محمد رمضان: أعمل على انتعاشة المسرح.. والراحل عمر الشريف اقتنع بفني قبل الجميع

الفنان المصري اعتبر تقديم جزء ثان لأي عمل «إفلاسًا»

محمد رمضان  -  تجربته المسرحية على مسرح الهرم
محمد رمضان - تجربته المسرحية على مسرح الهرم
TT

محمد رمضان: أعمل على انتعاشة المسرح.. والراحل عمر الشريف اقتنع بفني قبل الجميع

محمد رمضان  -  تجربته المسرحية على مسرح الهرم
محمد رمضان - تجربته المسرحية على مسرح الهرم

البعض يشبهه بالنجم العالمي الكبير عمر الشريف، والبعض الآخر يرى فيه امتدادا للراحل أحمد زكي، فيما يحلو لفريق ثالث أن يقارن بداياته بالمطرب عبد الحليم حافظ، الذي وجهت له اتهامات بإفساد الذوق العام في بداياته الفنية، حيث يراه البعض «بلطجيًا»، لكن ما يتفق عليه الجميع أنه خلال سنوات قليلة صعد للقمة، وبات أحد نجوم «شباك السينما»، كما برز في أعمال الدراما التلفزيونية، وباتت أعماله تنافس نجوما تصل خبرتهم في هذه المجال لضعف عمره. الفنان المصري محمد رمضان، صار ظاهرة حقيقية في الحقل الفني المصري والعربي، بعد أن لمع نجمه في وقت قياسي، بعد أن ظهر في أعمال صغيرة في بداية مشواره، لكن سرعان ما أظهر قدراته ممثلا واعدا وموهبة حقيقية في فيلم «احكي يا شهرزاد» عام 2009، ثم صار بطلا مطلقا لكثير من الأفلام والمسلسلات الناجحة. رمضان صاحب الـ28 عامًا، وابن محافظة قنا بصعيد مصر، قدم كثيرا من الأفلام السينمائية المثيرة للجدل في السنوات الأربع الأخيرة؛ بدأها بـ«عبده موته» و«الألماني» عام 2012، ثم قدم «قلب الأسد» و«واحد صعيدي» و«شد أجزاء» في الفترة من 2013 حتى 2015. أما على مستوى الدراما؛ فقدم مسلسل «ابن حلال» قبل عامين، ثم مسلسل «الأسطورة» الذي حقق نجاحا كبيرا في شهر رمضان الماضي. وعلى خشبة المسرح يقدم النجم الأسمر حاليا عرض «أهلاً رمضان»، الذي لاقى نجاحا منقطع النظير وضرب الرقم القياسي في تاريخ إيرادات مسرح القطاع الخاص.
«الشرق الأوسط»، حاورت رمضان، فتحدث بصدق لا يخلو من الثقة المفرطة بالنفس، وأبدى رأيه في كل القضايا التي تشغل جماهيره، وجاء الحوار على النحو التالي:
* لماذا أقدمت على تقديم تجربة مسرحيه بعنوان: «أهلاً رمضان» في ظل الركود المسرحي؟
- أعتبر المسرح شيئا أساسيا لا غنى عنه، وأعشقه منذ الصغر، وكونت شخصيتي كممثل منه، ويعتبر صناعة لا تقل قيمة عن الدراما والسينما، ويرجع عدم اهتمام كثير من الممثلين بالأعمال المسرحية، إلى قلة مميزاته من حيث المادة والشهرة، ولكني أراه الأهم، وفوائده للممثل أكبر بكثير من السينما والتلفزيون، فهو يعطي القيمة للممثل أكثر من الأعمال الفنية بشقيها، والدليل وجود نجوم كبار لا نتذكر لهم إلا تاريخهم المسرحي المشرف كالنجم الكبير محمد صبحي، لذلك أعمل بكل قوة لأصنع انتعاشه للمسرح، حتى لا يقال إن المسرح في زمن محمد رمضان كان ميتًا أو ضعيفًا، وسعيد لاتخاذ هذا السبق لجيلي، وهدفي الأول هو إمتاع جمهوري.
