس والتفاعلات الكيميائية تدمر غاز الميثان، ولذلك فأي غاز ميثان هناك لا بد وأن يكون قد ظهر مؤخرا. هناك طريقتان لإنتاج الميثان، الأولى تتم بطريقة بيولوجية تتطلب الحرارة والماء السائل، في حين تتم الأخرى عن طريق مولّدات الميثان. فعندما قامت مركبة «ناسا» بالدوران حول فوهة «غال» منذ عدت سنوات، اكتشفت كمية من غاز الميثان استمرت لبضعة شهور، ولم تلحظ «ناسا» وجودًا للميثان هناك بعد ذلك.
بحسب الفهم الاصطلاحي السائد، فإن الحياة على كوكب المريخ، إن كان هناك حياة، تقتصر على الميكروبات، لكن حتى هذا الأمر ليس سوى تخمين. ففي منجم جنوب أفريقيا اكتشف العلماء أيضًا مخلوقات عبارة عن ديدان دقيقة تتغذى على البكتيريا. فالحديث عن الحياة على المريخ، سواء في الماضي أو الحاضر، ليس سوى تخمين.
وحتى لو أن هناك حياة بدأت على المريخ منذ أربعة مليارات سنة ثم انتقلت للعيش تحت الأرض، فهل تستمر الحياة تحت الأرض لأربعة مليارات سنة؟
هناك أسباب للشك، إذ إنه عند انخفاض مستوى الماء والطاقة، تستطيع الميكروبات الإبطاء من عملية التمثيل الغذائي أو تمنع نفسها من الحركة، لكنها قد تعود للحياة عند تحسن الظروف. لكن الكثير من البيولوجيين يتشككون في إمكانية استمرار تعليق الحياة لعدة مليارات من السنين.
يفتقد كوكب المريخ أيضًا للصفائح التكتونية، وهي القشرة الخارجية للكواكب التي تحوي صخورًا متشققة تنتج معادن جديدة كي تتغذى عليها الميكروبات.
فإن كان هناك حياة على عمق كبير تحت السطح، فلن تعثر عليه الروبوتات وسفن الفضاء بسهولة. ومن المقرر أن تطلق «ناسا» سفينة الفضاء «إنسايت» عام 2018 لتحمل معدات قادرة على الحفر لعمق 16 قدمًا تحت السطح، لكن مهمتها ستقتصر فقط على استخدام ترمومتر لقياس تدفق الحرارة إلى السطح. وستستخدم «ناسا» مركبة «كريوستي» في رحلتها التالية في 2020 للقيام بعدة تجارب، حيث ستقوم بالحفر لجمع عينات من التربة، لكن هذه المرة ستكون عينات من الصخور الموجودة على سطح الكوكب.
*خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».