رغم الأزمة الاقتصادية الأكراد متمسكون بتقاليد العيد

الإقبال على التسوق كان محدودًا مقارنة بالأعوام السابقة

سوق القلعة وسط مدينة أربيل («الشرق الأوسط»)
سوق القلعة وسط مدينة أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

رغم الأزمة الاقتصادية الأكراد متمسكون بتقاليد العيد

سوق القلعة وسط مدينة أربيل («الشرق الأوسط»)
سوق القلعة وسط مدينة أربيل («الشرق الأوسط»)

رغم الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها إقليم كردستان منذ أكثر من عامين بسبب الأزمة الاقتصادية، فإن المواطن آزاد حسن مُصر على إتمام استعدادات عيد الأضحى هذا العام كالأعوام السابقة، في شراء كل ما تحتاجه العائلة من حاجات لاستقبال العيد الذي تعتز به العوائل الكردية منذ القدم.
«الشرق الأوسط»، تجولت مع آزاد في أسواق مدينة أربيل قبل يوم من العيد، حيث إن السوق وكعادتها كانت مكتظة بالمتبضعين؛ لكن نسبتهم وبحسب أصحاب المحال التجارية قليلة مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت في كردستان تشهد انتعاشًا اقتصاديًا.
يقول آزاد: «استعدادات العيد في كردستان تتمثل في شراء الملابس الجديدة للأطفال وحتى الكبار في غالب الأحيان يخيطون الملابس الكردية، قبل العيد بمدة قصيرة؛ لأنه وكلما اقترب العيد أصبح الإقبال على الخياطين كبيرًا؛ لذا من الأفضل إتمام ذلك قبل فترة».
ويمضي آزاد بالقول: «كذلك نشتري المشمش المجفف (القيسي) والزبيب والجوز واللوز والكرز المجفف، إضافة إلى اللحوم والحلوى والسكاكر والمكسرات التي تزين موائدنا في العيد، هذا بالإضافة إلى الاستعدادات التي تشهدها البيوت الخاصة بإعداد الكيك والكليجة (نوع من المعجنات)».
ويضيف: «نبدأ صباح العيد بمعايدة الجيران والأصدقاء، ومن ثم نتناول في الفطور طبخة القيسي التي تتألف من المشمش المجفف والزبيب والجوز واللوز والكرز المجفف واللحم، مع الأرز».
وأردف آزاد الذي يعمل معلمًا في إحدى مدارس أربيل، بالقول: «لم أتسلم الراتب منذ نحو ثلاثة أشهر، والراتب الذي تسلمه قليل جدًا؛ لأن الحكومة خفضت الرواتب، حسب قانون إدخار الرواتب في الإقليم للحد من الأزمة، لذا ما نتسلمه كل شهرين أو ثلاثة قليل جدًا، في وقت لا تزال فيه الأسعار مرتفعة وأما إيجار المنازل فمرتفع أيضًا ولم يشهد أي انخفاض»، مستدركًا بالقول: «لكننا تعودنا على الاحتفال بالعيد سنويًا، رغم قساوة الظروف».
آزاد ليس الوحيد الذي اشتكى من قساوة الظروف والأزمة الاقتصادية، فأصحاب المحال التجارية في كل أسواق أربيل أكدوا لنا أن الإقبال على التسوق هذا العام كان خجولاً؛ بسبب مرور أكثر من عامين على الأزمة التي تعاني منها إقليم كردستان العراق، بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة العراقية على الإقليم، وانخفاض أسعار النفط، والحرب ضد تنظيم داعش، ووجود أكثر من مليوني نازح ولاجئ على أرض الإقليم.
ويقول جبار جاف، صاحب أحد المحال التجارية في أربيل: «الإقبال على السوق كان ضعيفًا وعدد المتبضعين قليل بالنسبة للأعوام السابقة، على الرغم من أننا خفضنا من أسعار الملابس التي نبيعها كي تتوافق مع الحالة المعاشية، لكن رغم ذلك لم يكن مستوى المبيعات حسب المطلوب».
وإلى الغرب من مدينة أربيل تقع سوق المواشي أو ما يعرف قبل عيد الأضحى بسوق (الأضاحي)، التي تشهد سنويًا قبل العيد إقبالاً كبيرًا من قبل سكان المدينة، لكن هذا العام ورغم كثرة رؤوس الماشية فيه، فإن عدد المقبلين عليها قليل بحسب أحمد رشيد، أحد أصحاب المواشي في السوق، الذي أوضح: «إقبال الزبائن على السوق قليل هذا العام مقارنة بالأعوام الماضي، الناس لا يستطيعون شراء الأضاحي بسبب الأزمة المالية، الناس في الأعوام الماضية كانوا يحجزون الأضحية قبل العيد بنحو 15يوما أو أسبوعًا، لكن حاليا ليس هناك حجز، لأن عدد المواشي كثيرة وعدد الزبائن قليل، بحيث انخفضت نسبتهم بنحو 60 في المائة».
أما المواطن آري بيجان، فيقول: «سعر الأُضحية مرتفع جدًا، والمواطن ذو الدخل المحدود لا يستطيع شراءه، فمثلاً الكبش يتراوح سعره ما بين (400 - 500) دولار أميركي، أي نحو (500 - 600) ألف دينار عراقي، أما بالنسبة للعجل فسعره نحو 1300 دولار أميركي، أي نحو مليون وأربعمائة ألف دينار عراقي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».