* معنى ذلك أنك تعمل بالمسرح لإيمانك بدوره ولإمتاع جمهورك؟
- بالتأكيد، أعمل مسرح للمسرح فقط، وليس لملء حيز معين على شاشة بعض الفضائيات، المسرح غرضه الأساسي هو إمتاع الجمهور، وليس تحقيق أغراض أخرى، حتى يكون هناك إخلاص للعمل المسرحي، وأعمل عشقا له، ويجب أن أخلص له، ولذلك كان من شروطي في عقدي ألا يتم تصوير العرض وإذاعته على شاشات الفضائيات قبل ألف ليلة عرض، وهي فترة مناسبة لكي يراه الناس ويستمتعوا بها.
* ألا ترى أن دخولك المسرح كان خطوة متسرعة وغير مدروسة؟
- أنا مع مقولة: «من طلب شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه»، وبالفعل أجلت هذه الخطوة، ولذلك قمت بتقديم رواية بعنوان: «رئيس جمهورية نفسه» على مسرح القطاع العام «لجس نبض» الجمهور، وكنت أعلم أن روايات القطاع العام ليس بها الإمكانات الكبيرة؛ سواء المادية أو الدعائية اللازمة للنجاح، ولكن الحمد لله كان عملا متميزا وحقق نجاحا كبيرا أرضاني بشكل شخصي، وعرض على مدار عامي 2014 و2015، وترك بصمة جيدة في المسرح القومي بتحقيقه أعلى إقبال من رواد المسرح في تاريخ مسرح القطاع العام، ونجاح هذه التجربة كان له فوائد كثيرة.
* إذن أنت تعتبر خطوة «أهلا رمضان» جاءت في الوقت المناسب؟
- بالتأكيد في التوقيت السليم، وخضت التجربة بقلب «ميت» وبرغبة شديدة في تقديم شيء مختلف. البعض يقول إن المسرح أصيب بحالة من الفتور، بل وصل لمرحلة الموت السريري، والواقع غير ذلك، لأننا نحن من يحاول قتل هذا الفن الرفيع، ومن خلال تجاربي السابقة، اكتشفت أن المسرح لم يمت، وأن الجمهور متشوق لعمل مسرحي جيد يستمتع به، وأعدت فتح مسرح الهرم الذي كان مغلقا لسنوات.
* ما أسباب الهجوم عليك لاختيارك العرض على مسرح الهرم الذي كان يعرض عليه الفنان عادل إمام؟
- المسألة ليست هجوم، ولكن البعض ظن أن اختيار هذا المسرح بالتحديد لعرض العمل، كان رسالة غير مباشرة مني بأني صرت الزعيم على خلفية عرض مسرحية «الزعيم» عليه من قبل ولسنوات طويلة، رغم أني عرضت في السنة الماضية مسرحية «رئيس جمهورية نفسه» على مسرح الدولة ومسرح يسمى «مترو بول» في العتبة، شخصيا لا يشغلني مكان العرض، ولكن ما يشغلني هو المسرح ذاته بوصفه قيمة فنية كبيرة.
* هل نجحت مسرحية «أهلا رمضان» في إعادة الجمهور لمسرح القطاع الخاص؟
- الحمد لله؛ راض تمامًا عن تجربة «أهلا رمضان»، وأرى أنها «ناجحة مائة في المائة»، والدليل إيرادات أول يوم عرض؛ حيث إن الجانب المادي مهم جدًا لتقيم أي عمل، وبصفة عامة المسرحية بها دلائل مادية تتمثل في أعلى الإيرادات اليومية في تاريخ المسرح الخاص؛ حيث وصلنا إلى 210 آلاف جنيه، وتجاوزنا الرقم القياسي السابق البالغ 140 ألف جنيه على المسرح نفسه، وهذا دليل مادي على نجاح المسرحية، ودليل معنوي أيضًا تمثل في إشادة الجمهور بالمسرحية وإعجابه بها بشكل كبير.
* هل نجاح أعمالك الفنية الأخيرة ساعد في الإقبال على العرض؟
- يوجد كثير من العوامل؛ منها شعبيتي، وهذه الثقة بالتأكيد جاءت من خلال الأعمال السابقة الناجحة التي قدمتني للجمهور وصنعت علاقتي به، سواء في التلفزيون أو في السينما، وهو ما جعله يأخذ القرار بأن ينزل ويدفع أموالاً لكي يراني على المسرح، بجانب المنظومة الجيدة والناجحة للمسرح نفسه والإنتاج القوي والجيد الذي يعتبر من أهم مقومات نجاح أي عمل سواء في الدراما التلفزيونية أو السينما، وحظيت بالتعاون مع فريق عمل مميز بداية من المخرج الكبير خالد جلال، ومؤلف الرواية وليد يوسف، وعمرو مصطفي في المزيكا، والمنتج عماد زيادة، وباقي فريق العمل من الممثلين؛ روجينا وشيماء سيف وأحمد فؤاد سليم، فهم إثراء وثقل للرواية، وأنا أؤمن بأن أكون فردًا في جماعة الأسود، أفضل من كوني قائدًا للنعام.
