مؤتمر إيطالي يسلط الضوء على مومياء لرجل عاش قبل 5300 عام

«أوتزي» يكشف عن أسرار العصر النحاسي والحجري الحديث

المومياء «اوتزي» في متحف الآثار بمدينة بولزانو الإيطالية - مجسم يتصور شكل «أوتزي» قبل أكثر من 5 آلاف سنة (غيتي)
المومياء «اوتزي» في متحف الآثار بمدينة بولزانو الإيطالية - مجسم يتصور شكل «أوتزي» قبل أكثر من 5 آلاف سنة (غيتي)
TT

مؤتمر إيطالي يسلط الضوء على مومياء لرجل عاش قبل 5300 عام

المومياء «اوتزي» في متحف الآثار بمدينة بولزانو الإيطالية - مجسم يتصور شكل «أوتزي» قبل أكثر من 5 آلاف سنة (غيتي)
المومياء «اوتزي» في متحف الآثار بمدينة بولزانو الإيطالية - مجسم يتصور شكل «أوتزي» قبل أكثر من 5 آلاف سنة (غيتي)

ضمن فعاليات الاحتفاء باليوبيل الفضي لاكتشاف المومياء أوتزي نظم مركز الأبحاث بمدينة بولزانو الإيطالية مؤتمرا عالميا 19 - 21 يختتم اليوم لإلقاء مزيد من الضوء على الأسرار التي تكشفت وما تزال تترى منذ ظهور أوتزي للعالم الحديث.
هذا وكانت الشرطة المحلية بمنطقة هاوسلابيوغ الحدودية بين إيطاليا والنمسا قد سجلت يوم 19 سبتمبر (أيلول) 1991 بلاغا جنائيا عقب إفادة سائحين ألمانيين عن جثة متيبسة بموقع جبلي تكشف لاحقا أنها مومياء لرجل عاش قبل 5300 سنة.
ظل الاعتقاد أن الجثة مجرد جثمان متسلق جبلي إلى أن تكشفت حقائق ومعلومات دقيقة بعدما تم نقلها يوم 22 لأحدث المعامل بجامعة انسبروك عاصمة إقليم تيرول النمساوي حيث عكف أكبر العلماء بمختلف الكليات سواء الطب أو الأحياء أو الفيزياء أو الاجتماع ناهيك عن الآثار بإجراء دراسات دقيقة شاملة وكاملة لتلك المومياء التي أطلقوا عليها اسم أوتزي نسبة لوادي أوتزال المحيط بمنطقة هاوسلابيوغ.
بعد أبحاث ودراسات تكشف أن المومياء تعود للحقبة 3100 - 3350 قبل الميلاد أو ما يصفه علماء الآثار بالعصر النحاسي بداية العصر الحجري الحديث.
حتى عام 1998 ظل أوتزي خاضعا لدراسات وأبحاث دقيقة ومكثفة برئاسة فرق نمساوية ثم وفقا لاتفاق، حسم نزاعا سياسيا نمساويا إيطاليا على أعلى المستويات حول ملكيته، تسلمت الحكومة الإيطالية أوتزي المحفوظ حاليا بمتحف الآثار بمدينة بولزانو ما وضع بولزانو على خريطة السياحة العالمية إذ يصطف المئات يوميا لإلقاء نظرة عليه.
من النتائج التي تم التوصل إليها أن أوتزي توفى نتيجة سهم حجري أصاب كتفه اليسرى سبب له نزيفا أفقده حياته، وأنه مات ما بين ثلاث إلى عشر ساعات بعد إصابته.
من جانب آخر ساعدت البحوث والاختبارات المقطعية والإشعاعية في الوقوف على حقائق ونتائج متنوعة ومتعددة عن نوعية حياة إنسان تلك المناطق الجبلية الثلجية وكيفية تعايشه مع ظروفها وفق تداخلاته صناعيا وطبيا وغذائيا بل وعسكريا حسب ما توفر له آنذاك.
ومما ظهر أن أوتزي كان مسلحا بسكين وفاس و14 سهما وأنه كان متدثرا بمعطف من فراء دب أما حذاؤه فدليل بالغ على مهارة الإسكافي الذي صنعه للسير على الثلوج كما كان يرتدي بنطالا من جلد بقر أو ماعز وله قبعة.
طبيا تقول الدراسات إن أوتزي كان مصابا بنوع من طفيليات المعدة ووجع في الركب عالجه في الأغلب برسم أوشام (أشبه بطريقة الوخذ بالإبر حديثا) لتخفيف الألم ورصدت بجسده رسومات لأكثر من 60 وشما مختلفا كما وجدت بالقرب منه سلة بها بقايا نوع من الفطر يبدو أنه احتاجه للقضاء على طفيليات أمعائه وجراثيمها. هذا وتزداد أهمية مومياء أوتزي لكونها وجدت رطبة كاملة الأعضاء مما يسهل الدراسات وعمليات الفحص عكس المومياوات التي اكتشفت فارغة الأحشاء بسبب ما خضعت إليه من عمليات تحنيط.
إلى ذلك تمت الاستعانة بأحدث وسائل تحليل الجينات وفي هذا السياق كان أكثر من 3700 نمساوي من سكان تلك المنطقة قد تبرعوا، كما ذكرت وكالة الأنباء النمساوية، لدراسة جيناتهم ومضاهاتها مع جينات أوتزي فلم يظهر له أقارب من ناحية الأم فيما ظهر أقارب من ناحية الأب أحدهم عالم ممن بحثوا جثمانه. أما السؤال الذي لم يجزم العلماء والمؤرخون بشأنه فيتعلق بمهنة أوتزي، هل كان صيادا أم تاجرا أم مزارعا أم راعيا أم زعيم قبيلة قاتل دفاعا عن عزتها وشرفها ضد غزاة أو قبيلة منافسة.
من جانبهما نجح فنانان هولنديان في تشكيل مجسم دقيق لما كان عليه أوتزي وفقا لمختلف الدراسات والأبحاث الدقيقة التي أجريت على جثته وحرفيتهما في استخدام نوع من السيلكون المطاط مستفيدان من تقنيات الطب الشرعي ودقة المواد والألوان والصباغ
أما السائحان الألمانيان هيلموت سيمون وزوجته اريكا اللذان قادتهما محض صدفة سياحية سعيدة وحس أمني عال لاكتشاف مومياء إنسان أوروبي أدت لنتائج علمية وأثرية بالغة الأهمية، فقد حكمت لهما محكمة إيطالية في عام 2000 بمكافأة بلغت 175 ألف يورو.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».