سفارات السعودية حول العالم تحتفل باليوم الوطني الـ86

وسط حضور لافت من المسؤولين والدبلوماسيين العرب والأجانب

جانب من احتفالات السفارة السعودية بأنقرة  - السفير السعودي لدى غانا هشام بن مشعل السويلم في احتفال السفارة باليوم الوطني
جانب من احتفالات السفارة السعودية بأنقرة - السفير السعودي لدى غانا هشام بن مشعل السويلم في احتفال السفارة باليوم الوطني
TT

سفارات السعودية حول العالم تحتفل باليوم الوطني الـ86

جانب من احتفالات السفارة السعودية بأنقرة  - السفير السعودي لدى غانا هشام بن مشعل السويلم في احتفال السفارة باليوم الوطني
جانب من احتفالات السفارة السعودية بأنقرة - السفير السعودي لدى غانا هشام بن مشعل السويلم في احتفال السفارة باليوم الوطني

أقام عدد من السفارات السعودية في الخارج حفلات استقبال بمناسبة اليوم الوطني الـ86، واستقبلت التهاني من السلك الدبلوماسي الذين أعربوا عن تمنياتهم الطيبة للحكومة السعودية بمزيد من التقدم والازدهار في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ومن جانبه، عبر نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان قورتولموش عن أمله في أن تستمر علاقات الصداقة بين شعبي تركيا والمملكة إلى الأبد وأن تتطور في مختلف المجالات. وقال قورتولموش في تصريحات خلال مشاركته في احتفال سفارة خادم الحرمين الشريفين في أنقرة مساء أول من أمس: «نأمل في أن تستمر علاقات الصداقة بين الشعبين التركي والسعودي إلى الأبد، وأتمنى أن تتطور هذه العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية بشكل مستمر». وحرصت الحكومة التركية على المشاركة في حفل السفارة الذي أقيم بأحد الفنادق الكبرى بالعاصمة أنقرة، بوفد كبير.
وفي الجزائر، احتفلت سفارة خادم الحرمين الشريفين باليوم الوطني أول من أمس وحضر الحفل عدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة الجزائرية ورؤساء منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الجزائر ولفيف من رجال الفكر والأدب والإعلام، وكان في استقبالهم سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجزائر الدكتور سامي بن عبد الله الصالح، وأعضاء البعثة.
وأقام القائم بالأعمال بالإنابة في سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى الدنمارك الوزير المفوض الدكتور حمد بن عبد الله بن خضير، أمس في العاصمة كوبنهاغن حفل استقبال بمناسبة ذكرى اليوم الوطني، حضره رؤساء البعثات الدبلوماسية للدول العربية والإسلامية والصديقة المعتمدون لدى الدنمارك، وعدد من مسؤولي الحكومة الدنماركية، ورجال الأعمال ورؤساء المراكز الإسلامية، وأبناء الجالية العربية والإسلامية، وأعضاء السفارة.
كما احتفلت السفارة السعودية في غانا باليوم الوطني أول من أمس خلال حفل استقبال في فندق موفنبيك بالعاصمة أكرا وكان في استقبال الضيوف والمهنئين سفير خادم الحرمين الشريفين هشام بن مشعل السويلم ومنسوبو السفارة وكان ضيف الشرف ممثلا عن الحكومة الغانية رشيد بيلبو، وزير الدولة في مكتب الرئاسة المسؤول عن تنمية القطاع الخاص والشراكة الخاصة والعامة وحضر عدد من ممثلي بعض الوزارات والبرلمانيين والملوك وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى غانا.
من جانبه، رفع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى كندا نايف بن بندر السديري التهاني والتبريكات للقيادة بمناسبة الذكرى الـ86 لليوم الوطني. ورفع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بلجيكا ولوكسمبورغ ورئيس بعثة المملكة لدى الاتحاد الأوروبي عبد الرحمن سليمان الأحمد باسمه ونيابة عن جميع منسوبي السفارة والمكاتب الفنية والطلبة السعوديين في مملكة بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ التهاني بمناسبة اليوم الوطني.
وبدوره، أشار السفير السعودي عبد الله بن مرزوق الزهراني لدى باكستان إلى أنه «مع اليوم الوطني نعيش عاما بعد آخر مراحل بناء وطن ورفعة أمة حتى نصل إلى العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الذي أعاد للحزم معناه الحقيقي».
كما أكد القائم بالأعمال بالإنابة في سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان المستشار وليد بن عبد الله بخاري أنَّ ذكرى اليوم الوطني للمملكة هي قصّة توحيد خَطّها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن (رحمه الله) مع عدد من الرجال وتم بناء وطن أضحى دولة ذات نفوذ عربي وإقليمي ودولي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)