* لماذا تم اختيار موضوع الرواية لرجل أعمال؟
- أنا صاحب اختيار فكرة الرواية، وكان الهدف منها تقديم فكرة التصادم الطبقي، حيث أقوم بعرض للطبقات الثلاث التي يتكون منها المجتمع المصري، وهي الطبقة المتوسطة، وطبقة الصفوة، والطبقة تحت المتوسطة، التي هي قاعدة الهرم السكاني أو العدد الأكبر من المصريين.
* هل أنت راضٍ عن تقديمك أعمالا مليئة بـ«البلطجة» في بدايتك، أم فرضت عليك لإتاحتها في وقت معين؟
- بالتأكيد «مبسوط منها جدًا»، فقد عملت لي أساسًا كبيرًا وشريحة كبيرة عرفتني من خلال هذه الأعمال، وجعلتني هذه الأعمال أصل إلى هذه الشريحة الصعبة، ثم قمت بجذبهم إلى منطقة أخرى بها قيم، وقدمت فيلم «شد أجزء»، وهي شريحة «عبده موتة» و«الألماني» نفسها، حيث شاهدوا نوعا آخر من السينما، دخلوا فيلم ليس به أي مهرجانات، وكانت نقلة بالنسبة لي مع الجمهور، مع أنني كنت من أوائل من قدم المهرجانات في السينما، ثم انتشرت بعد ذلك في كثير من الأفلام، فهذه الأفكار أعجبت هذه الشريحة ووصلت إليها وأحبوني من خلالها، ومن ضمن أسباب رضاي عن هذه الأفلام أنها تؤرخ مرحلة مهمة؛ ففي 2012 و2013 القضية الأبرز كانت البلطجة، وكانت متصدرة العناوين في الجرائد، وأغلب الأحداث التي كانت تحدث كلها تحت نطاق البلطجة، والحوادث التي سمعنا عنها في هذه الفترة بعد الثورة والانفلات الأمني وسرقة السيارات والأشخاص في الشوارع.. لذلك عملنا تأريخا لهذه المرحلة من خلال فيلمي «الألماني» و«عبده موتة».
* لماذا لم تقدم جزءا ثانيا من مسلسل «ابن حلال» الذي عرض العام الماضي وقد لاقي نجاحا مدويا بين الجمهور؟
- أنا ضد كلمة «جزء ثاني» في أي عمل في حياتي، وقد عرض علي عمل جزء ثان لـ«ابن حلال» ورفضت، وأرى أن ذلك «إفلاس»، مع احترامي لكل الأعمال التي بها أجزاء مكملة.. بالتأكيد لديهم وجهة نظر. عندما أقوم بإعادة عمل، فهذا يؤكد أنك لا تستطيع تقديم جديد، وأنك مفلس فنيًا، فمثلاً «رفاعي الدسوقي» قالوا لي إنني لو قمت بعمله فيلمًا، فسوف أكسر به الدنيا، وهذا مستحيل بالنسبة لي.. «اللي فات مات» بالنسبة لي.
* لكن البعض يرى أن مسلسل «ابن حلال» حقق نجاحا أكبر من الأسطورة؟
- بالعكس، «الأسطورة» حقق نجاحا أكبر وأصعب بكثير من «ابن حلال»، فالأخير كان يعرض على عدد كبير من الفضائيات بتوقيت مميز، عكس الأول «الأسطورة» الذي كان يعرض حصريًا على قناة واحدة، وكان توقيت عرضه غير مناسب، حيث كان يعرض بعد الفجر، وفي الوقت نفسه كانت تعرض مباريات كأس الأمم الأوروبية، لذلك فنجاح «الأسطورة» يساوي 10 أضعاف «ابن حلال»، فظروفه كانت أسهل من خلال المشاهدة، وأعتبر أن «الأسطورة» كان منافسا قويا لكأس الأمم الأوروبية.
