بطرسبورغ تطلق فعاليات شبه خيالية في إطار عام السينما الروسية

في محاولة لتحفيز إنتاجها وطنيًا بعيدًا عن التأثير «الهوليوودي»

هوليوود السوفياتية في بيترهوف في إطار احتفالية عام السينما الروسية («الشرق الأوسط»)
هوليوود السوفياتية في بيترهوف في إطار احتفالية عام السينما الروسية («الشرق الأوسط»)
TT

بطرسبورغ تطلق فعاليات شبه خيالية في إطار عام السينما الروسية

هوليوود السوفياتية في بيترهوف في إطار احتفالية عام السينما الروسية («الشرق الأوسط»)
هوليوود السوفياتية في بيترهوف في إطار احتفالية عام السينما الروسية («الشرق الأوسط»)

أحيت مدينة بطرسبورغ فعاليات «2016 عام السينما الروسية» على طريقتها الخاصة، وسخّرت لذلك معلمًا مهمًا من معالمها التاريخية هو مجمع قصور بيترهوف التاريخي ونوافيره الشهيرة، حيث تحولت أجزاء من القصر يوم أول من أمس إلى «متحف سينمائي»، معروضاته الرئيسية مشاهد ولوحات تروي حكايات عدد من الأفلام السينمائية الضخمة التي تم تصويرها ضمن مباني المجمع، وتعرض اللوحات بما في ذلك قصص وجوانب مثيرة من عمليات تصوير تلك الأفلام. وأطلق المنظمون على فعاليتهم في بيترهوف عنوان «هوليوود السوفياتية»، وتم افتتاح الفعالية بعرض يكاد يكون خياليًا بجماله، تخللته رقصات فنية، ترافقت مع عرض ألعاب نارية وإضاءة فنية بحجم الحدث.
وكانت روسيا قد أعلنت عام 2016 بصورة رسمية «عام السينما الروسية»، حين أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسومًا بهذا الخصوص نهاية العام الماضي. ويهدف «2016 عام السينما الروسية» إلى جذب الانتباه مجددًا إلى صناعة السينما الوطنية، إنجازاتها والمشكلات والعيوب التي تعاني منها. ولتحقيق هذا الهدف وضعت اللجنة التنظيمية لعام السينما الروسية برامج واسعة تشمل معظم المدن في البلاد، ويشمل البرنامج تنظيم عشرات المهرجانات والعروض السينمائية، وافتتاح صالات عرض ودور سينما جديدة، وتنظيم معارض حول صناعة السينما الروسية، وحفلات فنية ومحاضرات وورش عمل حول صناعة السينما المعاصرة. وقد تم تنظيم برنامج خاص لكل واحدة من المدن الروسية بهدف تحفيز الاهتمام مجددًا بالسينما الوطنية، وتحفيز صناعة السينما الروسية لتلبي أذواق المشاهدين الروس.
ويمكن تلخيص تاريخ السينما الروسية الحديثة بمرحلتين رئيسيتين هما: صناعة السينما في الحقبة السوفياتية، والسينما في روسيا بعد العهد السوفياتي. في المرحلة الأولى كانت السينما، كما ومعظم المجالات الفنية الإبداعية، أسيرة «الآيديولوجيا»، وتنقلت من التركيز على البطولات والنصر في الحرب العالمية، إلى عرض أفلام لا يمكن التقليل من شأنها فنيًا وإبداعيًا حول مرحلة بناء الدولة السوفياتية، ولم يخل الأمر من كثير من أفلام الدراما والكوميديا، التي ما زال كثير منها يشكل حتى اليوم العنصر الرئيسي في «مكتبة الأفلام الذهبية»، وهي مجموعة الأفلام التي أنتجها المبدعون السينمائيون السوفيات من كتاب سيناريو وممثلين ومخرجين، وما زالت تلقى اهتمامًا وإعجابًا لدى المشاهدين حتى يومنا هذا، حتى إن عبارات كثيرة من تلك الأفلام أصبحت اليوم جزءًا من الموروث الشعبي اللغوي في روسيا. ومن تلك الأفلام، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم «نعيمًا، أو سخرية القدر» الذي يشكل عرضه فقرة رئيسية من فقرات احتفالات عيد رأس السنة، ولا بد من عرضه كل عام قبل ساعات من انتهاء العام.
في المرحلة الحديثة، بعد العهد السوفياتي، تحررت السينما من القيود الآيديولوجية، إلا أنها تعرضت لهزة بسبب توقف التمويل ونقصه، ما دفع بكثيرين إلى اللجوء نحو الأسلوب الاستهلاكي في صناعة اللوحات الفنية، وبصورة خاصة نحو أفلام العنف الهوليوودية التي كانت في التسعينات تحقق مبيعات كبيرة في شباك التذاكر. وعلى الرغم من تراجع تأثير «هوليوود» في صناعة السينما في روسيا وظهور أفلام محلية جديرة بالتقدير، فإن التأثر بالنمط «الهوليوودي» ما زال حالة تعاني منها صناعة السينما الروسية. ومن أجل تحفيز صناعة سينما وطنية صافية اعتمدت الحكومة الروسية احتفالية «2016 عام السينما الروسية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».