عيد الأضحى في المغرب: وفرة في عرض الأغنام.. وحرص على تقاليد «العيد الكبير»

الطلب فاق 5.35 مليون رأس.. برقم معاملات ناهز مليار دولار

جانب من أحد الأسواق المغربية (أ.ب)
جانب من أحد الأسواق المغربية (أ.ب)
TT

عيد الأضحى في المغرب: وفرة في عرض الأغنام.. وحرص على تقاليد «العيد الكبير»

جانب من أحد الأسواق المغربية (أ.ب)
جانب من أحد الأسواق المغربية (أ.ب)

لأنه يبقى أهم الأعياد التي يحتفلون بها، يطلق المغاربة على «عيد الأضحى» تسمية أخرى، أكثر تعبيرًا عن المكانة التي يحتلها في قلوبهم، هي: «العيد الكبير».
ونظرًا لقيمته الدينية والاجتماعية، يشكل عيد الأضحى مناسبة لصلة الرحم، وممارسة طقوس وعادات اجتماعية، تشكل فيها الأضحية أساسًا ومنطلقًا، لذلك يحرص المغاربة على اقتنائها مهما كلفهم ذلك من تضحيات، تصل، عند البعض، في بعض الأحيان، إلى الاقتراض من شركات متخصصة، أو بيع بعض أثاث المنزل.
ويجد عدد من أرباب الأسر أنفسهم مجبرين على الاقتراض أو بيع أثاث المنزل، حتى لا يظهروا بمظهر «العاجز أمام الزوجة والأبناء».
وتجد الأسر ذات الدخل المحدود صعوبة في توفير ثمن الأضحية، خصوصًا أن المناسبة تتزامن، هذه السنة، مع الدخول المدرسي، مع ما يتطلبه ذلك من واجبات تسجيل ولوازم مدرسية خاصة بالأبناء، كما تأتي بعد عطلة الصيف، التي غالبًا ما تكون لها متطلباتها التي تثقل كاهل الأسر.
ولا تتوقف مصاريف عيد الأضحى عند اقتناء «خروف العيد»، بل تتعداها إلى إعداد الحلويات واقتناء أزياء للأبناء وتوفير لوازم إعداد الأضحية.
وفيما تنشط، في البوادي، الأسواق الأسبوعية، تكرست، في السنوات الأخيرة، في المدن الكبرى، ظاهرة تخصيص الأسواق الممتازة لفضاءات خاصة لبيع الأغنام.
وفي حين يتم شراء الأغنام من الأسواق الأسبوعية، بشكل تقليدي يعتمد على الدخول في مساومة بين البائع والمشتري حول ثمن إجمالي للخروف، تعتمد الأسواق الممتازة فكرة البيع حسب الكيلوغرام، الذي يصل إلى 55 درهما (الدولار يساوي نحو 10 دراهم). وفي كل الأحوال، يتراوح ثمن الأضحية بين 150 و400 دولارا للخروف.
وتشتهر، في المغرب، سلالات كثيرة من الأغنام، أبرزها «السردي»، وهي سلالة ذات قامة كبيرة، بيضاء مع سواد في مقدمة الوجه حول العينين وعند نهاية الأرجل والأذنين والعنق، فضلا عن سلالات أخرى، مثل «تمحضيت» و«الدمان» و«بني كيل».
وكانت وزارة الفلاحة والصيد البحري المغربية قد أكدت، في وقت سابق، أن العرض الإجمالي من الأغنام والماعز يغطي بشكل واسع الطلب على الأضاحي خلال عيد الأضحى لهذه السنة، حيث بلغ العرض 8.6 مليون رأس، منه 4.9 مليون رأس من الأكباش، و3.7 مليون رأس من الماعز وإناث الغنم. وقدرت الوزارة حجم الطلب على الأضاحي بنحو 5.35 مليون رأس.
وبخصوص الأسعار، أكدت الوزارة أن التوقعات تشير إلى استقرارها أو تراجعها بشكل طفيف مقارنة بأسعار السنة الماضية، موضحة أن متوسط سعر الأضحية قد يتراوح بين 2200 و2300 درهم للرأس.
من جهة أخرى، أكدت الوزارة أن الحالة الصحية للقطيع، خصوصا الماعز والأغنام، تدعو للارتياح في مجمل مناطق المملكة بفضل مختلف المبادرات المتخذة من طرف مهنيي القطاع وبرامج المراقبة المستمرة وحملات التلقيح ضد الأمراض الحيوانية المعدية ذات الانعكاسات الاقتصادية، والتي تقوم بها المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
ويشكل عيد الأضحى نسبة مهمة من رقم معاملات الفلاحين الذين تشكل تربية الماشية المورد الأساسي لدخلهم. وتوقعت الوزارة أن يبلغ رقم المعاملات بهذه المناسبة نحو 10 مليارات درهم (مليار دولار).
كما يشكل عيد الأضحى فرصة لانتعاش مهن موسمية ترتبط بهذه المناسبة الدينية، تشمل بيع علف الأغنام، خصوصا وسط شوارع وأزقة الأحياء الشعبية، بالمدن، فضلا عن لوازم ذبح وتقطيع وشي أضحية العيد. كما تلقى تجارة التوابل رواجًا ملحوظًا، حيث تحرص الأسر المغربية على اقتنائها لاستخدامها في تحضير وجبات خاصة، بهذه المناسبة، تختلف من منطقة إلى أخرى.
ولأن المناسبة لها، أيضًا، طابعها الاحتفالي، يزداد الإقبال على محلات بيع الملابس؛ عصرية أو تقليدية، سواء تعلق الأمر بالصغار أو الكبار، الشيء الذي يخلق رواجًا تجاريًا وحركية اقتصادية.
ويترافق الاحتفال بعيد الأضحى بعادات وتقاليد كثيرة، ما زالت صامدة، رغم التحولات المجتمعية؛ منها «بوجلود» أو «السبع بو البطاين»، التي تتلخص في أن يتم اختيار شخص لارتداء جلود الأضاحي، ولف جسده بسبعة منها، خصوصا جلود الماعز، لخفتها ومرونتها، ليطوف على أهالي المنطقة، لجمع ما تجود به أياديهم، سواء من المال أو من جلود الأضاحي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)