* هل تعتقد أن الهجوم أو النقد من زملاء في الوسط يستوجب منك الرد؟
- أرى أن عدم الرد على من يتحدث عنك بسوء يسمى «الاغتيال المعنوي»، فالسكوت قتل ناسا كثيرين في عصرنا، ولذلك أعتقد أن كل مرحلة لها متطلباتها، وهناك مرحلة يصل إليها الفنان تجعل عنده مناعة ضد أي نقد، ويستطيع أن يسكت ولا يرد على من يتحدث عنه، ولكني حتى الآن ليست عندي هذه المناعة، ولذلك أفضل الرد على النقد من أي شخص، والدليل على ذلك أنني عندما أرد تحدث مراجعة واعتذارات من الذين تحدثوا عني بسوء في فكرة أو موضوع ما تم فهمه بشكل خاطئ، لذلك عندما أتحدث عنه تتضح الرؤية، والأمور توضع في مكانها الصحيح.
* هناك من قال: من يقدم فكرة مسلسل «الأسطورة» لا يجوز أن يشارك بحمله ضد المخدرات؟
- كنت حريصا أن تكون شخصية «رفاعي الدسوقي» التي قدمتها في الأسطورة، لا تشرب المخدرات نهائيًا، مع أنه كان مكتوبًا في الورق أنه يتناول الحشيش، وقد منعت أي مشاهد لتعاطي أي مخدرات، سواء لـ«ناصر»، أو «رفاعي الدسوقي»، احترامًا لهذه الحملة التي تدعو للبعد عن المخدرات.
* هل تعتبر نفسك الوريث الشرعي لعمر الشريف بعد تصريحه بمداخلة تليفونية عام 2008 لأحد البرامج بأنك من سيأخذ مكانه بعد رحيله؟
- بصراحة، أخاف أن أقول ذلك، رغم تصريحه بذلك، ولا أحب أن أقول عن نفسي إنني وريث شرعي للنجم العالمي الكبير، فهو قيمة كبيرة وهرم أخاف أن أقترب منه، ولكن الله يرحمه هو بصمة لن تتكرر وصاحب فضل كبير عليّ وصورته فوق رأسي بمكتبي، وأعتبر أن إشادته بي مسؤولية كبيرة جدًا، وحريص على أن أحقق النجاح وأصل إلى النقطة التي تخيلها وتنبأ بها العالمي الكبير عمر الشريف، حتى يقولوا إن نظرته كانت صائبة، فهو فنان كبير وله حس ورؤية فنية عالية، وفي ظل هذه الفترة لم يكن أحد مؤمنا بي في الوسط.
* هل خرجت من عباءة الراحل أحمد زكي؟
- في الماضي كان يقال لي إنني أشبه أحمد زكي، ولكن الآن انتهى ذلك، وكان يشرفني هذا الكلام أن أتشابه مع فنان كبير بحجمه، ولكن الممثل بصمات، والبصمات لا تتكرر، والتمثيل يعتبر بصمة أيضًا لا تتشابه، والممثل كذلك له روحه وأسلوبه الذي لا يتشابه مع أحد.
* ماذا عن أزمة فيلمك «جواب اعتقال» مع الرقابة المصرية؟
- كل الاحترام للرقابة، وعلى رأسها الأستاذ خالد عبد الجليل، ويمكن أن يكون معه بعض الحق، لأن الفيلم يبرز القضية الأشهر في الوقت الحالي وهي قضية الإرهاب، وهي قضية يجب أن نلتفت إليها بشكل كبير، وتم حل المشكلة بعد عمل بعض التعديلات التي طلبتها الرقابة من خلال وجهة نظرهم، وتم الوصول إلى حل وسط حتى لا يحدث خلل في الخط الدرامي للفيلم، وقد استفدنا من هذه التعديلات، وأغلبها كان للصالح العام.
* وماذا عن فيلمك المقبل مع المخرج شريف عرفة؟
- نحن في مرحلة التحضيرات الأولية، وهو بعنوان: «الكنز» من تأليف عبد الرحيم كمال، ويجري اختيار باقي فريق العمل، فهو يحكي تاريخ الشخصية التراثية «علي الزيبق»، ولا أريد التحدث عن تفاصيله، لكنه سيكون مفاجأة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».