«سوق السبت» في بلجرشي.. رحلة إلى عمق التاريخ جنوب السعودية

الأهالي أعادوا إليها الحياة وحولوها إلى معلم سياحي

دار السوق ببلجرشي بعد ترميمها ورصفها ({الشرق الأوسط}) - دار السوق هجرها سكانها ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي وانتقلوا إلى أحياء سكنية حديثة - أهالي المنطقة أناروا أزقتها وأعتادوا تأهيل جدران بيوتها
دار السوق ببلجرشي بعد ترميمها ورصفها ({الشرق الأوسط}) - دار السوق هجرها سكانها ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي وانتقلوا إلى أحياء سكنية حديثة - أهالي المنطقة أناروا أزقتها وأعتادوا تأهيل جدران بيوتها
TT

«سوق السبت» في بلجرشي.. رحلة إلى عمق التاريخ جنوب السعودية

دار السوق ببلجرشي بعد ترميمها ورصفها ({الشرق الأوسط}) - دار السوق هجرها سكانها ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي وانتقلوا إلى أحياء سكنية حديثة - أهالي المنطقة أناروا أزقتها وأعتادوا تأهيل جدران بيوتها
دار السوق ببلجرشي بعد ترميمها ورصفها ({الشرق الأوسط}) - دار السوق هجرها سكانها ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي وانتقلوا إلى أحياء سكنية حديثة - أهالي المنطقة أناروا أزقتها وأعتادوا تأهيل جدران بيوتها

ما إن تطأ قدماك قرى «دار السوق» القديمة في محافظة بلجرشي (جنوب غربي السعودية)، حتى تدرك أنك تدخل في واحدة من أعرق الحضارات على مرّ التاريخ، فالبيوت الطينية بأسقفها الخشبية والأزقة المبنية بطريقة فريدة، تقود مخيلتك إلى حضارة الكنعانيين والعماليق الذين استوطنوا ما يعرف بمنطقة الباحة حاليًا.
أهالي المنطقة استفادوا من ميزة التاريخ، وحولوا قرى «دار السوق» إلى معلم سياحي عبر إنارة أزقتها وإعادة تأهيل جدران بيوتها، وهو ما جذب الزوار، لرؤية حضارة منطقة كان ساكنوها يحترفون الزراعة والتجارة ويلتقون لتبادل البضائع في «سوق السبت»، الذي لا تزال قائمة حتى اليوم.
وأوضح المؤرخ الدكتور أحمد قشاش، أن التجارة في المنطقة تجلّت من خلال «سوق السبت» في محافظة بلجرشي الواقعة في حاضرة منطقة الباحة، مبينًا أن اختيار يوم السبت ليكون سوقًا جعل بلجرشي القلب الاقتصادي النابض للمنطقة، لافتًا إلى أن اسم بلجرشي يعود إلى فخذ من قبيلة غامد، وهي من قبائل الأزد سكنتها قبل الميلاد بنحو مائة عام.
وأضاف قشاش أن «سوق السبت» تميزت بعرض سكان المنطقة محصولاتهم الزراعية ومنتجاتهم اليدوية فيها، والالتقاء عندها بالقوافل التجارية التي تحمل البضائع من القنفذة إلى بيشة، وتقع السوق حاليًا عند التقاء أربع قرى ضمن بلجرشي هي قرى العوذة ودار السلمية والغازي والركبة، كما أن أهالي المنطقة كانوا يجلبون البضائع حتى من خارج الجزيرة العربية، مشيرًا إلى أن السوق كانت محاطة بسور له ثلاثة أبواب تم هدمه منذ زمن، وأدرك بقاياه بعض كبار السن.
ورغم استمرار السوق الأسبوعية حتى يومنا هذا، فإن القرية القديمة المتاخمة للسوق هجرها سكانها ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي، وانتقلوا إلى أحياء سكنية حديثة وإلى مدن أخرى في السعودية بحثًا عن العمل، مشيرًا إلى تحول القرية القديمة إلى معلم سياحي يقصده أبناء المنطقة وزوارها، حيث تم رصف أزقتها وإنارة طرقاتها ومداخل بيوتها، بما يتيح لأبناء الجيل الحالي زيارة المكان والاطلاع على تاريخ هذه القرية الراسخة في عمق التاريخ، رغم أن أسقفها الخشبية والطينية بحاجة إلى تأهيل ليتمكن قاصدوها من الدخول والتعرف أكثر على مساكن الأسلاف.
وأكد الدكتور قشاش أن الكنعانيين والعماليق أول من سكن منطقة الباحة منذ آلاف السنين، وتوالت شعوب وأقوام عربية لاحقة، اختارت قمم السروات وسفوحها، لصنع حضارة ألهمت البشرية في علوم الزراعة والكتابة والتعدين وقطع الصخور.
وذكر أن جنوب غربي الجزيرة العربية الممتد من الطائف إلى عسير شهد حضارة مرت بمراحل ازدهرت خلالها علوم الزراعة وحفر الآبار وتقنيات استخراج المياه من الآبار حيث استطاع سكانها تهيئة سفوح الجبال بمصطبات زراعية تم تشييدها بقياسات هندسية محكمة، تسمح بتدفق مياه الآبار وحفظ مياه الأمطار لري الفواكه والحبوب، وبالتالي أسهمت المنطقة في إثراء الحضارة الإنسانية، مستشهدًا بما ذكره المؤرخ الأميركي ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة»، : «الشعير والذرة الرفيعة والقمح، واستئناس الماشية والماعز والضأن، وإن ظهرت كلها في مصر وبلاد ما بين النهرين منذ أقدم العهود المدونة، إلا أنها لم توجد في حالتها البرية الطبيعية في مصر بل في بلاد اليمن وبلاد العرب القديمة».
وأشار الدكتور قشاش إلى أولوية مسجلة لأسلاف سكان المنطقة في قطع الحجارة والبناء والتعدين كاستخراج الحديد والنحاس، قبل أي حضارة إنسانية أخرى، حيث أسهم تغير المناخ وانتهاء العصر الجليدي في نقل هذه العلوم إلى بلاد الرافدين وحوض النيل مع أوائل العرب المهاجرين، ومنها إلى مختلف أنحاء العالم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».