مهرجان الدمام المسرحي يكرم سيدة المسرح السعودي

أول امرأة عربية تحصل على جائزة الهيئة العربية للمسرح

د. ملحة عبد الله
د. ملحة عبد الله
TT

مهرجان الدمام المسرحي يكرم سيدة المسرح السعودي

د. ملحة عبد الله
د. ملحة عبد الله

اختار مهرجان الدمام المسرحي في دورته الـ11 التي أطلق عليها «دورة الفنان بكر الشدي»، والمقرر إقامته في 27 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، الكاتبة والناقدة المسرحية السعودية الدكتورة ملحة عبد الله، شخصية المهرجان المكرمة لهذا العام.
وتمثل الدكتورة ملحة عبد الله آل مزهر علامة فارقة في المشهد المسرحي السعودي، وهي أول امرأة عربية تحصل على جائزة الهيئة العربية للمسرح، وقدمت الكثير من الأعمال المسرحية، والتي عرضت في مختلف أنحاء العالم العربي، وهي أول من أصدر موسوعة في «نقد النقد»، وقدمت جهدًا أكاديميًا في إثراء الحركة المسرحية، بينها كتابيها: «أثر البداوة على المسرح في السعودية»، وكتاب «أثر الهوية الإسلامية على المسرح في السعودية».
وملحة عبد الله من مواليد مدينة أبها جنوبي السعودية، (15 أكتوبر 1957) وتلقت تعليمها في أبها، وبعد المرحلة الثانوية غادرت السعودية إلى القاهرة، حيث درست فيها المرحلة الجامعية بأكاديمية الفنون، وبعدها انتقلت إلى بريطانيا لمتابعة دراساتها العليا التي حصلت فيها من جامعة بروزيل كولدج على درجة الدكتوراه في النقد والدراما.
أول نصين مسرحيين كتبتهما بعد تخرجها في أكاديمية الفنون في القاهرة، وهما: مسرحية «أم سعد»، ومسرحية «البدخ» قدمتا في مسرح الشمال بالقاهرة، وخلال مسيرتها الإبداعية قدّمت ملحة عبد الله أكثر من 52 نصًا مسرحيًا، كما ألفّت أكثر من 30 كتابًا، وقد نالت عددًا من الدروع التكريمية والشهادات التقديرية في محافل ثقافية وفنية من مختلف الدول العربية، من بين تلك النصوص، نصّان توأمان، كتبتهما بعد أن أنهت الدراسات العليا عام 1991، الأول «أم الفأس»، والثاني «المسخ»، وتعتبر مسرحية «أم الفأس» لعبة شعبية، وهي من مدرسة المسرح الشعبي الكلاسيكي، أما مسرحية «المسخ» فهي من المدرسة التعبيرية التجريبية، وقد فازت مسرحية «أم الفأس» بجائزة الأمير خالد الفيصل بمسرح المفتاحة، بينما مثّلت مسرحية «المسخ» مصر في مهرجان المسرح التجريبي الدولي ومهرجان المسرح العربي الأول، بعد تحقيقها عددًا من النجاحات في عروضها الأولى. ولملحة نصّ آخر هو مسرحية «حانة الربيع»، والنص يحكي قصة عجوزين تجمعهما قصة حب لبعضهما، لدرجة أن يضحي أحدهما بحياته في سبيل الآخر، بالإضافة لمسرحية «مواطن رغم أنفه».
وفي حديثها أثناء تكريمها في «اثنينية» عبد المقصود خوجة، وصفت ملحة عبد الله المسرح السعودي بأنه «قديم في العالم العربي، فالمسرح السعودي موجود من 1932م أو 1935»، حيث أعقب عرض «فتح مكة» الذي عرض على مسرح قريش للتمثيل في مكة كتابات مسرحية مثل «الدوامة»، و«السعد وعد»، وغيرهما.
وسبق أن تحدثت الدكتور ملحة عبد الله لـ«الشرق الأوسط» عن حاجة المجتمع السعودي لمسرح كلاسيكي ذي طابع تعليمي أخلاقي، كما كان الوضع عليه في مسرح أوروبا في عصر نهضتها، لتشابه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والأعراف والتقاليد، وقالت: «المسرح يستطيع أن يستفز الوجدان الجمعي للمجتمع، ويعمل ما يسمى بالانزلاق الوجداني داخل الإنسان، من خلال التواصل بين المرسل (المسرح) والمتلقي (الجمهور)، فيجعله يتخذ قرار التغيير، فتستطيع تغيير المجتمع بالمسرح الحقيقي والموجه».
وقبل نحو شهر من موعد المهرجان، أعلنت اللجنة المنظمة له عن قبول 14 عرضًا مسرحيًا، بالإضافة إلى عرض «ضيف المهرجان» لفرقة مسرح الشباب في مصر بعنوان مسرحية «الفنار».
وأوضح مدير المهرجان المسرحي، عبد العزيز السماعيل، أن لجنة المشاهدة أقرت قبول سبع مسرحيات للتنافس على جوائز المهرجان، وهي: «سفر الهوامش» لنادي المسرح بجامعة الطائف، و«دوران» لفرقة أرين المسرحية، و«سجينا صدق» لفرقة نادي المسرح بجازان، و«ضرس العقل» لمجموعة الربليون، و«بدل فاقد» لجمعية الثقافة بالدمام، و«ثلاثة اثنان» لفرقة آي قود، ومسرحية «فكرة» لفرقة السراج الفنية. كما أقرت اللجنة قبول سبعة عروض موازية.
وتتكون لجنة المشاهدة من: محمد الجراح، راشد الورثان، سعود الصفيان، وياسر الحسن.
ويعمل المهرجان على طباعة عدة كتب ستوزع في المهرجان، وهي: كتاب للمسرحي عبد الله السعداوي، وكتيب للفنان الراحل بكر الشدي، وكتاب تاريخ مسرح الدمام، وكتيب الشخصية المكرمة الدكتورة ملحة عبد الله، ودليل المهرجان.
يذكر أن مسابقة النصوص المسرحية غير المنفذة سجلت 30 نصًا مسرحيًا، 25 في المائة منها لكاتبات سعوديات، بينما شارك أربعة من المقيمين العرب في السعودية بتقديم أربعة نصوص مسرحية، فيما سجلت مسابقة العروض المسرحية 33 عرضًا مسرحيًا، حيث تم تسجيل عروض من البحرين، المغرب، الجزائر، مصر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».